أدلة جديدة على وجود الماء على القمر اكتشفها مسبار صيني
تم إطلاق المسبار الصيني Chang’e-5، الذي يتكون من مركبة مدارية ومركبة هبوط و«صاعد» و«عائد»، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وعاد إلى الأرض في ديسمبر/كانون الأول. واستعاد ما مجموعه 1731 غراماً من عينات القمر، وخاصة الصخور والتربة من سطح القمر. وبدراسة النتائج التي نشرت حديثاً في مجلة «الطبيعة» (14 حزيران 2022) تبين احتواء إحدى العينات بشكل خاص على أدلة على وجود الماء أكثر من المتوقع. وقال الباحثون «تُظهر نتائجنا أن محتويات الهيدروكسيل OH للتربة القمرية في موقع هبوط Chang’E-5 هو بمتوسط 28.5 جزءاً في المليون، وهو عند النهاية الضعيفة لخصائص ترطيب القمر، وجاءت النتيجة متوافقة مع تنبؤات سابقة عبر الاستشعار عن بعد والبيانات التلسكوبية الأرضية. وقد يكون الأباتيت المحتوي على الهيدروكسيل مصدراً مهماً للهيدروكسيل الزائد الذي لوحظ في هذه المنطقة الصغيرة» من الموقع المستكشف على سطح القمر.
تعريب وتلخيص: د. أسامة دليقان
كان يعتقد في البداية أن القمر كان جافاً للغاية، لكن تغير هذا الرأي منذ أن اكتشف مقياس الطيف النيوتروني الوجود الشامل للهيدروجين ضمن المتر الأول تحت سطح القمر. تم بعد ذلك العثور على المياه القمرية من خلال العديد من مقاييس الطيف الإضافية، مثل مقياس طيف الأشعة تحت الحمراء عالي الدقة والمرئية ومطياف رسم الخرائط بالأشعة تحت الحمراء على المركبة الفضائية كاسيني، وغيرها. تم أيضاً تأكيد الدليل المباشر على وجود الماء على سطح القمر من خلال تحليل عينات أبولو.
كشف المياه
يتمثل أحد الأهداف العلمية للمسبار في استكشاف المياه القمرية، والتي تعد مفتاحاً لفهم تكوين القمر وتطوره. كما يوفر معلومات مهمة حول تطور النظام الشمسي. من المتوقع أن يوفر وجود المياه دعماً للموارد البشرية القمرية في الموقع في المستقبل.
ومع ذلك، لا تزال مصادر المياه القمرية مثيرة للجدل. يُقترح تقليدياً أن المياه القمرية إما جلبتها «الرياح الشمسية» أو نتيجة نيزك أو مذنب. أيضاً، يُعتقد أن المعادن مثل الأباتيت التي تحتوي المياه الأصلية موجودة بكميات صغيرة وموزعة بشكل غير متساوٍ على سطح القمر.
ووجدت مجموعة من العلماء من الأكاديمية الصينية للعلوم دليلاً جديداً على وجود الماء على سطح القمر بناءً على أطياف Chang’e-5 في الموقع ونتائج المختبر للعينات التي تم إرجاعها. حيث بعد هبوط Chang’E-5 على سطح القمر، تم جمع العينات المحفورة أولاً في عملية استمرت تقريباً لمدة 6 ساعات.
كشفت النتائج التي توصلوا إليها أن الأباتيت الموجود في منطقة على القمر تسمى «الفرس الصغيرة» حيث هبط المسبار Chang’e-5 وتحتوي مياهاً محلية على شكل هيدروكسيل.
يقع موقع هبوط Chang’e-5 في واحدة من أصغر وحدات تدفق الحمم البركانية على سطح القمر، مما يجعل الأباتيت، الحالة النهائية جداً في تكوين البازلت، هدفاً مثالياً للبحث عن دليل على وجود المياه الأصلية، وفقاً للدراسة التي نشرت هذا الأسبوع في مجلة Nature Communications.
كيفية تمييز ماء القمر عن ماء المسبار؟
الوقود الذي تحمله مركبة الهبوط Chang’E-5 هو ميثيل هيدرازين ورباعي أكسيد ثنائي النيتروجين. وبالفعل ينتج ماء إضافة إلى ثاني أكسيد الكربون، من ثوران العمود البركاني أثناء عملية الهبوط، ويمكن كتابة صيغة التفاعل الكيميائي الحاصل أثناء هبوط المسبار بسبب ذلك كما يلي: 4CH3NHNH2 + 5N2O4 = 9N2 + 4CO2 + 12H2O. يمكن امتصاص الماء الناتج من قبل سطح القمر عن عمود عملية الهبوط. ومع ذلك، في ظل درجة حرارة نموذجية على سطح القمر حوالي 360 كلفن (حوالي 87 درجة مئوية)، فإن معظم الماء الممتّر (adsorbed) سوف يتطاير في غضون نصف ساعة وسيكون محتوى الماء المُمتّر قريباً من صفر جزء في المليون. يصعب الكشف عن المياه الممتصة المتبقية بوساطة طريقة التحليل الطيفي. منذ الحصول على الطيف الأول بعد 8.5 ساعة من الهبوط، يجب تبخير جميع مياه العمود تقريباً ويجب ألّا تتأثر الأطياف بمياه العمود. لذلك، يقول الباحثون «نعتقد أن ميزات الامتصاص الثلاث للأطياف هي من سطح القمر وليس من عمود هبوط المسبار».
الهيدروكسيل الزائد
حصل المسبار Chang’e-5 على بيانات طيفية لصخرة وأهداف مختلفة للتربة القمرية مزوداً بمقياس الطيف المعدني القمري (LMS)، ووجد أن محتويات الهيدروكسيل في الصخور أعلى بكثير من تلك الموجودة في التربة القمرية. وقال الباحثون إنه يجب أن يكون هناك القليل من الهيدروكسيل الدخيل أو أنه لا يرتبط مطلقاً بحفرة الصدمة أو المقذوفات.
أظهر تحليل معملي لاحق على الأرض أنّ شظايا الصخور المرتجعة، مع كمية كبيرة من حبيبات الأباتيت، تحتوي نسبة أعلى من المحتويات المعدنية مع محتويات زجاجية أقل بكثير مقارنة بعينات أبولو. ثم أكدوا وجود الهيدروكسيل في حبيبات الأباتيت. وتم اعتبار محتوى الزجاج كمقياس لمساهمة الرياح الشمسية في مياه القمر، وهو منخفض جداً في عينة Chang’e-5، فقط حوالي ثلث ذلك في عينة Apollo 11، وفقاً للدراسة.
أيضاً، فإن محتويات الهيدروكسيل الإجمالية لعينات التربة القمرية المكتشفة في الموقع منخفضة نسبياً، باستثناء أن أحدها الذي يحمل الرقم-العلامة 0012. وباستثناء المياه الأصلية في المعدن، يجب أن يكون محتوى الماء في عينات التربة التي جلبها Chang’e-5 حوالي ثلث ذلك الموجود في عينة Apollo 11، وفقاً للدراسة. لكن العينة 0012 تظهر محتوى هيدروكسيل أعلى من المتوقع.
واتضح أن الباحثين اكتشفوا هيدروكسيل أباتيت في عينة التربة، مما يشير بقوة إلى أن الأباتيت المحتوي على الهيدروكسيل من المحتمل أن يكون مصدراً مهماً للهيدروكسيل الزائد الذي لوحظ.
على الرغم من الاستثناء 0012، فإن محتويات الهيدروكسيل الكلية للتربة القمرية التي تم أخذ عينات منها في موقع هبوط Chang’e-5 بمتوسط قيمة 28.5 جزء في المليون، وهو الطرف الضعيف لخصائص الترطيب على سطح القمر.
واقترح الباحثون ثلاثة أسباب لعينات التربة الأكثر جفافاً.
أولاً، حصل المسبار على البيانات عندما كانت درجات حرارة سطح القمر قريبة من الحد الأقصى في خط العرض نفسه مع تبخير معظم المياه الجزيئية.
ثانياً، عندما جمع المسبار أطيافاً في الموقع على سطح القمر، تصادف أن كان القمر داخل الغلاف المغناطيسي للأرض الذي يحميه من الرياح الشمسية، مما قلل من مساهمة ترطيب الرياح الشمسية.
ثالثاً، تمتلئ منطقة هبوطها ببازلت المرحلة الأخيرة على سطح القمر، مما يؤدي إلى انخفاض محتوى الهيدروكسيل نسبياً، وفقاً للدراسة.
أسئلة ما زالت تنتظر الأجوبة
لا تزال مصادر المياه وتوزيعاتها على القمر سؤالاً مفتوحاً لا إجماع عليه. على عكس الدراسات السابقة التي تستند إلى القياسات الطيفية للاستشعار عن بعد في المدار، فإن المسبار الصيني Chang’E-5، الذي هبط بنجاح في شمال شرق موقع Oceanus Procellarum على القمر في الساعة 15:11 في 1 ديسمبر/كانون الأول 2020 (بالتوقيت العالمي المنسق، موقع الهبوط: 51.9160 درجة غرباً، 43.0581 درجة شمالاً، الارتفاع: 2550 م)، قد وفّر فرصة فريدة لاستكشاف المياه على القمر في الموقع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1075