«الثقوب السوداء»... وتشويه تاريخ الزمن (2)
«نظرية أينشتاين– والذي هو نفسه، وفقاً لتيميريازيف، لا يهاجم أسس المادية بشكل فعّال– قد استولى عليها سلفاً عددٌ كبير من المثقفين البرجوازيين من كل البلدان؛ ينبغي الانتباه إلى أنّ هذا الأمر لا ينطبق فقط على أينشتاين، بل على عدد من، إن لم يكن على أغلبية، المُصلِحين العُظماء للعلم الطبيعي منذ أواخر القرن التاسع عشر».
(فلاديمير لينين، «عن أهمية المادية المقاتلة»، 12 آذار 1922)
تزعم هذه المادّة، استناداً إلى المَراجِع، بأنّ «الثقوب السوداء» ليس لها وجود واقعي، وأنها فكرة غير فيزيائية بُنِيَ عليها تراكم تاريخي من الفروض والنظريات الرياضية، القائمة أساساً على أخطاء بحلول وتأويلات معادلات النسبية العامة لأينشتاين (1915)، تخلّلتها مخالفات لقواعد الفيزياء والرياضيات، كالقسمة على صفر، وتزوير حلّ شفارتزشيلد الأصلي (1916).
اصطلاح: بالإحالة للمَراجع، [5ص13] مثلاً نعني بها المرجع الخامس صفحة13 وهكذا.
تعريف الثقب الأسود
«منطقة من الزمكان، لا يستطيع أن يفلت منها أيّ شيء، ولا حتى الضوء، لأنّ الجاذبية قوية جداً. ويملك حدّاً يسمّى أفق الحدث، تكون عنده الجاذبية قويّة بما يكفي لِلَجم الضوء ومنعه من الإفلات... وأفق الحدث يعمل بما يشبه غشاءً حول الثقب الأسود يكون المرور منه باتجاه واحد: فالأشياء مثل رواد الفضاء المتهوّرين unwary astronauts، يمكن أن تسقط من خلاله إلى داخل الثقب الأسود، ولكن شيئاً لن يتمكَّن قطّ من الخروج»[1ص159+85].
كيف «يتشكل»؟
«أثناء الانكماش [للنجم] تصطدم ذرات الغاز ببعضها...فيسخن لدرجة تلاحم ذرات الهيدروجين ويتكون الهيليوم. والحرارة المنطلقة من التفاعل الشبيه بقنبلة هيدروجينية تجعل النجم يسطع، الحرارة الإضافية تزيد ضغط الغاز ليتوازن مع سَحب الجاذبية فيتوقف الانكماش. والأمر يشبه البالون حيث ضغط الهواء من داخله يحاول تمديده، فيوازن توتر المطّاط الذي يحاول تصغيره»[1ص83].
هذا يتوافق مع نظرية تكوّن العناصر الكيميائية في النجومstellar nucleosynthesis (فريد هويل 1946). لكنّ هوكينغ يتابع: «عندما ينكمش النجم إلى نصف قطر حرج معيَّن، يصبح مجال الجاذبية عند سطحه من القوة بحيث تنحني مخروطات الضوء للداخل كثيراً حتى الضوء لا يستطيع الإفلات بعدها...ما نسميه الآن ثقباً أسود»[1ص83].
كيف «برهنوا» عليه؟
«حسب حلّ معيّن لمعادلات أينشتاين كان معروفاً منذ 1917، أوجده كارل شفارتزشيلد بعد اكتشاف النسبية العامة بزمن قصير»[1ص86]. «وقد بيّن البحث الذي قمت به أنا وروجر بنروز بين 1965 و1970 أنّه حسب النسبية العامة، يجب أن يكون في داخل الثقب الأسود متفرّدة تتميز بكثافة لا نهائية وانحناء لا نهائي للزمكان. ويكاد هذا يشبه الانفجار الكبير عند بدء الزمان، إلّا أنّه سيكون نهاية الزمان للجسم المتقلّص والراصد الفلكي. وعند هذه المتفرّدة تنهار قوانين العلم وقدرتنا على التنبّؤ بالمستقبل»[1ص84].
«كثافة» لا نهائية؟
منذ 1966 اعترف الثقوبيّون blackholers بأنّ «نقطة كثافة لا نهائية على كل خط تدفق للمادة. ورغم أنّ متفردات كهذه ربما ليست واقعية كثيراً من الناحية الفيزيائية، لكنها مع ذلك تثير الاهتمام لدراسة بعض خصائصها»[5ص500]. إنّ «متفرّدة الزمكان» بالتعريف لا تنتمي للطبيعة رغم أنها تنتج عن الطبيعة. ولتوضيح هذه المفارقة سنورد قائمة بالعناصر اللازمة الضرورية لتعريف «متفردة الزمكان» spacetime singularity وفق الثقوبيِّين، ونميّز كل عنصر من تعريفها بحروف أبجدية مختارة:
(st) «لا تنتمي إلى الزمكان» [2ص223]، أي: ببساطة «حيث ينتهي الزمان والمكان»[3]. (m) كتلة محدودة، فالأصل نجم (0<M). كم «حجمها»؟ (v1) نقطة وحيدة البعد (الحجم صفر)، أو (v2) مكان لا نهائي الصغر (الحجم 1 على لانهاية)، أو (v3) لا أبعاد لها. (d) لها «كثافة لا نهائية» لكن الكثافة = الكتلة/الحجم. (x) «تتعطّل» عندها قوانين الطبيعة أو العلم أو الفيزياء... إلخ.
أولاً: في حال اجتماع عنصري التعريف m + v1 سيعني أنّ d لن تتحقق، لأنّ «كثافتها» عندئذٍ ليست لا نهائية بل عدم تعيين undefined بسبب القسمة على صفر. ثانياً: v2 تتنافى تماماً مع st لأنّه وفق st المتفردة ليست مكاناً ولا زماناً. ولا يمكن أن يكون الشيء مكاناً ولا مكاناً في الوقت نفسه. ثالثاً: رغم أنّه يمكن الحصول رياضياً على قيمة لا نهائية لـ«الكثافة» من m + v2 لكنها مرفوضة حسب التعريف أيضاً لأنّ v2 مرفوضة بسبب تنافيها مع st. وإذا اعتمدوا غياب الأبعاد v3 في التعريف فكيف يمكن الحصول على الكثافة (على ماذا نقسّم الكتلة؟!). رابعاً: وجود أيّة كثافة محكوم بقانون هو «الكثافة تتناسب طرداً مع الكتلة وعكساً مع الحجم»، فلماذا لم يتعطّل هذا القانون في المتفرّدة وفق (x)؟! لا يمكنك طرد القوانين من الباب وإعادة إدخالها خلسةً من الشبّاك.
إذاً، من المستحيل الحصول على «كثافة لا نهائية» تحقق كلّ الشروط اللازمة لتعريف «متفرّدة الزمكان» للثقب الأسود، وهذا ينطبق على «متفردة الانفجار الكبير» أيضاً. إن الكثافة هي مقدار فيزيائي واقعي محدود ومنتهٍ مهما كبر. الكثافات في الطبيعة يمكن أن تكون مثل: كثافة معدن الأوسميوم 22,59 غرام/سنتيمتر مكعّب، أو مركز شمسنا 150 غ/سم3. أو نجم نيوتروني بين 10 إلى 1000 ترليون غ/سم3؛ مهولة نعم، لكن ليست «لا نهاية».
أسطورة «ثقب شفارتزشيلد»
حجر الأساس الرياضي لدى الثقوبيِّين هو «حلّ شفارتزشيلد» لمعادلات أينشتاين لحقل الجاذبية، وهو بالتعريف: متريّ شفارتزشيلد يصف حقل الجاذبية خارج كتلة كروية متناظرة، بافتراض انعدام الشحنة الكهربائية، والعزم الزاويّ (الدوراني) أي: ساكنة حول محورها لا تدور، والثابت الكوني صفر. فالشروط أصلاً تجريد مثالي وغير واقعي: «لقد صُمِّمَت [ورقة بنروز] للبرهنة على حدوث متفردة في نجم ينهار[4]... لكن ليس واضحاً إذا كان سيتم الأمر هكذا في حال حدثت شذوذات، أو بعض العزم الدوراني angular momentum. في الحقيقة، عزمٌ كهذا في نظرية نيوتن يستطيع منع حدوث كثافة لا نهائية ويجعل النجم يتوسّع من جديد [بعد التقلص/الانهيار]... لكن بنروز بيَّن بأنّ الحالة تختلف كثيراً بالنظرية النسبية العامة: حالما يتقلص النجم ليصير ضمن سطح شفارتزشيلد r=2m [أي: أفق الحدث] فلن يستطيع الخروج ثانيةً»[5ص488].
لكنّ شروط حلّ شفارتزشيلد مع ذلك كانت تجريداً مفيداً ومقبولاً بحدود حسابات تقريبية لمسألة فلكية، مثل: «الحضيض الشمسي لعطارد» Mercury Perihelion أي: حساب أقرب مسافة إلى الشمس يبلغها الكوكب في مداره، فكتلة عطارد (رتبة 10 قوة 23 كغ) أصغر بعشرة ملايين مرّة من كتلة الشمس (10 قوة 30 كغ). ووُجِدَت حلول أخرى لحالات فيها دوران (Kerr) وشحنة (Reissner–Nordstrom)، لكن تبيَّن خطأ استنتاج «ثقوب سوداء» منها، كما أثبت رياضيون وفيزيائيون [6، 7].
ويكيبيديا: «ثقب شفارتزشيلد الأسود يوصف بواسطة متريّ شفراتزشيلد Schwarzschild metric يتميّز بحدّ كروي يسمّى أفق الحدث، عند نصف قطر شفارتزشيلد». لنلقِ نظرة على الحقيقة من المصادر الأصل: ورقة شفارتزشيلد الثانية (24 شباط 1916) بعنوان «عن حقل الجاذبية لكرة من سائل غير قابل للانضغاط وفق نظرية أينشتاين»[9]. نقتبس منها الملاحظات التالية الحاسمة: يشير إلى أنّ حلوله في الورقة الأولى[8] (13 كانون الثاني 1916) تنطبق أيضاً هنا على «الفضاء خارج الكرة... ويبقى أن نضع معادلات الحقل لداخل الكرة»[9ص2]. وبعد خمس معادلات: «من الاعتبارات العامة للسيّد أينشتاين يتبيّن بأنّ المعادلات الخمس الحالية ذات التوابع الأربعة... متوافقة مع بعضها تبادلياً. يجب علينا أن نحدّد حلّاً لها بحيث يكون خالياً من المتفرّدات singularities في داخل الكرة»[9ص3]. وبعد صفحة تظهر معه ثوابت تكامل فيؤكّد مجدّداً «يجب تحديد ثوابت التكامل الآن بحيث يبقى داخل الكرة خالياً من المتفرّدات ويتحقّق استمرار الوصل مع القيم الخارجية للتوابع ومشتقّاتها عند سطح الكرة»[9ص5]. وبالصفحة نفسها: «سوف يتمّ تثبيت ثابت التكامل لامدا أخيراً بشرط أن يبقى الضغط داخل الكرة منتهياً وإيجابياً... ولا يساوي الصفر». ثمّ: «إذا افترضنا أنّ لامدا أكبر أو أصغر تماماً من الصفر فهذا لا يؤدي إلى حلول عمليّة فيزيائياً، ولا بدّ أن يكون لامدا يساوي الصفر»[8ص5]. أمّا بنهاية الورقة فيختتم بالمقطع التالي المكذّب لأسطورة «الثقب» التي ألصقت لاحقاً به:
«عند مركز الكرة (X=0) تصبح سرعة الضوء والضغط لا نهائيَّين إذا كان cos Xa يساوي الثُلث... وبالتالي يوجد حدّ للتمركز، فوقه لا يمكن لكرة من سائل غير قابل للانضغاط أن توجد... وعلى الطريق إلى هذه الحلول، والتي من الواضح أنها ليست ذات معنى فيزيائيٍّ لأنّها تعطي ضغطاً لا نهائياً عند المركز، يمكن للمرء أن ينتقل إلى الحالة الحدّية لكتلة متمركزة في نقطة واحدة، ويستعيد عندها العلاقة (رو تساوي alpha مكعّب) والتي وفقاً للدراسة السابقة (يقصد ورقته الأولى [8]) تصحّ على كتلة نقطية... ومن أجل مراقب يقوم بالقياس من الخارج ينتج من العلاقة رقم أربعين أنّ كرةً ذاتَ كتلة ثقالية (ألفا على ضِعف k مربع) لا يمكن أن يكون لها نصف قطر مقيس من الخارج أصغر من: P0= alpha. ومن أجل كرة من سائل غير قابل للانضغاط سيكون الحدّ هو تسعة على ثمانية alpha (من أجل الشمس تكون alpha تساوي 3 كيلومتر، ومن أجل كتلة 1 غرام تكون 1,5 ضرب عشرة قوة سالب 28 سنتيمتر)» [9ص9].
النتيجة: حل شفارتزشيلد الأصلي لا يسمح بانهيار أيّ نجم إلى ما دون حدّ معيّن ولا يسمح بتشكّل أيّ أفق حدث أو ثقب أسود، وذلك بسبب انطلاق شفارتزشيلد سلفاً من شروط فيزيائية واقعية أخضع الرياضيات لها كأداةٍ لاستكشاف الواقع لا لتبرير الأوهام. أما الصيغة المسماة «حل شفارتزشيلد» الواردة في الكتب الدراسية والأكاديمية السائدة فهي بالحقيقة حلّ ديفيد هيلبرت [10، 11] الذي ادّعى أنّه مكافئ لشفارتزشيلد وأبقاه تحت اسم هذا الأخير. عدة أبحاث كشفت هذا التزوير التاريخي منها [11، 12]. المفارقة أنّ معظم المراجع السائدة (ويكيبيديا ضمناً) وبعد أن تعرض «متريّ هيلبرت» على أنه «شفارتزشيلد»، تحيل صراحةً إلى ورقَتَي شفارتزشيلد الأصليّتين[8، 9].
تصويب: بالجزء الأول من المادة (قاسيون، 909) ورد خطأ طباعي (بالنسخة الورقية فقط): الأرقام (10–18)، (10–15)، (1021). والصواب: (10 قوة سالب 18)، (10 قوة سالب 15)، (10 قوة 21) على التوالي. فاقتضى التنويه.
المَراجع:
1_ Hawking S. (1987): ستيفن هوكنج «تاريخٌ موجز للزمان»، الهيئة العامة المصرية للكتاب 2000
2_ Earman, John (1995) «Bangs, Crunches, Whimpers and Shrieks: Singularities and Acausalities in Relativistic Spacetimes».
3_ http://www.einstein-online.info/dictionary/singularity.html
4_ Penrose R. (1965) Gravitational collapse and space-time singularities. Phys. Rev. Lett. 14:57–59.
5_ Hawking, S. (1966) Singularities and the geometry of spacetime, Eur. Phys. J. H 39, 413–503 (2014)
6_ Crothers, Stephen J. The Painlevé-Gullstrand ‘Extension’- A Black Hole Fallacy, American Journal of Modern Physics 2016; 5(1-1): 33-39
7_ Antoci, Salvatore (21 Oct. 2003) David Hilbert and the origin of the «Schwarzschild solution»
8_ Schwarzschild, K. (Jan. 13, 1916) On the Gravitational Field of a Point-Mass, According to Einstein’s Theory.
9_ Schwarzschild, K. (Feb. 24th, 1916) On the Gravitational Field of a Sphere of Incompressible Fluid according to Einstein’s Theory.
10_ Hilbert, David (23 Dec. 1916) The Foundations of Physics (Second Communication).
11_ Abrams, Leonard S. (1989), Black holes: the legacy of Hilbert’s error.
12_ R.E. Salvino & R.D. Puff (29 Sep 2013), The Two Schwarzschild Solutions: A Critical Assessment.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 910