هل ستصبح العلوم للجميع؟
تسيطر على نشر الإنتاج البحثي العشرات من المجلات العلمية والتي لمعظمها مواقع أو منصات إلكترونية تنشر عبرها الأبحاث الجديدة.
وهذه المجلات تنقسم إلى قسمين كبيرين، الأول: هو الذي يتم فيه التدقيق بالمقالات والأبحاث العلمية قبل نشرها، وبالتالي هذه المقالات تكون بمعظمها مغلقة على القراءة إلى بعد الدفع أو إلا إذا تم دفع مبلغ من قبل معد البحث. والثاني: هو الذي لا يدقق بالمقالات قبل النشر، وبدل التدقيق يتم تسديد مبلغ من قبل معد البحث للمجلة لتنشره ويصبح متاحاً للقرّاء من قبل الجميع. القسم الأول هو الأكثر مصداقية، ويحمل ثقة أغلبية من يعمل في مجال العلوم، أما الثاني فهو وسيلة سهلة لتخرّج العديد من الطلاب بالشهادات العالية لقابلية النشر السهل فيه.
وعلى أساس ذلك يتم تقييم سنوي للمجلات العلمية من حيث نوعية المقالات والمواضيع المطروحة وطبيعة الباحثين فيها. أما من يستطيع النشر في القسم الأول من المجلات هو إمّا من يدرس أو يعمل في أعلى الجامعات تقييماً في العالم، أو من يقدم بحثاً جديداً يرفع من مستوى هذه المجلات. ومع هذا فإن 85% من المقالات التي ترسل إلى هذه المجلات العلمية يتم رفضها، بحجة أنّ أعداد طلبات النشر كبيرةٌ جداً أو بحجة أن نوعية المقال لا تستوفي الشروط. هذا مع أننا نجد في العديد، إن لم يكن في جميع هذه المجلات مقالات مكررة نصاً وخلاصة، ومقالات غير دقيقة من حيث منهجية البحث، أو تجميع العينة أو تحليلها. ولكن مصدر وطريقة عمل هذه المجلات هو من أعطاها هذه القدرة على السيطرة على ما ينشر وما لا ينشر من مقالات وأبحاث.
تعتمد هذه المجلات التي تشدد على أنها لا تبتغي الربح على التمويل والدعم من قبل مراكز بحثية وجامعات، أو على المبالغ التي يجب أن تسدد من قبل الجامعات والمراكز البحثية وأي مصدر يريد الوصول إلى هذه المقالات. وبالتالي تعتمد على إغلاق المقالات التي تنشر فيها أو عبر المنصات الإلكترونية التابعة لها أو العاملة معها.
فإحدى معيقات المعرفة العامة عن أي موضوع علمي هي: محدودية القدرة على الوصول للأبحاث المنشورة على الإنترنت ومحدودية الأبحاث المنشورة من دون دفع مسبق في المجلات العلمية. تحديداً بعد أن أصبح الاتكال الأكثر على إما نشر أو إيجاد الأبحاث الصادرة حديثاً على المنصات، أو المواقع العلمية. وإحدى معيقات نشر المقالات البحثية هي سيطرة هذه المجلات على ما يتم نشره ومن يمكن أن ينشر. فعدا عن أن هذه المجلات تحدد المواضيع التي يمكن أن تنشر عبرها، تحدد أيضاً منهجية البحث وكيفية التحليل المقبول. فالتحليل الذي يربط الخاص بالعام، أو العلوم في السياسة أو الاقتصاد مقبول بحدود المنهج الذي يحكم هذه المجلات وبحدود الممولين، الذين أغلبهم إما الحكومات أو المخصصات الحكومية للأبحاث أو مراكز بحثية خاصة أو شركات أدوية. أو في النمط السائد من التسويق الذي يحتم على المجلات العلمية نشر مقالات يمكن لها أن تسوّق منتوجها المعرفي أو التكنولوجي أو الطبي مثلاً، ويسمح لها بمجاراة الحلول السائدة في العلوم والمجتمع والسياسة.
العلوم المفتوحة
أقرت إحدى عشرة دولة أوروبية من بينها فرنسا وبريطانيا ضرورة فتح المجال أمام الأبحاث العلمية الممولة من المخصصات العامة أمام الجميع. فمع عام 2020 سيكون على معدي أو راغبي نشر الأبحاث الممولة من المخصصات العامة نشرها من دون تكاليف إضافية، وعلى المجلات العلمية بالتالي أن تسمح بنشر هذه الأبحاث والمقالات من دون إغلاق وتكاليف إضافية. يقول أصحاب هذا القرار لمجلة science : إن المجلات العلمية ليست أعدائهم بل هم يريدون إشراك المجلات في عملية التغيير، هذا لكون تقييد العلوم والأبحاث العلمية يمنع إيصال العلوم إلى من يعمل فيها والمجتمع عامة.
أتت خطوة بعض الدول الأوروبية متأخرة بضعة قرون، فبعد أن سمح النظام الرأسمالي بالسيطرة على العلوم من قبل المجلات العلمية، وعبر تقييد الوصول إلى الأبحاث والمواد العلمية إما عبر هذه المجلات، أو عبر تحديد النشر والإنتاج (الاحتكار) ببعض المراكز البحثية وبعض الجامعات في العالم، أصبح من الصعب ملء الفراغ الذي جعل من تقييد العلوم صعبة الوصول إلى المجتمع ككل. ولكن مع هذا تبقى هذه الخطوة محاولة لإيجاد مخارج من الترهل القائم في مجال الأبحاث والعلوم بعامة. ويبقى من المهم عدم تقييد العلوم والأبحاث العلمية بحجة تكاليف إضافية، أو نوعية الباحثين، ومصداقية المراكز البحثية، لأننا نسمع في العالم أبواقاً توهم الآخرين بعدم وجود مشاكل علمية أو اجتماعية أو بيئية من خلال هذه المجلات والمراكز البحثية، التي لا يمكنها، والعلم معها، الخروج من دوامة النظام المموِّل لها من دون كسر قيوده وتغيير المنهج الحاكم لها ولتوظيفها.