هل ستنتهي احتياطيات الوقود الأحفوري بعد 50 سنة؟
قال شيويه تشيكون الأسبوع الماضي، وهو عالم فيزياء الكوانتوم الصيني الكبير، ورئيس الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا وعضو الأكاديمية الصينية للعلوم: إنّ «الإحصائيات تظهر أنّ كمية الطاقة الأحفورية على الأرض وفقاً لمستوى التطور الحالي يمكن توقع استنفادها خلال 50 عاماً». واعتبرت كثير من وسائل الإعلام تصريحه هذا «صدمة»، وهذا متوقّع لأنه بالطبع لا يروق لعمالقة رأس المال والشركات المستثمرة في النفط والغاز. جاء تصريح تشيكون في 20 آذار الجاري، وذلك أمام «منتدى التنمية الصيني 2021» الذي استضافه مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني، أثناء مشاركة هذا العالِم لوجهات نظره حول الاستخدام الفعال للطاقة الشمسية، وإعادة التدوير المستدام.
شيويه تشيكون Xue Qikun هو أستاذ بجامعة تسينغهوا في بكين قام بالكثير من العمل في فيزياء المواد المتكثّفة condensed matter، وخاصة في «الموصلات الفائقة» و«العوازل الطوبولوجية». في عام 2013، كان شيويه أوَّل من حقق «تأثير هُول الكمّي الشاذّ»، وهو حركة منظّمة غير عادية من الإلكترونات في الموصل، في مختبره بجامعة تسينغهوا.
الشمس هي المُخلِّص
وفق موقع The Paper الصيني الذي نقل توقّعات تشيكون، فإنه في الـ 250 عاماً الماضية، شهدت البشرية ثلاث ثورات صناعية، السمة المشتركة لها هي استغلال واستخدام الطاقة الأحفورية. لكنه أضاف «إذا لم تكن هناك طاقة أحفورية، فإن كل تقنياتنا الفائقة اليوم غير موجودة. لكن الإحصائيات تظهر أن كمية الطاقة الأحفورية على الأرض وفقاً لمستوى التطور الحالي يمكن توقع استنفادها خلال 50 عاماً».
وتابع العالِم الصيني «من أجل الحفاظ على المستوى الحالي للتنمية الصناعية والحفاظ على التكنولوجيا العالية الحالية، فإن جوابنا الوحيد هو تطوير طاقة شمسية لا تنضب». وقال: إنّ العصر التكنولوجي القادم سيكون الاستخدام الفعال والمستدام للطاقة الشمسية على أساس التأثير الكهروضوئي. يتطلب الدوران استخدام الطاقة النظيفة، بما في ذلك الخلايا الشمسية، لضمان إمكانية استخدام التقنيات الأساسية الرئيسية التي أنشأتها الثورات الصناعية الثلاث بشكل مستمر، دون استخدام الطاقة الأحفورية.
يعتقد تشيكون أنه يجب استخدام الهيدروجين بديلاً للفحم والغاز الطبيعي. في المستقبل، ستصبح خطوط أنابيب الغاز الطبيعي خطوطاً لنقل الهيدروجين. طريقة الحصول على الهيدروجين هي العودة إلى الشمس. يتم تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية لتحليل الماء للحصول على الهيدروجين. في الجيل القادم من مواد البطاريات لا يزال أمام العلماء العديد من الأشياء للقيام بها، مثل: زيادة معدل التحويل وزيادة عمر البطارية.
يأمل تشيويه تشيكون أن يتّحد العلماء والمهندسون ورجال الأعمال من جميع أنحاء العالم، خلال 30 إلى 50 عاماً، أو حتى 100 عام من الابتكار العلمي والتكنولوجي، لإكمال هذه المهمة قبل استنفاد الطاقة الأحفورية تماماً، للتأكد من أنْ يكون كوكبنا جميلاً وقابلاً للحياة.
منحني هوبرت و«ذروة» الوقود الأحفوري
ربطاً بالتوقعات الجديدة التي أطلقها العالِم الصيني، نتابع فيما يلي فنلخّص مقالاً لحنّا ريتشي في موقع «عالمنا في بيانات»، 8 آب 2017، بعنوان «كم الوقت المتبقّي قبل أن ينفد الوقود الأحفوري؟».
الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) محدود، وبالتالي فإن استهلاكه لفترة كافية تؤدي إلى استنفاد الموارد العالمية منه في نهاية المطاف. استمرت المخاوف المحيطة بهذا «الخطر» لعقود. ويمكن القول: إن أشهر مثال على ذلك هو «فرضية ذروة هوبرت» المعروفة أيضاً باسم منحنى هوبرت.
نشر إم كينج هوبرت عام 1956 فرضيته القائلة بأن منحنى إنتاج الوقود الأحفوري لأية منطقة معينة سيتبع شكل الجرس، حيث تحدث في البداية زيادة الإنتاج بعد اكتشاف موارد جديدة وتحسين طرق الاستخراج، ثم يبلغ ذروته، ثم ينخفض حتى تستنفد الموارد في النهاية.
لقد تحقق توقّعه بالفعل، بأن الولايات المتحدة ستصل إلى ذروة إنتاجها النفطي في عام 1970 (على الرغم من أنها بلغت ذروتها أعلى بنسبة 17% مما توقعه هوبرت، ولم يتبع مسارها منذ ذلك الحين المنحنى على شكل الجرس الذي توقعته الفرضية).
حاول الكثيرون تطبيق نظرية هوبرت على المستوى العالمي أيضاً للإجابة عن السؤال: متى سينفد الوقود الأحفوري؟ ومع ذلك، فقد ثبت خطأ معظم المحاولات (من ناحية المواعيد الدقيقة، وليس خطأ النظرية بحد ذاتها من أنّ هناك ذروة سيتم الوصول إليها ثم انخفاض– ملاحظة المعرِّب). فخلال أزمة النفط عام 1979، توقع هوبرت نفسه بشكل غير صحيح، أن العالم سيصل إلى «ذروة النفط» في عام 2000 تقريباً؛ وفي العقود التي تلت ذلك، تبعت هذا التوقع سلسلة متوالية من التنبؤات المبكرة للمحللين.
وفي الوقت نفسه، يستمر الإنتاج والاستهلاك العالمي الفعلي للنفط في الارتفاع. تكمن صعوبة محاولة بناء هذه المنحنيات في أن اكتشاف الاحتياطيات والإمكانات التكنولوجية للاستخراج تتطور اقتصادياً مع مرور الوقت. إذا نظرنا إلى اتجاهات احتياطيات الوقود المؤكدة، فإننا نرى أن النفطية منها المبلغ عنها لم تنخفض، ولكنها زادت بأكثر من 50% والغاز الطبيعي بأكثر من 55% منذ عام 1995. هذه الحقيقة، إلى جانب التغيرات في معدلات الاستهلاك تعني: أن التنبؤ بـ«ذروة الوقود الأحفوري» غير مؤكد بدرجة كبيرة.
لإعطاء تقدير إرشادي ثابت للمدة التي يمكننا فيها استهلاك الوقود الأحفوري بشكل عملي، قمنا بتخطيط نسبة الاحتياطيات إلى الإنتاج (R/P) للفحم والنفط والغاز بناءً على أرقام 2015. تقسم نسبة R/P بشكل أساسي كمية احتياطيات الوقود المعروفة على معدل الإنتاج الحالي لتقدير المدة التي يمكننا أن نستمر فيها، إذا ظل هذا المستوى من الإنتاج ثابتاً. استناداً إلى المراجعة الإحصائية لشركة بريتيش بتروليوم حول الطاقة العالمية لعام 2016، سيكون هناك حوالي 115 عاماً من إنتاج الفحم، وما يقرب من 50 عاماً من النفط والغاز الطبيعي المتبقي. (لكن طبعاً يجب ألّا ننسى من جهة أنّ توقّعات هذه الشركة الرأسمالية النفطية العملاقة بلا شكّ مبنية أولاً: على اعتبار أنّ الشكل السائد للطاقة سيبقى الوقود الأحفوري، إذ ليس من مصلحتها تصوّر غير ذلك، ومن جهة ثانية: حتى المدة المتوقعة نفسها يمكن الشك بمصداقيتها لأنّ هذا النوع من الأبحاث الممولة من شركات النفط لا يخلو من «انحياز» متوقَّع قد يؤثر على نتائج وعلمية الدراسات– ملاحظة المُعرِّب). مرة أخرى، هذه الأرقام مفيدة فقط كمقياس ثابت؛ سوف تستمر في التغيّر مع مرور الوقت، ومع تغيّر القدرة من المصادر الاقتصادية للوقود الأحفوري واستخراجه، ومستويات الاستهلاك المرتفع أو المنخفض.
ومع ذلك، في حين أن استنفاد الاحتياطيات يمكن أن يصبح قضية ملحة بعد 50 – 100 عام من الآن، إلّا أنّ هناك حداً آخر مهماً لإنتاج الوقود الأحفوري: تغير المناخ. تظل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون محصورة في الغلاف الجوي لفترات طويلة من الزمن، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة. للحفاظ على متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين (كما في اتفاقية باريس للأمم المتحدة)، يمكننا بالتالي حساب الكمية التراكمية لـ CO2 التي يمكن للبشرية أن تبعثها مع الحفاظ على احتمال البقاء دون درجة الحرارة المستهدفة. هذا ما نطلق عليه «ميزانية الكربون».
الرأسمالية هي الخطر وليس نفاد النفط
يُختتم مقال ريتشي بالقول: إنّه على البشرية ترك أغلبية احتياطيات الوقود الأحفوري المعروفة في الأرض دون استخراجها واستهلاكها، إذا كنا نريد تحقيق أهدافنا المناخية العالمية. في الحقيقة تتطلب الحدود الصارمة لتحقيق النجاة من التغير المناخي أن نترك ما يصل إلى 80% من احتياطي الوقود الأحفوري في الأرض، تسمى «الكربون غير القابل للحرق».
فإذا استمر الاستثمار الرأسمالي في البنية التحتية المسببة لانبعاثات الكربون بالمعدلات الأخيرة، فإنه يُقدر أن ما يصل إلى 6.74 تريليون دولار أمريكي سوف تضيع خلال العقد المقبل في تطوير الاحتياطيات التي يفترض أن تكون في نهاية المطاف «غير قابلة للحرق» إذا كنا نريد النجاة مناخياً. والدراسات المؤيدة لضرورة التخلي عنها تطلق عليها تسمية «الأصول التي تقطعت بها السبل».
لذلك، في حين أن الكثيرين قلقون بشأن احتمال نفاد الوقود الأحفوري، فمن المتوقع بدلاً من ذلك أنه سيتعين علينا ترك ما بين 65% إلى 80% من الاحتياطيات الحالية المعروفة دون مساس، إذا أردنا أن نؤمّن فرصة الحفاظ على متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية (الدفيئة) أقل من درجتين مئويّتين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1011