اكتشاف «نيل ثانٍ» مرّ قرب الأهرامات ويفسّر أحد ألغازها
اكتشف فريق بقيادة العالِمة المصرية إيمان غنيم ما يشبه قناة نهرية جافة على بعد عدة كيلومترات غرب نهر النيل أثناء البحث عن آثار للمياه القديمة، وتم نشر مقال عن هذا الاكتشاف في مجلة «الطبيعة» البريطانية منذ أيام قليلة. غنيم عالمة في الجيومورفولوجيا (دراسة شكل الأرض) في جامعة نورث كارولينا في ويلمنغتون. وتمتد القناة المكتشفة لنحو 60 كيلومتراً عبر المناطق الزراعية وكان لها عمق وعرض مماثل لنهر النيل الحديث. ومن الأمور التي قد يساعد هذا الاكتشاف على حلّها هو تفسير كيفية تمكّن المصريين القدماء من نقل الأحجار الضخمة الثقيلة اللازمة لبناء الأهرامات، حيث يفترض أن نقلها سيكون أسهل عبر الماء.
يمكن العثور على أعلى تركيز للأهرامات في مصر في منطقة صحراوية بالجيزة وصقّارة. حيث تحتوي على أكثر من 31 هرماً. وتبعد هذه المواقع الآن عدة عشرات من الكيلومترات عن نهر النيل. لكن علماء المصريات كانوا يشتبهون منذ فترة طويلة في أن النيل ربما كان أقرب إلى هذا الامتداد مما هو عليه اليوم.
ترأست فريق البحث الذي أنجز الاكتشاف الجديد العالمة المصرية ابنة مدينة طنطا، إيمان محمّد غنيم، وهي أستاذة العلوم الطبيعية وعلوم الفضاء والاستشعار عن بعد، في جامعات أمريكية. واستخدمت غنيم وفريقها صور الأقمار الصناعية والبيانات الجيولوجية لاكتشاف أحد روافد نهر النيل -والذي أطلقوا عليه اسم «فرع الأهرامات»- كان يمر بالقرب من العديد من المواقع الرئيسية في المنطقة منذ عدة آلاف من السنين. وتم الإبلاغ عن هذا الاكتشاف في 16 أيار الجاري 2024 ونشر في مجلة «الاتصالات، الأرض والبيئة».
وبحسب المعلومات التي تداولها الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية نقلاً عن متخصصين مصريين في الآثار، فإنّ نهر الأهرامات المكتشف حديثاً كان طوله 64 كيلومتراً وعمقه 25 متراً وعرضه نحو 500 متر، ويبعد عن فرع النيل الأساسي بنحو 7 كيلومترات. وقد تعرض هذا النهر منذ نحو 4200 سنة إلى عملية «إطماء» - من تراكم «الطمي».
ويمكن أن يساعد هذا الاكتشاف الجديد في تفسير سبب اختيار المصريين القدماء لهذه المنطقة بالذات لبناء الأهرامات. كما تقول جوديث بنبري، عالمة الآثار الجيولوجية في جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة: «الأمر أقل صعوبة إذا كان بإمكانك إحضار الحجارة الكبيرة عبر القارب بدلاً من حملها فوق اليابسة».
الممرات المائية المتجولة
منذ آلاف السنين، كان نهر النيل وسهوله الفيضيّة يوفّران الغذاء والزراعة والمياه لسكان مصر. ولا تزال غالبية سكان البلاد تعيش في حوض النيل. لكن النهر عُرضة للهجرة، وفي الماضي، اضطر السكان إلى الانتقال لمواكبة ذلك. على مدى مئات السنين القليلة الماضية، تحرك نهر النيل عدة كيلومترات إلى الشرق، ربما بسبب تغير الصفائح التكتونية.
وهناك أدلة على أن بعض المواقع الأثرية المهمة في مصر لم تعد لها العلاقة نفسها بالنهر كما كانت في وقت بنائها. حيث توجد بقايا موانئ وأدلة أخرى في المواقع التي تمتد عليها الأهرامات. لكن العلماء وجدوا صعوبة في رسم نطاق أو مواقع هذه الممرات المائية المفقودة.
وللتحقق مما إذا كانت القناة يمكن أن تكون جزءاً من مجرى نهر قديم، قام الباحثون بجمع عينات أساسية من الرواسب من القناة. وتحت الطين الرطب للحقول، وجدوا طبقة من الحصى والرمل تتوافق مع طبقة مجرى النهر. وقد أتاح الجمع بين بيانات العينة وصور الأقمار الصناعية للفريق رسم خريطة لموقع فرع النهر المفقود. ووجدوا أنه كان من الممكن أن يتدفق عبر أكثر من 30 هرماً من أهرامات المملكة القديمة والوسطى يعود تاريخها إلى ما بين 2686 إلى 1649 سنة قبل الميلاد، وبالتالي قرروا تسميته فرع «الأهرامات» باستخدام الكلمة العربية.
وتقول سوزان أونستين، عالمة المصريات في جامعة ممفيس بولاية تينيسي الأمريكية، إن هذا الفرع النهري كان يربط كل هذه الحقول الهرمية المختلفة: «معابد وجسور الوادي كلها موجّهة بالضبط إلى المكان الذي كانت فيه المياه».
نهر نيل ثانٍ؟
لطالما ناقش الباحثون منذ فترة طويلة أهمية مواقع الأهرامات. كان يمكن للممر المائي الذي يمرّ بجوارها أن يكون عاملاً مهماً، لأنه كان سيوفر طريقة مناسبة للبنّائين من أجل نقل المواد إلى المواقع.
يقول بنبري إنّ هذه النظرية تتوافق مع وثائق من تلك الحقبة تنص على أن مواد البناء تم جلبها عن طريق القوارب.
وفي مقابلات إعلامية سابقة كان عالم الآثار المصري الشهير زاهي حواس قد أكّد أنّه في عهد الأسرة الرابعة للدولة القديمة، في عهد الملك خوفو، منذ 4600 سنة، تمّ شقّ «نهر نيل ثانٍ» بحسب تعبيره، يقع إلى الناحية الغربية من نهر النيل الحالي. وأضاف حوّاس أنّ نهر النيل الثاني البشريّ الصنع ذاك، ما زال موجوداً على الخرائط تحت اسم «بحر اللّبيني». وأنّه تم قطع قناة في «نهر النيل الثاني» ذاك، وانتهت القناة في ميناء. وقال حوّاس إنه تم اكتشاف الميناء الخاص بالملك خوفو، والميناء الخاص بالملك خفرع.
وبحسب حوّاس فإنّ هناك برديّة مكتشفة معروفة باسم «برديّة وادي الجرف»، تعتبر أهم وأول كشف تاريخي أثري يتحدّث عن بناء الأهرامات، وتقول البردية إنّ رجلاً مصرياً قديماً اسمه «ميرر» كان رئيساً لمجموعة عمّال ساهموا في بناء الأهرام، يقول: أنا من الدلتا وكنت أعمل لدى الملك خوفو، وأخذتُ 40 عاملاً وذهبنا لكي نقطع الحجارة التي سوف يُكسى بها الهرم.
وأعطى رئيس العمال المذكور توصيفاً لكيفية قطع الحجارة وتهذيبها ونقلها على زحّافات حتى يصلوا بها إلى مركب مائي ضخم ليبحر بهذه الحجارة إلى الجيزة. وأنهم عندما كانوا يصلون إلى الجيزة يبيتون فيها، ثم ينقلون الحجارة ويصعدون بها إلى الهرم.
وبحسب زاهي حوّاس فإنّ كثيراً من التفاصيل حول الأهرامات وبنائها موجودة في الكتاب الذي ألّفه بشكل مشترك مع عالِم الآثار الأمريكي مارك لينر، الذي استغرق تأليفه 20 سنة. الكتاب باللغة الإنكليزية ويحمل عنوان «الجيزة والأهرام: التاريخ المؤكَّد»، صادر عن دار نشر جامعة شيكاغو، ويقع في 560 صفحة.
وقال حوّاس في إحدى المقابلات التلفزيونية: «كلّ ما يخصّ بناء الأهرام لم يعدْ سرّاً إطلاقاً. ولدينا أدلّة حول كلّ ما يخص نقل الحجارة والزوايا وكلّ شيء...». واعتبر حوّاس بأنّ كلّ الروايات والقصص التي تنطوي على شَطَط وخرافات بشأن بناء الأهرام تصدر عن أناس غير متخصصين علمياً.
وفي نهاية المطاف، فإن حركة النيل والرمال التي تهب من الصحراء الكبرى كانت ستؤدي إلى جفاف هذا الفرع النهري القريب من الأهرامات ويصبح غير صالح للملاحة. واليوم، لم يتبق سوى عدد قليل من البحيرات والقنوات الضالة حيث كان الفرع الرئيسي يعمل ذات يوم.
ومن جوانب الأهمية الأخرى لمعرفة موقع النهر القديم هو أنها توفر مخططاً يمكن لعلماء الآثار استخدامه لاحقاً لمحاولة الكشف عن المزيد من المستوطنات المصرية القديمة.
«لعنة الفراعنة»؟
وأشار عالم الآثار المصري زاهي حواس إلى ما يسمى «لعنة الفراعنة» التي تنسج حولها كثير من الأساطير والقصص. حيث أعطاها ببساطة تفسيراً علمياً مفاده أنّ «لعنة الفراعنة» ليس فيها أيّ سرّ؛ لأن الإقفال على مومياء آدميّة في مقبرة لخمسة آلاف سنة، سيؤدي إلى نمو جراثيم فيها. وعندما كان يأتي المكتشفون ويفتحونها تخرج عليهم هذه الجراثيم وقد تصيبهم بالأمراض. وقال حوّاس: لذلك صرنا عندما نفتح مقبرة نتركها لفترة ريثما يخرج الهواء الفاسد ويدخل الهواء النقي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1175