مفاعلات الجيل الرابع تودّع الفحم
اعتدنا أن نسمع بعض الأصوات في الغرب وهي تلقي باللائمة على الدول النامية، وخاصة الصين والهند، في عرقلة مكافحة أسباب التغيّر المناخي. فما الذي يمكن للدول الغربية البريئة أن تفعله في الوقت التي تستمر تلك الدول في تلويث الجو؟ لكنّ هذه الحجّة تزداد ضعفاً عبر السنين، فبعض هذه البلدان النامية تضع خطط عمل فاعلة لتوقف أسباب التلوّث المناخي. حول هذا الموضوع، كتب الباحث، غراهام تيمبلتون، مقالاً بحثياً في دورية «Extremetech»، نقدم فيما يلي قراءة فيه.
أعلن خبراء الطاقة النووية الصينيون العام الماضي، عن خطّة طموحة لتحويل البنية التحتيّة لمحطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم في البلاد إلى محطات طاقة نووية. وسيبدأ العمل في هذا المشروع بشكل جدي في وقت مبكر من عام 2018.
قد تحوّل هذه الخطّة الدولة الآسيوية النامية إلى واحدة من أكثر الجهات فاعلية في مكافحة تغيّر المناخ، وذلك عبر حلّ مشكلتها المتنامية بما يتعلق بتلوث الهواء. وقد تعيد هذه الخطّة إطلاق قطّاع الطاقة النووية العالمي من جديد، بعد أن عانى من تذبذب بعد حادثة فوكوشيما منذ ستّة أعوام. قد تكون الصين على وشك أن تثبت بأنّ تقنيات الطاقة النووية الحديثة قادرة على توفير وسائل لبعض الدول الصناعية الكبرى من أجل خفض انبعاثاتها دون الخوف من الإفلاس، أو القيام فقط بالمراهنة ببساطة على التقدم السريع لمصادر الطاقة البديلة من رياح وشمس، بشكل لا يتوافق مع المرافق العالمية.
لقد تلقى البروفسور زانغ زوي تصفيقاً حاراً على مداخلته في مؤتمر «حرارة المفاعلات النووية المرتفعة» العام الماضي. السبب في ذلك، هو أننا ربّما بتنا أمام حلّ لأكبر مشكلة تواجه المفاعلات النووية، والتي سيتخطاها: «الجيل الرابع من المفاعلات» بتصاميمه المتطورة وأنظمة سلامته وتكلفته. فوفقاً للخطّة، ستوفّر الصين نسبة كبيرة من بناء المفاعلات بقيامها بإزالة الأفران والغلايات من معامل توليد الطاقة العاملة على الفحم، واستبدالها باللب المجرّد للمفاعل النووي عالي الحرارة المبرد بالغاز «HTGRs”.
إنّ المحطات المستهدفة في هذا المشروع كثيرة، ولكنّها محددة. معامل البخار الضخمة الحرجة المبنيّة لتحمل حرارة تشغيل عالية هي وحدها القادرة على تحمّل «HTGRs”. ويجب أن تكون أولى المحطات التي يتم تحويلها هي الأقرب من المراكز السكنية، فأحد أهم أهداف هذه الخطّة هي التقليل من خطر انبعاثات معامل الفحم على صحّة السكان، ولن يكون مفيداً البدء بالمحطات البعيدة.
لكن إن كان لهذه الخطة أن تمضي أبعد، فهناك حاجة لاعتماد إجراءات سلامة شديدة خاصّة بكل مفاعل.
ولهذا سيركز المشروع على ما يدعى «مفاعل طبقة الحصى Pebble-bed reactor”، والذي يتم فيه شطر الوقود النووي إلى كريّات صغيرة من الوقود، يتم تشكيلها بحجم كرة بيسبول مع طبقات متتالية من مواد الرصاص الأسود “graphite” والسيراميك. تعمل الطبقات التي تغلف كريات الوقود كوسيط النيوترون، لتقوم بالوظيفة ذاتها التي يقوم بها الماء الذي يتوضع بين خلايا القضبان الشبكية في المفاعلات الحرارية التقليديّة. ودرجة انصهار هذه الطلاءات هي أعلى كليّة من أيّة حرارة يمكن للوقود خلقها في هذا المفاعل.
نتيجة لذلك، سيركز المشروع على شكل من المحطات النووية يسمى مفاعل حصى السرير، الذي ينقسم فيه الوقود النووي إلى حبيبات صغيرة من الوقود الصغير، يتم بناؤها بعد ذلك إلى كرات بحجم البيسبول مع طبقات متتالية من الجرافيت ومواد السيراميك. الطلاء على كل بيليه الوقود بمثابة مشرف النيوترون، والقيام بالوظيفة نفسها التي تقع بين قضبان الوقود في المفاعل الحراري الكلاسيكي، ونقاط انصهار هذه الطلاءات كلها أعلى من أية درجة حرارة يمكن أن تخلقها كريات الوقود في هذا المفاعل.
تتحوّل المئات من الحزم إلى كومات ركام، يفصل بينها حيّز يسمح للغاز بالتدفق، وهو غاز الهيليوم هنا، وتمتص الحرارة قبل حملها بعيداً. يقوم هذا الغاز المسخن في بعض الحالات بتحريك عنفة «Turbine”، لكن في هذا المعمل سوف يقوم بتسخين مرجلين من أجل إنتاج البخار، وثمّ إدارة العنفة بشكل أكثر تقليديّة. إنّ عدم وجود أنظمة تبريد معقدة، مثل الموجودة في مفاعلات المياه، هو أحد الأسباب الذي يجعل من خطط الصين التحديثيّة مقبولة التكلفة. وبما أنّ الغاز الذي يبرّد النظام لا يمتصّ الكمية ذاتها من إشعاع النيوترون الذي يمتصه الماء، فإنّ الـ «HTGRs” ينتج كميات أقل بكثير من النواتج المشعة التي يمكن أن تتسرب لتعرض العمال للخطر. إنّ حالة المادة المبردة هي غازيّة على الدوام في درجات الحرارة جميعها، لا تتكثّف ولا تتبخّر1، ولا يمكنها أن تخلق انفجاراً ضاغطاً مثل البخار.
وعليه، فإنّ مفاعلات طبقة الحصى هي من حيث المبدأ مضادّة للانصهار، ولا تسمح بحدوث أيّةٍ من المشاكل التي أدّت إلى أخطر الحوادث النووية في التاريخ. هذا يعني بأنّه في حال الخطأ الكارثي، فإنّ التصميم سوف يتلاشى بشكل حرفي وحسب. ليس هناك من حاجة للقيام بشيء، فتصميم طبقة الحصى يعمل بحيث يمكن لكلّ عنصر أن يتلاشى بشكل مستقل. إنّ أسوأ ما يمكن أن يحدث هو فقدان التيار الكهربائي. سوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً كي يبرد المفاعل بشكل طبيعي، ولكنّنا رأينا كيف أنّ خطط وجهود تنظيف فوكوشيما لم تسر على ما يرام أيضاً.
هناك بالتأكيد سلبيات للأمر. فإنتاج حصى الوقود مكلف في الواقع أكثر ممّا توقعه العلماء، والأجزاء باهظة الثمن (تبعاً لتقديرات العام الماضي فإنّ تكلفة إنتاج كيلواط الطاقة المركبة «installed capacity” هو حوالي خمسة آلاف دولار، وقرابة 1.5 ضعف تكلفة الخلايا الفولتضوئية “photovoltaic” الشمسيّة، وأكثر من خمسةِ أضعاف كلفة الغاز الطبيعي. لكن مع هذا، فإنّ لدى الصين ميزة فريدة بهذا الأمر أنّ لديها الكثير من المفاعلات الملائمة كي تغيرها بهذه الطريقة. كما أنّ القسم الأكبر من التوفير المتوقع في التكاليف سيتأتّى من الإنتاج الضخم للأجزاء، وخاصة الأجزاء وكريات الوقود. ويأمل الفريق بأن يتمكن من تخفيض التكلفة بمقدار 2500 دولار للكيلواط، بالمقارنة مع أشكال أخرى من الطاقة النظيفة. ويمكن لصناعة الإنتاج الضخم هذه، عندما يتمّ تعديل مصانع الفحم الصينيّة كافة، أن تحوّل إنتاجها إلى الخارج إلى دول أخرى.
إذا ما أخذنا في اعتبارنا أنّ على الصين أن تأخذ في حسبانها ثلاثة أمور: الاستمرار في عملية التحديث والعصرنة، والوفاء بالتزاماتها تجاه المناخ، وحساب التكاليف، فسنعلم بأنّ الطاقة النووية هي التكنولوجيا الوحيدة القادرة على توفير هذه الأمور بشكل متزامن مع بعضها البعض.
إنّ لدى الصين فرصة لتثبت للعالم، وللغرب خصوصاً، بأنّه يمكن جعل الطاقة النووية آمنة وعملية ومتطورة... كما أنّ لديها الفرصة لتثبت عكس ذلك.
هامش:
الهيليوم هو أحد الغازات الثقيلة «lighter than air”، كثافته الوسطية (كتلة الجزيء الوسطيّة 4.003 غ/ج – كثافته تماماً عند المعالجة 0.179) أدنى من كثافة الهواء ولهذا يمكنه أن يطفو فيه، ويمكن نقله بالأوعية المفتوحة بحالته الغازية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 833