سباق التكنولوجيا «فرط الصوتية» وفجوة التأخّر الأمريكي
شهد العام 2021 ثلاثة اختبارات متعاقبة فاشلة لأحد أكبر المشاريع الأمريكية للصواريخ فرط الصوتية، مما سلّط الضوء على التخلّف النسبي للولايات المتحدة في هذا المجال العلمي- التكنولوجي بالنسبة لروسيا والصين، والفجوة مرشّحة لمزيد من الاتساع في حال لم تتداركها الولايات المتحدة. وبالنسبة لروسيا أشار محلّلون إلى أهمية إرث «إنجازات العلوم السوفييتية السابقة» التي شكلت أساساً للتطويرات اللاحقة والحالية. بالمقابل اعترف «منتدى حَوكمة الشركات» في جامعة هارفارد، بالتأثير السلبي لما وصلت إليه الرأسمالية وخاصة في الولايات المتحدة على سرعة التقدم العلمي.
تحدّيات فيزيائية وتقنية
لطالما برز تحدّيان تكنولوجيان في تطوير الأسلحة فرط الصوتية: الأول، يتعلق بمقاومة الهواء وارتفاع درجة حرارة الصواريخ. والثاني، تعطُّل الإلكترونيات في الصاروخ بسبب تكوين سحابة من «البلازما» حولها.
تبلغ سرعة الصوت في الهواء العادي الجاف وعلى ارتفاع منخفض وعند درجة حرارة 20 مئوية، حوالي 343 متراً في الثانية (ما يعادل نحو 1234 كم/ساعة). ويطلق غالباً على الصواريخ التي تفوق سرعتها 5 أضعاف سرعة الصوت، بأنها «فرط صوتية» hypersonic في حين تسمى تلك الأسرع من الصوت ولكن الأبطأ من 5 أضعاف سرعته، بأنها «سوبر صوتية» supersonic. ويستخدم «عدد ماخ» للإشارة إلى سرعات التحليق بحيث إنّ «واحد ماخ» تعني سرعة مساوية لسرعة الصوت، وذلك نسبةً للفيزيائي النمساوي إرنست ماخ (1838–1916) وهو نفسه الفيلسوف الذي انتقده لينين في كتابه الشهير «المادية والمذهب النقدي التجريبي» (1909) بسبب مثاليته الذاتية رغم تقديره لإنجازاته الفيزيائية. ويمثل عدد ماخ Ma، المجرَّد من الواحدة، النّسبةَ بين السّرعة المحليّة لمائعٍ ما وسرعة الصّوت في ذلك المائع نفسه. وبالمثل عندما يتحرّك جسم صلب بالنّسبة لمائع، نستطيع أن نقرن به عدد ماخ باعتماد السّرعة النسبيّة للتدفّق حول هذا الجسم.
محطات من التجارب الأمريكية
برز في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي تنافس مشروعَين لتطوير التكنولوجيا فرط الصوتية العسكرية: أحدهما يسمى «السلاح فرط الصوتي المتقدّم» (AHW)، والثاني «حامل التكنولوجيا فرط الصوتية اثنان» (HTV-2). ومن بينهما قيل بنجاح اختبار واحد فقط لمشروع AHW في عام 2011 خلال الفترة حتى عام 2017، دون نشر تفاصيل النتائج. وتم اختبار إطلاق في عام 2014 وفشل. كانت المشكلة الرئيسة التي واجهها المصممون هي فقدان الطائرة أثناء الرحلة، كما وفشل كلا اختباري المشروع الثاني HTV-2 أيضاً، وتوقّع خبراء أنّ المشكلة كانت تكوين غيوم البلازما وفشل الإلكترونيات الموجودة على متن الطائرة، وقالوا إنّ حل هذه المشكلة هو الشرط الرئيس لتطوير تقنيات فرط صوتية بشكل عام.
أما بالنسبة لإنشاء صواريخ كروز فرط صوتية، فهناك صواريخ X-43A التي فاقت 9 ماخ لكن محركها كان يعمل 11 ثانية فقط، وصواريخ X-51 WaveRider ونجحت باختبارات عام 2013 على ارتفاع حوالي 18 كيلومتراً بالوصول إلى سرعة 6100 كم/ساعة (أو 5.1 ماخ) قاطعةً 426 كيلومتراً، خلال 6 دقائق، ممثلةً نتائجَ أولية أظهرت امتلاك الولايات المتحدة على الأقل نموذجاً أولياً عملياً لمحرّك نفاث فرط صوتي لصواريخ كروز من هذه الفئة، وأن مشكلة المقاومة الحرارية للهيكل قد تم حلّها. أما الاختبارات الثلاثة الفاشلة مؤخراً فنورد تفاصيلها في آخر هذه المادة.
«فرط الصوتية» الروسية والصينية والكورية الشمالية
في 29 تشرين الثاني، قالت وزارة الدفاع الروسية إنّ الفرقاطة «الأدميرال غورشكوف» اختبرت بنجاح إطلاق صاروخ كروز زيركون فرط الصوتي من البحر الأبيض، وأنه أصاب هدفاً على بعد أكثر من 400 كيلومتر. كما وسبق اختبار الصاروخ نفسه بنجاح عدة مرات من الفرقاطة نفسها، وكذلك من غواصة تعمل بالطاقة النووية.
وقال الخبير العسكري الصيني سونغ تشونغ بينغ لصحيفة غلوبال تايمز في 22 أكتوبر 2021 بأنّ الولايات المتحدة متوتّرة للغاية بشأن الأسلحة فرط الصوتية، لأن الصين وروسيا لديهما هذه الأسلحة بالفعل في الخدمة، بينما لا تزال هي في مرحلة الاختبارات، مشيراً إلى أنها تعاني مشكلات بـ«المواد والمحرِّكات».
عرضت الصين صاروخ DF-17 الفرط صوتي في العرض العسكري لليوم الوطني في بكين في 1 أكتوبر 2019، بينما تمتلك روسيا صواريخ فرط صوتية مثل زيركون وكينجال وأفانغارد.
ونفت الصين ما أثاره الإعلام الأمريكي حول «اختبار لسلاح صيني فرط صوتي جديد» وقالت إنه كان «اختباراً روتينياً لمركبة فضائية للتحقق من تكنولوجيا إعادة استخدامها».
في 29 أيلول 2021، قالت كوريا الشمالية إنها اختبرت بنجاح الصاروخ فرط الصوتي «هواسونغ-8» وتحققت من قدرة الذخيرة على المناورة، والتحكم بملاحتها، والأداء الديناميكي الهوائي للرأس الحربي واختبار «أمبولة الوقود».
ثلاثة إخفاقات أمريكية في 2021
جرى الحديث عن العمل على نوعين من مشاريع الصواريخ الأمريكية فرط الصوتية عام 2021: كروز AGM-183A ARRW المطلَق من الجو، ومجمَّع LRHW Dark Eagle الأرضي.
كان الجدول الزمني الأصلي لمشروع ARRW هو السنة المالية 2021. وكان مقرراً إجراء عدة عمليات إطلاق تجريبية. وكانت خطة السنة المالية 2022 شراء الدفعة الأولى من نماذج ما قبل الإنتاج الواسع المكوَّنة من 12 صاروخاً، ثم في السنة المالية 2023 أو ما بعدها، كان البنتاغون ينوي الإنتاج واسع النطاق واعتماد AGM-183A في الخدمة.
ولكن الجزء الأول من الخطط فشل رغم كل الجهود، فانتهت ثلاثة اختبارات بالإخفاق. وسيستغرق البحث عن المشكلات الفنية وإصلاحها وقتاً لا يقل عن عدة أشهر وفق الخبراء، ومن المستبعد إنجاز ذلك والبدء بالإنتاج قبل 2023. ويتناقص باستمرار احتمال استكمال مشاريع ARRW وLRHW في الوقت المحدَّد. ولم يتم قبول أي من النماذج الجديدة للأسلحة فرط الصوتية في الخدمة الأمريكية، بالمقابل نجح الخصمان الجيوسياسيَّان الرئيسيّان (روسيا والصين) بالفعل بإنشاء أنظمة فرط صوتية ووضعاها في حالة تأهب.
في الاختبار الأول الفاشل للعام الماضي، تم تجريب إطلاق صاروخ ARRW الأمريكي في 5 نيسان 2021. وعُرِفَ لاحقاً بأنّ الطائرة الحاملة لم تتمكن من إطلاقِه، ولم يستطع الأمريكيون تحديد أسباب ذلك وتشخيص المشكلات.
بعد فترة وجيزة، في شهر تموز 2021 أعلنت الخدمة الصحفية للقوات الجوية الأمريكية نتائج اختبارAGM-183A الذي أجري في 28 تموز فوق موقع Point Mugu Ridg في المحيط الهادئ قبالة ساحل جنوب كاليفورنيا، بحضور سرب اختبار الطيران رقم 419 في قاعدة إدواردز الجوية. وبخلاف المحاولة الأولى في نيسان، انفصلت ARRW بشكل روتيني عن القاذفة B-52H وانفصل الصاروخ AGM-183A وقام أيضاً بتشغيل استقبال GPS وأظهر «الزعانف» وأجرى المناورة، ولكن في النهاية سقط وتحطّم دون بلوغ الهدف. وأشار المراقبون إلى أن الاختبار الثاني الذي تمّ بعد وقت قصير جداً كان تكراراً للجدول الزمني نفسه كما في نيسان، مما يعني أنهم لم يدرسوا بشكل جادّ أسباب الفشل الأول، ومن الواضح أن المطورين يتعرضون لضغط كبير «لإظهار أيّة نتائج ناجحة» بأسرع وقت ممكن في ظلّ التنافس الحادّ مع روسيا والصين.
الاختبار الثالث الفاشل والأخير حتى الآن، أجري في 15 كانون الأول، وكذلك لم تعرف أسباب الإخفاق، حيث توقف الإجراء التحضيري وفشل الإطلاق، وعادت القاذفة B-52H إلى المطار وما زال الصاروخ عالقاً تحت جناحها لم يُطلَق.
وهكذا تأخر سلاح الجو الأمريكي بالفعل 7 أشهر على الأقل، إنْ لم يكن أكثر عن جدول اختبارات الطيران المخطط للصاروخ فرط الصوتي AGM-183. وتكبدت شركة لوكهيد مارتن خسارة 225 مليون دولار، وهبط سعر سهمها فوراً بنسبة 3% بعد إعلان الفشل. ووفقًا لكينيث بوسنريد، المدير المالي للشركة، كان قد تم بالفعل إنفاق حوالي 40% من تكلفة المشروع السرّي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1053