تطوير علم المواد الصناعية والإرث السوفييتي

تطوير علم المواد الصناعية والإرث السوفييتي

«على غرار المشروع النووي السوفييتي الذي تعاونت فيه على المستوى الوطني مئات الهياكل العلمية والإنتاجية، نبيّن فيما يلي الأهمية الضرورية لإنشاء مجالس وطنية مَعنية بتوجهات التطور العلمي والتكنولوجي ذات الأولوية... بالنسبة للاتحاد الروسي لطالما ارتبط التنفيذ الناجح لهذه المهام بمعهد عموم روسيا لمواد الطيران VIAM وعلمائه الذين قدّموا مساهمةً لا تقدَّر بثمن في تطوير مواد جديدة. وسنبيّن دوره ومسؤوليته اليوم عن تنفيذ تقنيات علم المواد كنهجٍ ذي أولوية لتطوير جيلٍ جديد من المواد» – بهذه الخلاصة افتتح مدير المعهد المذكور، يفغيني نيقولايفيتش كابلوف، مقالَه المنشور في عدد آذار 2020 من مجلة «أنباء أكاديمية العلوم الروسية»، بعنوان «مواد الجيل الجديد وتقنيات معالجتها الرقمية»، وذلك في سياق لقاء علمي لأعضاء الأكاديمية تحت عنوان «الجدول الدوري للعناصر الكيميائية كلغة عالمية للعلوم الطبيعية».

البروفسور يفغيني كابلوف
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

يمكن اعتبار تطوير الأسلحة النووية في الاتحاد السوفييتي والعمل على الذرة السلمية مثالاً على التنفيذ الناجح للمشاريع على المستوى الوطني. تم إسناد المسؤولية عن المشروع النووي إلى أكاديمية العلوم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، وأتاح المرسوم الصادر عن مجلس مفوضي الشعب في 24 آب 1945، خلق أكبر تعاون علمي وصناعي للمؤسسات والأفراد في هذا المشروع، بحيث أنه في مجال علم المواد لوحده، تمّ التعاون المشترك بين عدة مؤسسات، ومنها: المختبر رقم 2 في أكاديمية العلوم السوفييتية، ومعهد الدولة رقم 11 للتصميم الخاص، الذي أصبح فيما بعد جزءاً من «وزارة بناء الآلات المتوسطة» السوفييتية، ومعهد الفيزياء الكيميائية، ومعهد الكيمياء الفيزيائية، ومعاهد أخرى من مختلف القطاعات، إضافة إلى معهد عموم الاتحاد لمواد الطيران التابع لوزارة صناعة الطيران في الاتحاد السوفييتي، والذي تم منحه أحد الأدوار القيادية في هذا التعاون.

الريادة السوفييتية بمواد المفاعلات

من حيث الأعمال التطبيقية لتطوير أول مفاعل نووي صناعي A-1 في الاتحاد السوفييتي، والذي تم الحصول فيه على كمية كبيرة من البلوتونيوم لأول مرة في بلدنا، كان معهد مواد الطيران VIAM مسؤولاً عن تصنيع قرص اليورانيوم Uranium slug، وأسلاف عناصر الوقود في المفاعل النووي، والتي كانت تسمى في الوثائق «الجزء رقم 0-4»، وقنوات الضغط، وهي الأنابيب التي يتدفق من خلالها ماء التبريد. إن أهمية مسائل علم المواد تؤكدها حقيقة أنّ رئيس المعمل رقم2 في أكاديمية العلوم السوفييتية، الأكاديمي آي. في. كورتشاتوف دأب على عقد اجتماعات أسبوعية في معهد مواد الطيران لحل المشكلات على الفور.
خلال أعوام من 1946 إلى 1948، قام معهد عموم الاتحاد السوفييتي لمواد الطيران بتطوير وإدخال طلاء لحماية أقراص اليورانيوم من التآكل، وسبائك الألومنيوم SAV-1 لتصنيع قنوات وقود المفاعلات، وتكنولوجيا لإغلاق أقراص اليورانيوم في دروع من الألمنيوم للمفاعلات النووية الأولى F-1 و A-1. وقد ثبتت المعايير العالية جداً للعمل المنجز من خلال حقيقة أن المفاعل A-1 الذي تم إطلاقه في عام 1948 ظلّ قيد التشغيل لمدة 38,5 عاماً بدلاً من السنوات الخمس المخططة له في البداية، ولا تزال سبيكة SAV-1 تُنتَج لتلبية احتياجات الصناعة النووية حتى اليوم.
حصل أربعة من علماء المعهد على جوائز ستالين في عام 1949 لتطويرهم مجموعة من المواد والتقنيات لتنفيذ المشروع النووي السوفييتي. وهم: روبين سيرغيفيتش أمبَرتسوميان، ج. أكيموف، م. بوبلافكو ميخائيلوف، ف.أ. غريغورييف. وتأسست مجموعة خاصة في المعهد في نهاية عام 1953 بقيادة أمبَرتسوميان، والذي استطاع مع أ. كيسيليف خلال السنوات من 1948 حتى 1957 تطويرَ وإدخال سبائك صناعية على أساس معدن الزركونيوم Zr من أجل مفاعلات النيوترون الحرارية، مع 1% من معدن النيوبيوم Nb [المعروف سابقاً باسم الكولومبيوم Cb] من أجل عناصر الوقود (السبيكة E110)، ومع 2,5% نيوبيوم لقنوات ضغط «المفاعل القَنَوي عالي الطاقة» RBMK (السبيكة E125). وكان أمبرتسوميان أول مَن اقترح استخدام سبائك الزركونيوم مع النيوبيوم، في وقت كانت فيه السبائك الرئيسة المستخدمة في العالم هي سبائك الزركونيوم مع القصدير (زركالوي)... لذلك يمكن بل يجب اعتبار معهد مواد الطيران VIAM رائداً في مجال السبائك الثنائية لنظام الزركونيوم والنيوبيوم، والتي ما زالت حتى يومنا هذا مواد البناء الأساسية لمفاعلات النيوترونات الحرارية المحلية.
وفي المعهد نفسه وبقيادة العلماء أمبراتسوميان وغلوخوف وكيسيليف طُوِّرَت تصميمات عناصر الوقود وقنوات الضغط للمفاعلات النووية OK-150 وOK-900 (من أجل كاسحة الجليد لينين) والمفاعلات النووية VM (للغواصات المزوَّدة بالصواريخ الموجَّهة متعددة الأغراض العاملة بالطاقة النووية لعدد من المشروعات). كما تم تحت قيادة الأكاديمي آي. إن. فريدلياندر تطوير سبائك V96Ts ذات قوة الشد الفائقة البالغة 700 ميغا باسكال لأجهزة الطرد المركزي الغازية لمحطات الطاقة النووية، إذ قدمت السبيكة سرعة دوران عالية (1500 دورة في الثانية) لأجهزة الطرد المركزي الغازية لتخصيب اليورانيوم 235، وتتميز أيضاً بأنها أوفر اقتصادياً بخمس مرات من طريقة الانتشار الحراري الأجنبية.

علم المواد الروسي اليوم

أشارت إستراتيجية التطوير العلمي والتكنولوجي للاتحاد الروسي عام 2016 إلى أنّ الانتقال إلى تقنيات الإنتاج الرقمية والذكية المتقدمة والأنظمة الروبوتية والمواد الجديدة وأساليب البناء الجديدة ستكون إحدى الأولويات الرئيسة للتطور العلمي والتكنولوجي في روسيا على مدى من 10 إلى 15 سنة القادمة.
حتى يومنا هذا، يشرف معهد عموم روسيا لمواد الطيران رسمياً على تصنيع المنتجات شبه النهائية، ويعمل باستمرار على تحسين تكنولوجيا الإنتاج بناءً على البيانات الإحصائية من المصانع ذات الصلة، وكنتيجة لذلك تنخفض نسبة العيوب الصناعية باستمرار، وهي حالياً أقل من 1%.
وبالنسبة لتقنية الطرد المركزي لإنتاج نظائر مستقرة في روسيا، فإنها تؤمن احتياجات الطب النووي، والطاقة النووية، والإلكترونيات، والفيزياء، والكيمياء، والتقانة الحيوية، والكيمياء الزراعية. وحتى الآن، لا توجد دولة في العالم يمكنها إنتاج مثل هذه الطائفة من النظائر مثل روسيا التي تسهم اليوم بنسبة 40% من سوقها العالمية.

الجمع بدل الطرح

تلعب التقنيات الرقمية والإضافية دوراً رئيساً في تحسين العملية التكنولوجية لتصنيع أجزاء من الأنظمة التقنية المعقدة، مما يجعل من الممكن تطوير أجزاء عالية الجودة بأقل تكلفة من خلال التخليق المباشر للمادة synthesis (الإضافة أو الجمع addition)، الأمر الذي لا تقدمه التقنيات التقليدية (الحذف أو الطرح subtraction) مثل: الصَّب في قالب، والمعالجة الآلية [machining مثل تدوير وثقب وطرق المادة مثلاً].
لأول مرة في روسيا، أنتج معهد مواد الطيران VIAM مكوناً رئيساً لمحرك الطائرة المتقدم PD-14 (دوّامة حجرة الاحتراق الأمامية) عبر تقنيات الإضافة (الجَمع)، واجتاز المحرك المزود بالأجزاء المصنوعة على هذا النحو اختبارات الطيران بنجاح.

الابتكارات الكبرى بحاجة لمشاريع كبرى

تُظهر التجربة بشكل مقنع أنه فقط من خلال التعاون العلمي والإنتاجي على شكل اتحادات consortia للعلوم والتعليم والأعمال... يمكن تنفيذ مشاريع ابتكار كبرى كاملة الدورة. ويتطلب إنشاء مواد الجيل الجديد النهج نفسه المُوحَّد ومتعدد المستويات: نَمذجة المادة على المستويات النانوية والميكروية والمتوسطة والماكروية، والبحث عن آليات سلوك العينات الأولية مع التحقق من صحة النتائج لعناصر التصميمات والمنتجات. وهذه التطورات مستحيلة دون النمذجة الحاسوبية لتكوين المواد والنماذج الرياضية لإنتاجها، مما يجعل من الممكن تحسين تكنولوجيا تصنيع الأجزاء لظروف حالة التوتر والإجهاد، وتقدير تأثير المواد الخام على الحالة الفيزيائية والخصائص الميكانيكية للمنتوج المستقبلي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
984
آخر تعديل على الإثنين, 21 أيلول/سبتمبر 2020 14:37