روبوتات المستقبل... هل «تُحِبّ وتَكرَه»؟
سيرغي سزوبين تعريب وإعداد: قاسيون سيرغي سزوبين تعريب وإعداد: قاسيون

روبوتات المستقبل... هل «تُحِبّ وتَكرَه»؟

يرى الكاتب ومدرّس البرمجة سيرغي سزوبين، بأنه يمكن النظر إلى الذكاء البشري بوصفه الجيل الأكثر تطوراً في سلسلة من نماذج «الذكاء» التي تطورت تاريخياً في الطبيعة. ولذلك، من أجل دراسة عقل الإنسان يجب أن نفهم أيضاً المسار الكامل الذي تسلكه الطبيعة. ويقترح تصنيفاً تطورياً للذكاء مؤلفاً من خمسة مستويات (أجيال). ويذكّرنا بقوانين أسيموف، ويتبنّى فرضية الحاجة إلى روبوتات ذات «عواطف» كخطوة يراها ضرورية لنقلة نوعية في تطوير الذكاء الاصطناعي. تلخّص المادة التالية (بتصرّف) أبرز ما جاء في مقالين لسزوبين (نيسان وآب 2019) أعاد نشرهما المركز الروسي للتقييم الإستراتيجي والتنبّؤات CSEF.

صياغة المشكلة

السؤال الذي ينبغي حله هو: لماذا نحتاج إلى معرفة كيف ظهر العقل البشري وأصبح أكثر تعقيداً كما هو عليه؟ الجواب الأكثر وضوحاً هو إلقاء نظرة خاطفة على كيفية حدوث كل شيء في ورشة الطبيعة، وهذا مهم أيضاً لمناقشة «الذكاء الاصطناعي».
يتعلق الانطباع الرائج عن «الذكاء الاصطناعي» بتقديره إيجابياً بوصفه «محرّراً لنا من العَمَل الروتيني» حتى مستوى معين من الذكاء: دع الروبوتات تفرز البطاطا، وتسكب العصير في زجاجات... إلخ، وتقودنا إلى مستقبل مشرق مليء بالعمل الإبداعي و«الكسل السعيد». ولكن عندما نواجه مظاهر أعلى للذكاء، يظهر الموقف مقلقاً؛ فحتى في مرحلة تصميم روبوتٍ سائق، تنشأ مواقف غامضة: إذا ظهرت حالة طارئة وميؤوس منها، بحيث تجبَر على الاختيار بين عدة أمور «أحلاها مرّ» فماذا تختار؟ هل تدهس مجموعة من الناس؟ امرأةً حاملاً؟ أم طفلاً وحيداً؟
بالنسبة للإنسان تشكل هذه الحادثة مأساة سيعاني منها حتى لو لم يكن المأزق ذنباً اقترفه. وهذه العذابات في عيوننا تبرّر ما حدث إلى حدّ ما. أما الروبوت السائق فسيختار بشكل غير عاطفي تماماً: سوف «يَزِنُ الأرواح» بلا روح، على مقاييس من المصفوفات الرياضية، ويحسب الحد الأدنى من الضرر بأسرع طريقة... وهذا يخيفنا.

تطوّر الذكاء والفردية

من أجل التحكم بأيّة عملية يُستَحسن بشدة فهم تاريخها والحصول على نوع من التنبؤ للمستقبل. هذا يبرز الحاجة إلى نظرية لتطور الذكاء: كيف تطور إلى ذروته الحديثة كذكاء بشري وماذا سيحدث بعد ذلك. قد يكون أبسط تعريف للذكاء هو «القدرة على حل المشكلات المخصصة لحاملها». يختلف ذكاء الإنسان نوعياً عن ذكاء حيوان أليف. لن تطلب القطة السندويتش، أو تنظف المنزل أو تنسّق الورود... ولقياس بعض جوانب الذكاء نستخدم امتحانات واختبارات تتكوّن من مهام منفصلة.
يقدم عقلنا البشري لنا تنوعاً فردياً لا نهائياً في إمكاناته. أنا أفترضُ بأنّ مستوى الذكاء له ارتباطٌ بالفردانية، إذا قبلنا بهذه الفرضية، يمكننا تقديم 4+1 من مستويات أو «أجيال» الذَّكاءات:
المستوى صفر: الذكاء المكوَّن بالكامل من خوارزميات لا تتغير، ولن تختلف شخصية الناقل (الكمبيوتر أو الحيوان) سوى بالدقة الفنية فقط. تعمل أجهزة الكمبيوتر المختلفة التي لها البرنامج نفسه دائماً بالطريقة نفسها. وبسبب بنائها تحديداً، لا يمتلك «عقل» هذه الفئة أيَّ تنوُّعٍ فردي (لها مستوىً صفريٌّ من الفردية).
المستوى الأول للذكاء: هو المستوى الأول من التفرد أيضاً، وهو ردود الفعل (المنعكسات) غير الشرطية. ويحدث تطور الكائنات الحية عبر طفرات توفر التباين الفردي، فيختلف كل فرد قليلاً بشبكته العصبية التي تضمن تنفيذ المنعَكَس، وستتكفّل البيئة باصطفاء الخيارات الناجحة والتأكد من عدم نجاة الخيارات غير الملائمة.
المستوى الثاني: هو ردود الفعل الشرطية. الفرق الأساسي هو أنّ رد الفعل لا يتم تثبيته للأبد، بل يمكن أن يتغير خلال حياة فرد واحد، مما يوسّع درجة التفرد كثيراً.
المستوى الثالث: هو المستوى التواصلي. فإذا كان الابتكار الرئيس للمستوى السابق هو القدرة على إطلاق رد فعل من خلال إشارة معلومات مشروطة، فإنه في المستوى الثالث يتم توسيع التفرّد أكثر من خلال حجم التسلسلات المتولدة والمدرَكة بشكل فردي لإشارات الاتصال. يمكن أن يترك حاملو الفكر أسلوب حياة مستقلّ ويصبحوا قادرين على تكوين مجموعات والبدء بتنسيق أفعالهم. كما وتظهر إمكانية تفاعل المعلومات بين الأنواع وتستخدم بنشاط. هنا يكون لدى الناقل الفردي للعقل القدرة (التقنية) على العمل الجماعي المتضافر. ويتطلب تنسيقُ الأعمال تطويرَ الاتصالات التقليدية. في الوقت نفسه، يمكن أن تكون قناة الاتصال مختلفة تماماً: الإيماءات والأصوات والروائح والإشارات المرئية. السمة الأساسية هنا هي الاصطلاحية، أي إنّ قيم الإشارات ليست محددة سلفاً بصرامة بالخوارزميات، بل تأتي نتيجةً لاتفاق محلّي لمجموعة من الأفراد. من المزايا المهمة لهذا المستوى إمكانيةُ التواصل بين الأنواع. هذا هو عقل المستوى الثالث من الفردية.
المستوى الرابع: أخيراً، هو ظهور التفكير المنطقي المجرَّد. ويعتمد على القدرة على التواصل، لأننا بشكل تجريدي ومنطقي نفكر بالكلمات، أي الوحدات التواصلية التي تصبح دلالية. هذا هو عقل المستوى الرابع من الفردية، أو العقل البشري، ويسمى تقليدياً «الذكاء» بالخاصّة، والإنسان نفسه كنوع يسمى «النوع الذكي». تظهر الثقافة كمجموع معرفة مستقلة عن الفرد، ولكن بالوقت نفسه يمكن للجميع الوصول إليها. يصل التفرد إلى مستوى لا حصر له [رغم أنّ هذه الفردية اغتنت بالتحديد على أساس الجماعية/الاجتماعية].
وهكذا نرى أنّ كل خطوة توسّع درجة التفرُّد، التي تتطوّر من صفر إلى ما لا نهاية.

قوانين أسيموف

في رواية الخيال العلمي «التملُّص» التي ألّفها الكاتب إسحاق أسيموف عام 1942 (روسي المولد وحاصل على الجنسية الأمريكية) يقوم بوضع قوانين الروبوتية الثلاثة المعروفة باسمه (قوانين أسيموف) كي يلتزم بها «الإنسان الآلي»:
(1) لا يجوز لآلي إيذاء بشريّ أو السكوت عما قد يسبب له الأذى. (2) يجب على الآلي إطاعة أوامر البشر إلا إذا تعارضت مع القانون الأول. (3) يجب على الآلي المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض مع القانونين الأول والثاني. ثم أضاف أسيموف لاحقاً القانون صفر: لا ينبغي لأي روبوت أن يؤذي الإنسانية أو أن يسمح للإنسانية بإيذاء نفسها عبر عدم القيام بأيّ ردّ فعل.

الروبوت العاطفي

كما نرى من تاريخ ميلاد عمل أسيموف، لطالما كانت مسألة التحكم بسلوك الروبوتات موضع اهتمام البشرية منذ نحو 80 سنة. إذا كان تطور الذكاء طريقاً من الأقل إلى المزيد من التفرد، فهذا يعني أن تطور الروبوتات يفترض أن يتجه نحو ظهور روبوتات ذات سلوك فردي، مما يطرح حتماً السؤال عن كيفية التحكم بهذا السلوك وتنظيمه.
لا يبدو الاكتفاء بالقيود «القانونية» واعداً، فكيف يمكن إذاً حل مشكلة التحكم بسلوك الروبوت وتنظيمه؟ دعونا نرى كيف تعاملت الطبيعة مع هذه المهمة. بدءاً من المستوى الثاني من التفرد، تلقت الكائنات الحية الإمكانية التقنية لبعض الحرية في سلوكها. وماذا عن مصالح أمن الفرد وبقاء وازدهار جنسه؟ حلت الطبيعة هذه المشكلة بطريقة شيّقة للغاية؛ أبقت المهام الإستراتيجية للفرد مبرمجةً بشكل صارم، وتركت المهام التكتيكية تحت رحمة السلوك الفردي المتغيّر. أصبحت العواطف هي الوسيط بين التكتيكات والإستراتيجية. تلقَّى كلّ فرد حي، بدءاً من المستوى الثاني من الفردية، القدرة على تجربة المشاعر الإيجابية عندما يتوافق سلوكه مع المهام الإستراتيجية، والسلبية عندما يتعارض معها. علاوة على ذلك، يمكن أن تظهر المشاعر بعد الواقعة، بعد اتخاذ القرار، كالفرح لإنقاذٍ ناجحٍ في لحظة الخطر، أو توقّع وتحفيز قرار، مثل القلق أثناء الشبق.
إذا أمكن نقل هذا الحل إلى مجال الروبوتات وبالمثل التحكم بسلوك الروبوتات عبر تحفيز العواطف على الفعل والمكافأة العاطفية على الإجراء الصحيح والعقاب على الخطأ، فسوف يصبح سلوك الروبوت أقرب بكثير للفهم بالنسبة لنا، وسنكون قادرين على تضمين الروبوتات بسهولة أكبر في المجتمع البشري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1054
آخر تعديل على الإثنين, 24 كانون2/يناير 2022 12:21