للفقراء جينات مختلفة!
الحديث عن المخاطر التي تهدد البشرية وتأثيرها المدمر قد لا ينتهي إلّا مع انتهاء ما أدى إلى هذه المخاطر، أي: النظام الرأسمالي نفسه. ولكن إعادة الحديث تبقى ضرورية مع تطور هذه التأثيرات مع مرور السنين، خاصة بأنها مترابطة ومعالجتها تؤثر على عناصر أخرى، إما في جسد الإنسان أو في حياته. ولا نبالغ إذا قلنا: إن جميع هذه المخاطر محددة، ومنطلقة من النظام السياسي الحاكم في العالم، من الرأسمالية التي تحتم على الأكثرية السكانية الانصياع إلى أسلوب حياة يسير بهم إلى الدمار.
التقارير الرسمية عن مؤسسات النظام الرأسمالي تثير الذعر، مع إرفاق حلولها التي تستخف بعقول البشر. فبحسب منظمة الصحة العالمية 1,2 مليار شخص في العالم يعيشون على أقل من دولار أمريكي واحد في اليوم، 33 مليون شخصاً يموتون سنوياً نتيجة الأكل الملوث، و2 مليار شخصاً يستخدمون مياهً ملوثة. وتأتي الحلول بالطلب أو العمل مع الحكومات على تحسين القدرة على الوصول إلى أكل صحي ومياه نظيفة، والتي عملياً لا يمكن لها الحصول عليها من خارج تغيير نمط الاستغلال والسيطرة التي تعيش عليه الرأسمالية. ولا يمكنها الحصول عليها لا بمشاركة الموارد الطبيعية والإنتاج في العالم، ومن الحد من تأثير الاحتباس الحراري والتلوث الناتج عن الطمع الرأسمالي وعن الحروب.
النظام الغذائي وعدد الوفيات
ترتبط الأمراض المتنقلة وغير المتنقلة بنوعية الغذاء، فإما هي مسؤولة عن قدرة مقاومة جهاز المناعة منذ الصغر، أو من نوعية الفيتامينات والمعادن التي يتغذّى بها الجسد. ولهذا التأثير ارتباط مباشر وغير مباشر بمعدل العمر لأي شخص في أي مجتمع كان. ففي بحث أخير (6 نيسان 2019) صدر عن مجلة Lancet حول العادات الغذائية لـ 195 بلد في العالم، يسبب النظام الغذائي 11 مليون حالة وفاة سنوياً، إما بسبب الإكثار من تناول بعض المأكولات أو عدم تناولها. فقدرت الدراسة أن 3 مليون حالة وفاة تأتي نتيجة الإكثار من الصوديوم، و3 ملايين نتيجة نقص في الحبوب الكاملة، و2 مليون حالة نتيجة نقص في الثمار. وحالات الوفاة هذه قد لا تظهر مباشرة من خلل في الغذاء، بل عبر مرض جسدي أو عقلي، مثل: أمراض القلب، السكري، أي: مرض مرتبط بالمناعة، والتأخر العقلي وغيرها.
طفرة في الجينات
في دراسة أخرى حول إمكانية حصول تغير في الجينات عند الأشخاص الذين يعيشون وضعاً اقتصادياً فقيراً، أعدت الدراسة من قبل ثلاثة مراكز بحثية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والفيليبين، حول العلاقة بين التعديل في الجينات والفقر. البحث الذي تركز على الفقر بين أطفال عائلات فيليبينية فقيرة في عمرهم الـ 21 وأطفال تربوا وعاشوا في وضع معيشي غير فقير. والذي نتج عنه تغيير في 8% من الجينوم عند من تربى وعاش في وضع معيشي فقير. ما يعني تأثير هذا التعديل على النمو العقلي والجسدي لهؤلاء، بالإضافة إلى أمراض ترتبط بجهاز المناعة والأعصاب. وهذا أتى نتيجة الفرق بين الفقراء والأغنياء في نوعيّة النظام الغذائي، والقدرة على التعلّم ونوعية التعليم التي يمكنهم الحصول عليها، والقدرة على الوصول أو وجود نظام صحي جيد.
العلاقة بين الجينات وانتقالها وتغيرها من جيل إلى جيل متشابكة لأنها تحتوي العديد من التأثيرات. ولكن للبيئة التي نعيش فيها التأثير الأكبر من نوعية الغذاء إلى التعليم إلى الرياضة والتلوث والصحة وغيرها من العوامل التي تحتك بالجسد وتطوره أو تساعد في مقاومته للضغوطات الخارجية. وهذا حتى لو أن الرأسمالية تحاول رسمياً «علمياً» عبر مراكز أبحاثها، وغير رسمي عبر الإعلام والتربية والتعليم، تحاول يومياً لوم الفقراء على تخلفهم وتدني المستوى المعيشي الذي يعيشون فيه، ولكنها تعود عبر مؤسساتها لتقول: إن هناك مشكلة ما، لا نستطيع حلها أو لا نفهم علاقتها. وتعود لتلجأ إلى ما قاله علماء سوفييت: إن للبيئة وللحركة التي نقوم بها إمكانية فتح أو إغلاق آفاق تقدمنا كأفراد وكمجتمعات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 911