العلم يفنّد الأساطير الصهيونية (الجزء الثالث – يهود الخَزَر والوراثة)
هذه المختارات المُسَلسَلة مأخوذة (بتصرّف وتلخيص) من الكتيّب الصادر عن الحزب الشيوعي البريطاني (الماركسي-اللينيني) عام 2015 بعنوان «الصهيونية – أيديولوجية عنصرية ومعادية للسامية». وقد تطرّق الجزء السابق إلى أدلّة أستاذ اللغويّات بول ويكسلر، والذي رغم كونه «إسرائيلياً» رفضت الأكاديميّات الرسمية أبحاثَه بذريعة أنها «علمٌ زائف»، لأنّ نتائجها خلصت إلى أنّ اليهود المعاصرين المنحدرين من أوروبا الشرقية قبل عدة قرون لا يمتّون بصلة نسب للسكّان اليهود الأصليين في الشرق الأوسط. في الجزء الثالث أدناه عرضٌ موجَز لتاريخ يهود الخَزَر ثمّ أدلّة على أطروحة ويكسلر نفسها من علمٍ آخر، هو علم الوراثة.
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
إنّ المنطقة الواقعة بين بحار قزوين والأسود والبلطيق، كانت في نهاية القرن الثامن عشر، ونتيجة لعوامل جغرافية وتاريخية وجيوسياسية عديدة، مكاناً للقاء الهجرات الآسيوية والأوروبية (قديماً وخلال العصور الوسطى). وباتت تلك المنطقة موطناً تاريخياً لمعظم يهود العالم لأكثر من ألف عام منذ أن انتقل مركز ثقل اليهود من إمبراطورية الخَزَر القروسطية إلى منطقة الاستيطان الحديثة بعد الغزو المغولي لروسيا وأوروبا الشرقية. وأثبت تمركز يهود العالم في هذه المنطقة، والتقسيمات المتعاقبة لبولندا في نهاية القرن الثامن عشر، أنها كانت علامات بارزة في ولادة «المسألة اليهودية» في روسيا وبقية أوروبا.
يهود الخزر وروسيا
نشأت المسألة اليهودية في روسيا بعد تقسيم بولندا عدّة مرات (في أعوام 1772 و1793 و1795) بين الإمبراطوريات الروسية والبروسية والنمساوية. وبعد تدمير بولندا، أدى التقسيم إلى نقل أكبر الجاليات اليهودية إلى الحكم الروسي - المناطق الجغرافية التي أصبحت تعرف فيما بعد باسم منطقة الاستيطان اليهودية. وفقاً للتعداد السكاني الروسي لعام 1857، تركز 95% من يهود الإمبراطورية الروسية البالغ عددهم 5,189,401 في 25 مقاطعة من منطقة المستوطنة اليهودية وبولندا الروسية. إنّ سياسة الترويس التي اتبعتها روسيا [القيصرية]، والتي فرضت قيوداً على اللغات والثقافات غير الروسية، سببت أسوأ معاناة للتتار المسلمين والخزر اليهود، حيث فرضت العديد من القيود (المهنيّة والسكنية وغيرها). ونتيجة لذلك، وبغض النظر عن الأثرياء، وذوي المهارات العالية، وبعض الجنود القدامى، اقتصر اليهود الروس على منطقة الاستيطان اليهودية. لقد اتُهموا عادةً بعدم اللجوء إلى الزراعة، واستغلال الفلاحين من خلال ممارسة إقراض المال [الرّبا]، وتوفير الخمور للفلاحين السكِّيرين، والتهرب من الخدمة العسكرية، والانخراط بأحداث شغب.
وتصدّرت المسألة اليهودية الجغرافيا السياسية الروسيّة بعد اغتيال القيصر ألكسندر الثاني عام 1881، والذي اتُّهِمَ فيه اليهود. زوّدت الطبيعة التمييزية لقوانين مايو 1882 بريطانيا بنوع من النفوذ «الأخلاقي» والسياسي للتدخل المباشر بالشؤون الروسية نيابةً عن اليهود الروس من خلال تنظيم اجتماعاتٍ عامّة في لندن تركّز على المسألة اليهودية في روسيا. وواصل البريطانيون الضغط على الروس بهذا الشأن طوال ثمانينيّات القرن 19. وبعد أن أصبحوا في وضع يسمح لهم بنقل النقاش حول المسألة اليهودية إلى روسيا، قاموا بتحويل اتجاه خطابهم الدبلوماسي من مجرّد التعبير عن آرائهم حول قوانين مايو 1882 إلى التمثيل الرسمي المباشر لإلغاء تلك القوانين المضادّة لليهود، والذين بدأوا بتسميتهم «بالإسرائيليّين» تماشياً مع السياسة العدوانية المتزايدة المتمثّلة في صَهينَة اليهود وتهويد الصهيونية.
قام العديد من الجغرافيّين في العصور الوسطى والمؤرّخين المعاصرين بدراسة صعود وسقوط إمبراطورية الخَزَر اليهودية (بعد التحوّل الجماعي للخَزَر الأتراك إلى اليهودية) في جنوب روسيا بين القرنين الثامن والعاشر. تراجعت قوة الخزر بعد هزيمة جيشهم على يد سفياتوسلاف، دوق كييف، في عام 960. وضع غزو جنكيز خان لروسيا في عام 1218حدّاً لما تبقّى من إمبراطورية الخزر، ممّا أدى إلى تشتيت يهود الخزر بين بحر قزوين وبحر البلطيق – الموطن التاريخي الفعلي لليهود المعاصرين. عندما انتقل يهود الخزر من أكواخهم في سهوب روسيا وآسيا الوسطى إلى بلدات ومدن أوروبا الشرقية، فقدوا في هذه العملية هويتهم المتماسكة كخزر، واحتفظوا فقط بدينهم وتقاليدهم الأخرى. ولا بدّ أن هذه الحقيقة التاريخية هي التي دفعت آرثر كويستلر (يهودي أشكنازي مَجَري) إلى القول في كتابه «القبيلة الثالثة عشرة، إمبراطورية الخزر وتراثها» بأنّ اليهود الأشكناز هم أحفاد الخزر. وبالمثل، لا بدّ أنّ ذلك دفع بول ويكسلر، الأستاذ في جامعة تل أبيب، إلى تأليف ثلاثة كتب هي «اليهود الأشكناز: شعب سلافيّ تركي يبحث عن هوية يهودية»، و«الأصول غير اليهودية لليهود السفارديم»، و«إعادة صياغة ذات مستويين في اللغة اليديشية، اليهود والصوربيّون والخزر واللهجة الكييفيّة البوليسيانية». وفي هذه الكتب يجادل ويكسلر بأنّ اليهود الأشكناز هم في الغالب من أصل سلافي تركي وليس من المهاجرين اليهود الفلسطينيين، في حين أنّ اليهود السفارديم هم بشكل رئيسيّ من أصل أمازيغي وعربي.
وأيّاً يكن الأمر، يَعتبرُ الصهاينة أبحاثاً كهذه من المحرّمات، بل وحتى «معادية للساميّة». في هذا السياق، لعب الصهاينة دوراً فعالاً في إنشاء ما يسمى «الرابطة الدولية لجمعيات علم الأنساب اليهودية» (AIJGS) عام 1980، بهدف احتواء تزايد الوعي العالمي الأكاديمي والشعبي بأصول اليهود المعاصرين غير الساميّة، وبالأدلة الناشئة بشأن أسلافهم الخزر.
البحوث الجينيّة تكذّب الصهاينة
تميل الأبحاث الوراثية أيضاً إلى دعم أطروحة ويكسلر. حيث أفاد نيكولاس ويد في 27 أيلول/ سبتمبر 2003 في صحيفة نيويورك تايمز أن علماء الوراثة وجدوا تشابهاً وراثياً كبيراً بين اليهود الأشكناز وأولئك الذين يسكنون آسيا الوسطى، «لقد وجد فريق من علماء الوراثة الذين يدرسون أصول المجتمعات اليهودية بصمة جينيّة غير عادية تحدث في أكثر من نصف اللاويين من أصل أشكنازي. يُعتقد أن هذه البصمة نشأت في آسيا الوسطى، وليس في الشرق الأدنى، وهو موطن أجداد اليهود» - حملت الورقة عنوان: «تقرير لعلماء الوراثة وجد صلة بين آسيا الوسطى واللاويين». وقد اضطرّ العديد من علماء الوراثة إلى التوصل إلى النتيجة نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت ورقة بحثية أخرى أنّ جينات اليهود الذين استقرّت عائلاتهم في الشرق الأوسط منذ زمن سحيق تكاد تكون متطابقةً وراثياً مع جينات العرب الفلسطينيين (وليس جينات اليهود في أماكن أخرى). أحدثت هذه النتائج ضجّة لدرجة أنه تم سحب البحث من النشر في المجلة الرائدة «علم المناعة البشرية»Human Immunology لأنه «يتحدى الادّعاء بأنّ اليهود هم شعب مختار خاصّ وأنّ اليهودية لا يمكن أن تكون إلا عن طريق الوراثة» بحسب وصف آر ماكاي في صحيفة «ذي أوبزيرفر» بمقال له بعنوان «مجلة تطعن بأبحاث الجينات حول اليهود والفلسطينيين»، (المراقِب، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2001).
اليهود المعاصرون ليسوا ساميّين
يقدم محمّدين ولد مي في نهاية دراسته عدة استنتاجات لا يمكن لمجلةLALKAR إلّا أن تؤيّدها، بما في ذلك الاستنتاجات الثلاثة الرئيسيّة التالية:
«أولاً، إنّ الادعاء الساميّ اليهودي الذي أطلقه الصهاينة باسم اليهود المعاصرين لا يزال غير مدعومٍ بأدلّة وفقاً لما توصّل إليه الباحثون في التاريخ وعلم الآثار واللغويات وعلم الوراثة».
«ثانياً، يتمّ استخدام الادّعاء الساميّ بشكلٍ أساسيّ لتبرير تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وتهجيرهم وانتحال هويتهم من قبل المستوطنين اليهود في أحد أكثر أشكال سرقة الهوية الثقافية تعقيداً».
«ثالثاً، حتى لو كان اليهود المعاصرون (ساميّين) بالفعل، فإنّ هذا لا يبرّر انتزاعهم لممتلكات الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بأيّ اضطهاد سابق أو حاضر أو فعلي أو مزعوم لليهود في أوروبا أو في أيّ مكان آخر في العالم».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1154