كهرباء المستقبل: ألواح شمسية فضائية تغذّي الأرض لاسلكياً!

كهرباء المستقبل: ألواح شمسية فضائية تغذّي الأرض لاسلكياً!

بدأت الصين مؤخراً باختبارات محاكاة أولية في أول قاعدة تجريبية لـ«محطة طاقة شمسية فضائية»، أجريت في منشأة مخصصة لذلك في منطقة بيشان في تشونغ- كينغ جنوب غربي الصين، وهي خطوة على طريقٍ مشروع محطة طاقة فضائية ستكون أكبر من محطة الفضاء الدولية، ومخصصة لتحويل الطاقة الشمسية في الفضاء إلى كهربائية، وإرسالها إلى الأرض بطرق لا سلكية، لتزويدها بطاقة متجددة ونظيفة لأي مكان على الأرض، ولمئات آلاف السنين إذا نجحت الطموحات المرسومة. فهل ستكون هذه هي الطريقة التي سيتحقق عبرها حلم البشرية بالطاقة المجانية المستدامة، منذ بروميثيوس الأسطوري (خاطف النار من السماء) مروراً بنيكولا تسلا وحلمه بكهرباء «وايرلس» مجانية لكل البشر؟

تلخيص وتعليق: د. أسامة دليقان

الشمس مصدر جميع موارد الطاقة على كوكبنا. والوقود الأحفوري يسبب التلوث، وموارده محدودة. أما طاقة الرياح وضوء الشمس الواصل إلى الأرض، والمياه، فهي غير مستقرة ولا تمثل من مصادرها المتجددة حالياً سوى 23.6% فقط على مستوى العالم. فهناك حاجة لمزيد من الاختراقات في تكنولوجيا تخزين الطاقة قبل أن يتمكّن العالم من الاعتماد على الطاقة المتجددة وحدها لتوفير إمدادات مستدامة ومستقرة.
في أيار 2021 نشر جي تشانغ- تشون، الأكاديمي في أكاديمية العلوم الصينية، مقالاً في صحيفة «تشاينا ساينس ديلي»، قال فيه «إنّ محطات الطاقة الشمسية الفضائية ومحطات الاندماج النووي التي يتم التحكم بها، يعتبران من أكثر الحلول المحتملة للطاقة المستدامة. ومع ذلك، لا يزال الاندماج النووي الممكن التحكم به في مراحل البحث الأولية، بينما لا توجد مشكلات علمية أساسية لمحطات الطاقة الشمسية الفضائية. ورغم ضخامة المشروع، إلا أنّ التقنيات ذات الصلة يمكن أن تحقق اختراقات مهمة في وقت معيّن عبر البحث والتطوير المستمر». وقدّر أنه بحلول النصف الثاني من هذا القرن (21)، ستنشئ الصين صناعةً لتوليد الطاقة الشمسية في الفضاء، كمكونٍ مهمّ لبنيتها التحتية الطاقية.

قاعدة «بيشان» في الصين

في 18 حزيران 2021، بدأ بناء قاعدة بيشان التجريبية (لمحطة الطاقة الشمسية الفضائية) في قرية هيبينج، بمدينة فولو، غرب تشونغ- تشين. وتشمل منصة عائمة مرفوعة فوقها مناطيد سترتفع إلى 50 متراً في البداية، ثم 300 متر. وسيحاول العلماء نقل الكهرباء المولَّدة من الطاقة الشمسية من هناك إلى الأرض، وإذا نجحوا، سيحاولون نقل المنصة إلى طبقة الستراتوسفير السفلى (ضمن الغلاف الجوي) على ارتفاع حوالي 22 كيلومتراً فوق سطح البحر.
خُصِّصَ للموقع مبلغ استثمارات إجمالي 2.6 مليار يوان، ومبلغ أولي بنحو 100 مليون يوان. وتبلغ مساحة الاختبار الأساسية الأوسع حوالي 106 فداناً، بما فيها موقع اختبار الإقلاع وقاعة تصحيح أخطاء وغيرها. وسيركز على المحاكاة الإيضاحية الأولية والتحقق من التقنيات مثل توليد الطاقة الشمسية الفضائية، ونقل طاقة الميكروويف اللاسلكية، وشبكات المعلومات الفضائية.

التغلب على «التَّوهِين الجوّي»

تعرضت تكنولوجيا الطاقة الشمسية المولدة بالألواح على الأرض حتى الآن لانتقادات محقّة فيزيائياً واقتصادياً، ومن أبرزها الضعف النسبي للكفاءة والمردود. فالعوامل الجوية والجغرافيّة تسبب ارتفاع معدَّل الفاقد الطاقي، وهذا ما يعرف بتأثير «التوهين في الغلاف الجوي»، أيْ إنّ الإشعاع الشمسي الوارد يَضعف ويتناثر وتمتصه الجسيمات الصلبة والسائلة الأخرى أثناء مروره عبر الغلاف الجوي للأرض.
مثلاً، في شمال غرب الصين المشمس، يمكن أن يولّد متر مربّع من الخلايا الكهروضوئية 0.4 كيلوواط ساعيّ من الكهرباء، وفي مدينة ضبابية مثل تشونغ- تشينغ يولد فقط 0.1 كيلوواط ساعيّ. أما في مدار متزامن مع الأرض على ارتفاع 36000 كيلومتر (كما تخطط له الصين لما بعد عام 2025) ستصبح كفاءة توليد الطاقة من المتر المربع من الخلايا نفسها 10 كيلوواط إلى 14 كيلو واط ساعيّ [هذا يعني زيادة الكفاءة ما بين 25 إلى 140 ضعفاً مقارنة بالمحطات الأرضية]. وفي الفضاء، حيث لا غلاف جوي ولا تغيرات موسمية أو يومية على الألواح الشمسية، سيكون الإشعاع الشمسي ثابتاً ومستداماً «وشدته أكثر 6 مرات مما على سطح الأرض بنسبة تصل إلى 99% من الوقت»، وذلك وفقاً لبانج زيهاو، كبير خبراء الاتصالات العلمية لتكنولوجيا استكشاف الفضاء الوطنية الصينية. هذا يعني إمكانية توليد الطاقة بلا انقطاع وبكفاءة أعلى بعشرات المرات من توليدها من خلايا شمسية على الأرض.
قبل ذلك وكخطوة تجريبية مرحلية في حوالي العام 2025، من المتوقع أن تنجز الصين محطات طاقة شمسية صغيرة ومتوسطة الحجم في طبقة الستراتوسفير (من طبقات الغلاف الجوي بين 18 إلى 50 كم فوق سطح البحر)، وتوليد طاقة متصلة بالشبكة.
أما كيف سترسل الكهرباء من المولّدة الفضائية إلى الأرض؟ فإنّ المايكرويف (الأمواج القصيرة) والليزر هما وسيلتا النقل اللاسلكية المقترحتان. وتعتبر الميكروويف أكثر كفاءة أماناً ونضجاً، وذات فاقد أقل أثناء اختراق السحب.

تعليق ختامي: عرقلة بسبب ضيق الأفق الرأسمالي

تقول المصادر بأنّ مفهوم الأقمار الصناعية للطاقة الشمسية في الفضاء، قد اقترحه لأول مرة عام 1968 المهندس التشيكي بيتر جلاسر كطريقة لنقل الطاقة لمسافات طويلة (من محطة مدارية إلى سطح الأرض) باستخدام الموجات الدقيقة (مايكروويف) من هوائي كبير جداً (يصل إلى كيلومتر مربع واحد) على القمر الصناعي إلى هوائي أكبر بكثير على الأرض.
في السبعينيات، ووسط أزمة النفط العالمية، خططت وكالة ناسا ووزارة الطاقة الأمريكية نظاماً بطموحٍ لتزويد نصف احتياجات البلاد من الكهرباء في القرن 21، واستثمرت الحكومة الأمريكية حوالي 50 مليون دولار أمريكي في هذا البحث. وبحلول عام 1979، صُمِّمَ أول تصوّر للمشروع في العالم تحت اسم «النظام المرجعي للطاقة الشمسية الساتلية» أو SPS والذي كان يخطط إلى نشر ما يصل إلى 60 قمراً صناعياً للطاقة الشمسية في مدار أرضي ثابت بالنسبة للأرض، بحيث يولد كلّ نظام طاقة مستمرة تتراوح من 5 إلى 10 غيغاوات، بتكلفة تقديرية 250 مليار دولار أمريكي.
ومن المهم هنا ملاحظة أحد تجلّيات التعفّن الرأسمالي في مجال العلوم والتكنولوجيا، بحكم القانون المادي التاريخي العام لتفاقم التناقض بين مستوى تطوّر قوى الإنتاج (والإمكانات العلمية التكنولوجية جزء منها) وبين علاقات الإنتاج. حيث تقول المصادر إنّ «لجنة مراجعة البحوث» بالكونغرس الأمريكي اعتبرت المشروع «قابلاً للتطبيق من الناحية التقنية» ولكنه «غير قابل للتطبيق من الناحية البرنامجية والاقتصادية»! بكلام آخر اعتبروه «غير مجدٍ اقتصادياً» بمعيار قصر النظر الربحي والأناني الرأسمالي. ومنذ ذلك الحين حدث ركود في سير الأبحاث الأمريكية في هذا المجال بسبب «الصعوبات وانخفاض الكفاءة والتكلفة العالية للخطة». وحتى عندما كانت الإمبريالية تقرر السير بعض الخطوات في مشروع كهذا، نلاحظ أنّ الدافع كان الهيمنة العسكرية (وبالتالي حماية الأرباح للقلّة) وليس خدمة البشرية؛ فمنذ عام 2007 أجرى مكتب الأمن القومي للفضاء التابع لوزارة الحرب الأمريكية دراسة بعنوان «الطاقة الشمسية المعتمدة على الفضاء كفرصة للأمن الإستراتيجي»، والتي خلصت إلى أن الولايات المتحدة «يجب» أن تبدأ برنامجاً وطنياً منسقاً للطاقة الشمسية الفضائية، مشيرة إلى أن الأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة الشمسية يمكنها «توفير الطاقة للمواقع البعيدة مثل القواعد العسكرية».
وفي عام 2011 قال جون سي مانكينز رئيس الأكاديمية الدولية للملاحة الجوية في مؤتمر صحفي بأن برنامج SPS «يبدو قابلاً للتحقيق خلال عقد إلى العقود الثلاثة التالية»، ولكن «هناك حاجة لمزيد من المعلومات حول تفاصيل كلّ من: تكاليف النظام المحتملة، والأسواق التي سيتم تقديمها».
إذاً في ظل الرأسمالية، وخاصة بطور تعفّنها الإمبريالي، فإنّ «الأسواق» والأرباح الخاصّة ضيّقة الأفق هي التي تحسم فيما إذا كان يمكن تطوير تكنولوجية علمية معيَّنة أم لا، وذلك مهما كانت ثورية ورائعة في جوهرها، فيمكن ببساطة أن تتعرّض للعرقلة أو حتى «الدفن» لمجرد أنها «غير مربحة» لحفنة من الأنانيين الرجعيّين.

المصادر:
Construction of China’s first «space power station» experimental base officially started to help solve energy supply problems (min.news - 30 April 2022)

Eternal Energy, China has stepped up efforts in exploring space solar power as a future large-scale and sustainable alternative energy source (pressreader.com/china/newschina – 24 Nov. 2021)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 12:25