العلم يفنّد الأساطير الصهيونية (الجزء الثاني – الأنساب واللغة)
نتابع في هذا الجزء بعضاً ممّا جاء في منشورٍ مهمّ للحزب الشيوعي البريطاني (الماركسي-اللينيني) بعنوان «الصهيونية – أيديولوجيا عنصرية ومعادية للسامية». وبحسب المصادر العِلمية التي استند إليها فإنّ: «معظم اليهود المعاصرين ليسوا حتى ساميّين. تزعم الأسطورة الصهيونية، أنه عندما دمّر الرومان المعبد اليهودي في القدس عام 70 بعد الميلاد، هاجر السكّان اليهود جماعياً من فلسطين، وأنّ اليهود المعاصرين ينحدرون من أولئك المهاجرين. أمّا في الواقع، فلا يوجد دليلٌ على أيّ هجرة جماعية كهذه».
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
المؤكَّد أنّ عدد السكان اليهود في المنطقة تضاءل في القرون التالية، غالباً من خلال تحوّل اليهود إلى المسيحية أو الإسلام لاحقاً، والسكان اليهود الذين ظهروا في أجزاء أخرى من العالم هم في معظمهم من المتحوّلين من بين السكان المحليّين.
الأسطورة العِرقيّة للصهيونية
تُفضّل الصهيونية رواية أنّ اليهود يشكلّون «عِرقاً»، وبالتالي لا معنى للتبشير اليهودي بالنسبة لها. لكنّ نصوصاً دينية يهودية احتوت نصائح لليهود بأنْ يقوموا بالتبشير، وهكذا فعل مبشّروهُم عبر العالم.
كتبت سوزان بيرلمان على موقع «اليهود من أجل يسوع» «يخبرنا المؤرّخون والعلماء المشهورون أنّ السياسات التبشيرية امتدّت إلى ما بعد العصر الكتابي. وهي تتّبع نشاطاً تبشيرياً قويّاً من جانب المجتمع اليهودي طوال فترة الهيكل الثاني وما بعدها، وتؤكّد الأدبيات اللاتينية واليونانية ذلك. تحوَّل الأدوميّون والموآبيون والإيطوريون في عام 140 قبل الميلاد. في أواخر فترة الهيكل الثاني، يستشهد جوزيفوس بالعديد من المتحوّلين اليهود في أنطاكية. وفقاً للمؤرّخ اليهودي في القرن العشرين، سالو بارون، كان ما يصل إلى 10% من سكان روما القديمة يتألّفون من اليهود، وكان العديد منهم متحوّلين إلى المسيحية... إنّ التبشير الذي بدأ في زمن التوراة لم ينتهِ بتنصير الإمبراطورية الرومانية. وحتى في تلك الجيوب الوثنية المحاطة بالدول المسيحية أو الإسلامية، كان هناك تبشيرٌ غير مقيَّد. وكان بين المتحولين من الوثنية الخَزَر في القوقاز (القرن الثامن) ومملكة أكسونيا الإثيوبية التي خرج منها الفلاشا... استمرّ التبشير طوال الحروب الصليبية حتى الإصلاح تقريباً». (انتهت الاقتباسات من مقال سوزان بيرلمان، عندما كان اليهود مبشِّرين).
يبدو أنّ هذا النشاط التبشيري اليهودي وصل إلى نهايته فقط عندما ظهر إيذاء اليهود لاحقاً في الدول المسيحية بالعصور الوسطى، حيث اعتمدت الطبقات الحاكمة على الاحتفال الشامل بدين الدولة الرسمي كوسيلةٍ للحفاظ على سيطرتها الأيديولوجية على الجماهير المضطهدة، فلم تعد تتحمّل المنافسة الأيديولوجية من جانب اليهودية.
واضحٌ إذاً أنّ عدد اليهود المنحدرين من المجتمع اليهودي الأصلي في الشرق الأوسط قد تضاءل، بينما ازداد كثيراً عدد المتحوّلين [من اليهودية إلى غيرها] من مجتمعات منفصلة تماماً. ولهذا السبب فإنّ معظم اليهود اليوم لا يمتّون بصلةِ نسب لمن يُطلَق عليهم اسم «الساميّين».
ما معنى «الساميّة»؟
كلمة «الساميّة» في الواقع مشحونةٌ إيديولوجياً. ابتكرها اللّغويون في القرن الثامن عشر لوصف مجموعة لغات بينها صلة قربى، استُخدِمَت بشكل رئيسي في الشرقَين الأوسط والأدنى. وشملت كلّاً من العبرية التوراتية (التي كانت آنذاك لغةً ميتة)، والعربية والآرامية. ثمّ توسّع المصطلح ليشمل مفهوماً مختلفاً إلى حدٍّ ما، ليدلّ على الأقوام المتحدّثين بتلك اللغات كلغةٍ أمّ. ولو بقي الأمر مقتصراً على اللغة لما حدث أيّ ضرر، لكنْ اختيرَ مصطلح «الساميّة» لإضفاء «مصداقيّة» على فكرة وجود مجموعة بعَينها متميّزة عِرقياً. وما سهّل انتشار الكلمة هو أنها مشتقّة من «سام» أحد أبناء نوح الثلاثة. علماً أنّه وفقاً للكتاب المقدَّس، لم يبقَ أيُّ إنسانٍ في العالم بعد الطوفان سوى نوح وعائلته، وكان لا بدّ أنْ ينحدر جميعُ الناس على الأرض من ذرّية نوح. والمنحدرون من سام، بحسب الكتاب المقدس، هم سكّان الشرق الأوسط بمن فيهم اليهود. أمّا المنحدرون من أخيه «حام» فهم الأفارقة، ومن أخيهما «يافث» هم الفرس والأوربيّون. وهذا يمثل جميع احتمالات الأشخاص الذين قد يكون صادفهم الرّعاةُ في شبه الجزيرة العربية وقتَ كتابة العهد القديم. وهو تصنيفٌ مبكر للنّاس إلى «أعراق» مختلفة بخصائص وراثية جسدية معيَّنة لأناسٍ من مناطق جغرافية مختلفة. مرةً أخرى، ربّما لم يكن هذا ضارّاً بحدّ ذاته لو لم يشمل مفهوم «العِرق» خصائص ثقافة الناس من مناطق جغرافية مختلفة بحيث تُعتَبَرُ الاختلافاتُ حكمَ «قيمة» على الأشخاص من هذه «الأجناس» المختلفة، كما لو كانت اختلافاتٍ مبرمجة وراثياً كنوع الشعر ولون البشرة وما إلى ذلك.
من المثير للاهتمام أنّه بحسب هذا التعريف، يجب إدراج العرب ضمن الشعوب الساميّة. وفي هذه الحالة، لا يوجد أحدٌ أكثرُ معاداةً للساميّة من اليهود «الإسرائيليين» أنفسهم، حيث إنّ معظمهم مقتنعون تماماً بأنّ العرب كائناتٌ «أقلّ شأناً وغير إنسانية». [ملاحظة المعرّب: يجدر هنا التذكير بالتعبير العنصري الفاشيّ الذي استخدمته قيادة جيش الاحتلال بعد «طوفان الأقصى» عندما وصفت الفلسطينيين بقطاع غزة بأنهم «حيوانات بشرية»].
علم اللغة والأصول الحقيقية ليهود اليوم
من المعلومات غير المعروفة على نطاق واسع، حقيقةُ أنّ اللّغة العِبرية المستخدمة حالياً في «إسرائيل» وفي الممارسات الدينية اليهودية المعاصرة، ليست «ساميّة»! فرغم أنها تستخدم مفرداتٍ ونصوصاً مشابهة للّتي استخدمَتها اللّغة العِبرية التوراتية، إلا أنّها لغةٌ سلافيّة من ناحية البنية اللغوية وليست ساميّة، فهي مشتقة من اليديشية وليس من العبرية التوراتية. وقد أثبت ذلك بول ويكسلر، أستاذُ اللغويّات الفَخريّ في جامعة تل أبيب، الذي رفضت المؤسّسة الأكاديمية الرسمية أعمالَه بذريعةً أنها «علمٌ زائف»، رغم أنّه دعّم حججه بقوة بالأدلّة المتاحة. يجادل ويكسلر بأنّ المبشّرين الذين نقلوا الديانة اليهودية إلى أجزاء من العالم حيث تمّ تبنيها بشغف، قد جلبوا أيضاً اللغة الساميّة ونصّ الكتاب المقدس، وكلها تبنّاها السكّان المحليون بحماس، رغم أنّها كانت لغةً ميتة لا أحد يعرف كيف يتحدّثها. علاوة على ذلك، فإنّ الطريقة التي تمت بها كتابة لغة الكتاب المقدس، باستخدام الحروف الساكنة فقط دون حروف العلّة، حالتْ دون أنْ يعرف هؤلاء السكّان الكثير عن قواعد اللّغة العِبرية الكتابية أو حتى تركيبها نظراً لأنّ هذه لم تكنْ واضحةً تماماً من النصوص، لذلك قاموا فقط بنقلها إلى لغتهم الأصليّة. اللغات الخاصة هي مفردات اللغة الساميّة وليس بنيتها. وتوصّل ويكسلر في دراساته اللغوية إلى القناعة التالية «إنّ جميع الأشكال المعاصرة لليهودية والثقافة اليهودية قد تمّ (تهويدها) مؤخَّراً نسبياً». (ب. ويكسلر، الأصل غير اليهودي لليهود السفارديم، مطبعة جامعة نيويورك، ألباني، 1996).
تتمثّل أطروحة ويكسلر في أنّ اللغة العِبرية الحديثة مشتقّة من اليديشية، وأنّ اليديشية هي من الناحية الهيكلية لغةٌ سلافيّة استوعبتْ مفرداتٍ ألمانيّة بعد تفكّك دولة الخَزَر، التي كانت في أوجها دولةً يهوديّة حقاً بعد التحوُّل الجماعي للخَزر إلى اليهودية، وكانت موجودة من عام 650 إلى عام 1048 تقريباً، بين البحر الأسود وبحر قزوين وإلى الشمال منهما، داخل أراضي ما يعرف الآن بجورجيا وأرمينيا. خلال فترة دولة الخزر، بدأ المجتمع اليهودي من المتحوّلين السلافيّين والأتراك تدريجياً بتبنّي اللّغة «الصُّوربية» المحلّية، وهي لغة لا تزال تُستخدم في أجزاء من شرق ألمانيا حتى يومنا هذا. كانت هذه اللغة جزءاً من مجموعة اللّغات السلافيّة. عندما تغلّب التحالفُ الروسي البيزنطي على الخَزرية وفكَّكها، أُجبر العديد من المتحوّلين اليهود الأتراك الذين يسكنون المنطقة على الهجرة إلى مستوطنةٍ يقع معظمها في الأراضي التي يسكنها متحدّثون أصليّون للّغة الألمانية. في هذه المرحلة، أصبحت المفردات الألمانية مدمَجة تدريجياً في البنية السلافيّة للّغة التي يتحدّث بها الخَزَر، وأصبحتْ هذه اللّغة تُعرَفُ باسم اليديشية، والتي رغم مفرداتها الألمانيّة فإنها لغةٌ سلافية وليست لغة هندية-أوروبية. أمّا اللّغة العبرية الحديثة فقد تمّ تجميعها بشكلٍ مصطنع من قبل العلماء استناداً إلى اليديشية التي تمّ دمجُ المفردات العبرية فيها، وبالتالي فهي في حدّ ذاتها لغةٌ سلافيّة وليست ساميّة.
إنّ أدلّة ويكسلر اللغوية التي لا تقبل الجدل تؤكّد أنّ اليهود المعاصرين الذين ينحدرون من الشّعب اليهودي الذي عاش لعدة قرون في أوروبا الشرقية، لا ينحدرون بالتأكيد من السكّان اليهود الأصليين في الشرق الأوسط.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1153