دراسة سوريّة تقدِّر انتشار كورونا في دمشق بنسبة 63,4%
أجرى ثلاثة أطباء سوريين دراسةً علمية مهمة بعنوان «انتشار أعراض كوفيد-19 في سورية: دراسة مقطعية» The Prevalence of COVID-19 Symptoms in Syria: A Cross-Sectional Study، وهم: د. بهاء الدين الحفار و د. جهاد أبو نصّار (جامعة دمشق)، والدكتورة غدير عباس (مشفى المواساة الجامعي)، بعد الحصول على الموافقة الأخلاقية من «اللجنة العليا للبحث الطبي بجامعة دمشق» والموافقة المُستَنيرة من عيّنة المشاركين (5212 شخصاً). نُشِرَت الدارسة بتاريخ 31 آب 2020 على موقع «ريسيرش سكوير» العالَمي لمراجعة الأبحاث.
جمع الباحثون البيانات على مدى أسبوعين (بين 1 إلى 14 آب 2020) عبر استبيان على الإنترنت، يسأل عن معلومات ديمغرافية، ويقيس درجة الوعي بالمرض، ويقيِّم شدة ومدّة الأعراض. ثم حلّلوها عبر أدوات وبرامج إحصائية معيّنة.
نتائج الدراسة
شملت الدراسة 5212 شخصاً من سكان دمشق، 59% إناث، 41% ذكور، 9,6% لديهم أمراض مزمنة. وكانت نسبة مَن أبلغوا عن وجود أعراض كوفيد-19 لديهم خلال 6 أشهر الماضية هي 63,4%. وسطي مدة الأعراض 6,9 يوماً، وكانت أكثرها شيوعاً في العينة المدروسة: الإرهاق 70% والصداع 76,1% وفقدان الشمّ والتذوق 42,4%، والتهاب الحَلْق أيضاً شائع. أمّا الحمّى فوق 38 درجة مئوية فكانت بنسبة 29,2%، وأقلّ الأعراض شيوعاً هي الجلدية (أقلّ من 14,5%).
كان لافتاً أيضاً ملاحظة الدراسة لاستمرار المنحى المتصاعد للوباء، حيث قال 38,4% من الأشخاص أنّ أعراضهم ظهرت خلال 14 يوماً السابقة للاستبيان، مقارنة بـ 11,6% في الشهر الذي سبقه، و7% في الشهرين السابقين، و6,4% في 3– 6 أشهر السابقة. والمُستَبيَنين هم عينة عامة من المجتمع، وليس من المرضى أو العرضيين بالضرورة، حيث قال 27,5% بأنه ليس لديهم أعراض إطلاقاً، لكن أصحاب الأعراض الشديدة شكّلوا نسبة 8,7% من العينة! والأعراض المتوسطة الشدة نسبة 16,9%. مع ملاحظة الدراسة أن شدة الأعراض تزداد مع ازدياد مدة المرض.
وعن وضع النظام الصحي السوري كتب الباحثون: «لدى سورية أحد أكثر الأنظمة الصحية في العالم عرضةً للعطب. وأشار تقرير حديث بأن السعة القصوى لحالات كوفيد-19 التي يمكن علاجها بشكل ملائم في سورية هو 6500 حالة، بناءً على العدد الإجمالي لأسرّة العناية المشددة المزوَّدة بمَنَافِس والتي تُقَدَّر بنحو 325 فقط... وأنظمة الرقابة ضعيفة، وغير مستقرة مع غياب أيّة منهجية قياسية للإبلاغ عن حالات العدوى، وغياب الوعي العام الكافي واستمرار تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية- الاجتماعية في سورية، مما يثير المخاوف بأنّ الأرقام الحقيقية أعلى بكثير».
لا يمكن التعويل على «مناعة القطيع»
وردَ في نصّ الدراسة تحت مناقشة النتائج: «بدأت أعداد مرضى كوفيد-19 بالازدياد منذ أوائل حزيران بعد تخفيف الإجراءات الحكومية للسيطرة على العدوى. الأرقام الرسمية المعلنة من وزارة الصحة السورية لا يُعوَّل عليها بسبب العوز في معدات التشخيص. في دراستنا لم يتجاوز عدد المشاركين الذين خضعوا لفحوص PCR نسبة 2,6% فقط... النظام الصحي السوري المُدمَّر سلفاً بسنين الحرب، يعاني حالياً من العقوبات، مما يبرر المخاوف من أنْ تكون أعداد الإصابات أعلى بكثير... والأصعب بقاءً على قيد الحياة في هذه الجائحة هم السكان تحت خط الفقر. ومع الافتقار لأيّة إجراءات حكومية حقيقية وفعالة، وفي ظل نقص الوعي العام، فإننا قد نكون متّجهين مباشرةً نحو مناعة القطيع، بافتراض أنّ رقم التكاثر الأساسي R0 للفيروس حوالي 3، وأنّ عتبة الوصول لمناعة القطيع هي إصابة نحو 67% إلى 80% من المجتمع. وباعتبار أنّ نسبة 67% من العينة التي درسناها قد أَبلغوا فعلاً عن وجود أعراض كوفيد-19 لديهم، فقد نكون قريبين من الوصول لمناعة القطيع، ولكن لا يمكن تأكيد ذلك دون مسح واسع باختبارات PCR، فضلاً عن أنّ آليات الاستجابة المناعية لهذا الفيروس ليست مفهومة [من العلماء] سوى قليلاً حتى الآن، وبالتالي لا يمكننا التعويل على مبدأ مناعة القطيع».
لا بدّ من إجراءات حقيقية
شدّدَ مؤلّفو الدراسة على أنّه «لا بدّ من اتخاذ عدة إجراءات. وإحدى التجارب الناجحة بهذا السياق، هي تجربة الأردن، حيث قامت الحكومة الأردنية بعدة إجراءات، مثل تقييد السفر لغير الأردنيين، والحجر الإلزامي لمدة 14 يوماً للأردنيين الواصلين من الخارج، وقواعد صارمة حظرت جميع الأنشطة الاجتماعية والعامة والتجمعات الدينية، مما أبطأ انتشار الوباء. ومن الإجراءات الأخرى المفيدة فرض قانون لبس الكمامات في الأماكن العامة، وخاصةً المغلقة وقليلة التهوية والمزدحمة، إذ إنّ الالتزام المعتدل بالكمامات بنسبة 80% يستطيع إنقاص وفيات كوفيد-19 بنسبة 40% تقريباً».
الخلاصة
وكخلاصة، كثَّف الباحثون استنتاجاتهم بثلاث نقاط رئيسة: 1- أعراض كوفيد-19 في سورية منتشرة انتشاراً عالياً. 2- هناك ارتباط مهمّ بين شدة الأعراض ومدّتها. 3- هناك حاجة لإجراءات فورية لإبطاء سرعة انتشار المرض.
لفت الباحثون الانتباه إلى أنّ دراستهم ونتائجها تبقى محدودة نسبياً بحجم العيّنة المدروسة، ولكنها مع ذلك تبقى مفيدة وضرورية لإعطاء صورة تقديرية مهمّة عن حجم الانتشار الكبير للوباء في سورية.
وفي الختام، توجّهوا بكلمة شكر وإهداء «لأرواح الأطباء السوريين الذي رحلوا وهم يؤدّون عملهم بإخلاص رغم نقص المعدات الوقائية والدعم الحكومي».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 982