هل نعيش بصحة جيدة؟!!
تعاني البشرية اليوم من الكثير من المشاكل الصحية، ولعل أهمها الوفيات الناجمة عن السرطان، وأمراض القلب، والجلطات وغيرها، وذلك بالإضافة إلى المشاكل الأقل خطورة نسبياً على حياة الإنسان، ولكنها تشكّل منغصاً، وتسبق في العادة هذه الأمراض المهمّة، مثل: ارتفاع ضغط الدم، والبدانة، وغيرها من المتاعب الصحية، التي قد تؤدي إلى أمراض خطيرة أو الوفاة مع مرور الزمن.
ومجدداً نُذكّر بأن سلسلة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الأمراض الجسدية، لا تقتصر حصراً على أسباب «عضوية»، إذ أثبتت الدراسات الحديثة، وجود علاقة عميقة بين التوتر النفسي-الاجتماعي، وهذه الأمراض والمتاعب الصحية، التي تبدو «عضوية» في الظاهر.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تتمثل أهم الأسباب المشتركة للوفيات ضمن البلدان ذات الداخل المتدني والمتوسط والمرتفع، في: أمراض القلب، والأمراض المعدية، التي تصيب الجهاز التنفسي السفلي، والسكتات الدماغية، والسرطانات.
أمراض القلب
شهد علاج أمراض القلب في الآونة الأخيرة تطوراً ملحوظاً، أثمر عن انخفاض طفيف في معدلات الإصابة بالجلطات والوفيات، الناجمة عن هذه الأمراض في العالم ، غير أن معدلات تشخيص الإصابة بأمراض القلب لم تنخفض، حتى أن بعض الدراسات الإقليمية تشير إلى أنها في ارتفاع متواصل ، أو تتجه نحو مزيد من الارتفاع . وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية، أن مرض القلب التاجي ما زال يتصدر قائمة «الأسباب الرئيسية للوفاة» على المستوى «العالمي»، وأن 90% من المتوفين بهذا المرض، كانوا يعانون من مخاطر تتعلق بـ«نمط الحياة» ، دون أن تنكر الدور الذي قد تلعبه العوامل الوراثية، مشيرةً إلى أن الوقاية من هذا المرض ممكنة على العموم، إذا ما تم إحداث تغييرات معيّنة في أنماط الحياة.
وإذا تعمقنا في عوامل الخطر الأخرى مثل: الأغذية الدسمة، والتدخين, والكحول، والبدانة، وارتفاع مستويات الكوليسترول، والسكري، فسنرى أن الحالة الاجتماعية تعد سبباً مهماً لظهور هذه الأمراض، أي أن مسبباتها لا تقتصر فقط على العوامل العضوية.
كما تشير منظمة الصحة العالمية إلى انخفاض المستوى الاجتماعي-الاقتصادي في أنحاء مختلفة من العالم يتسبب بالمزيد من أمراض القلب، وبطبيعة الحال يسهم في نشوء المزيد من العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بهذا النوع من الأمراض . فثمة علاقة واضحة بين الوضع الاقتصادي والإصابة بالأمراض القلبية، إذ أن تدني القدرة الشرائية يجبر الناس على انتهاج أنماط حياة تحفز ظهور هذه العوامل الخطرة.
القوة الشرائية والصحة
ولا بد لنا من النظر إلى العلاقة المباشرة بين التوتر والقوة الشرائية وإيضاح الصلة بين النظام الاجتماعي والأمراض المختلفة والعوامل المؤدية إلى ظهورها.
فلنبدأ إذاً بالحديث عن القوة الشرائية، والتي تعد موضوعاً أبسط من التوتر: من الواضح أن محدودية الدخل تؤدي بشكل عام إلى عادات صحية سلبية نظراً لعدم القدرة على توفير الكمية والنوعية الكافيتين من الغذاء ، والرعاية الصحية ، والتربية والتعليم ؛ حيث يلجأ ذوو الدخل المنخفض إلى الأطعمة الرخيصة التي يؤدي أغلبها إلى الإصابة بأمراض القلب نظراً لاحتوائها على كميات كبيرة من الصوديوم.
ومن الجدير بالملاحظة أن مستويات إنتاج منظومتنا الاجتماعية-الاقتصادية الحالية تعتمد على القوة الشرائية للشريحة المستهدفة، لذلك تعمد الكثير من الشركات إلى إنتاج أطعمة رديئة النوعية بهدف تحقيق الربح عن طريق استهداف الشرائح الفقيرة، والتي تشكل الأغلبية على كوكبنا. وبعبارة أخرى، تتنوع الأسواق تبعاً للفئة المستهدفة، وبالتالي فإن الفئة الاجتماعية الأفقر تحصل على الجودة الأقل، وتعتبر هذه الحقيقة مثالاً على الدور المباشر الذي تلعبه المنظومة الاجتماعية في انتشار الأمراض. وبالرغم من أن التثقيف الغذائي يساعد الناس على التمييز بين مستويات جودة الغذاء المختلفة، إلا أن الفقراء ما زالوا غير قادرين على شراء الطعام الصحي حتى لو عرفوه، لأن أسعار هذا النوع من الطعام أعلى من قدراتهم المالية.
إذا فهمنا هذا الواقع، فلن نستغرب لماذا هناك الكثير من الأغذية غير الصحية والمنهجيات الإنتاجية الضارة التي تتناقض مع المعرفة المتقدمة التي وصلت إليها البشرية حول أهمية التغذية وأنواع الغذاء المفيدة، أو بالأحرى حول ما هو ضار وما هو نافع بشكل عام؛ إذ لطالما كانت صحة الإنسان –ولا تزال- غائبة عن قوائم أولويات قطاع إنتاج الأغذية الذي يسعى إلى الربح قبل كل شيء.
التغذية أهم مشاكل الصحة
إن واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص على كوكب الأرض يعانون من شكل من أشكال سوء التغذية سواء كان نقص التغذية أو زيادة الوزن أو السمنة، ولا يوجد بلد في منأى عن المعاناة من هذه المشكلة التي تترتب عليها تكلفة إنسانية واجتماعية وبيئية واقتصادية كبيرة جداً.
يعاني اليوم نحو 800 مليون شخص من الجوع المزمن، ما يعني أنهم غير قادرين بشكل منتظم على استهلاك المستوى الأدنى من أغذية الطاقة الضرورية للحفاظ على أسلوب حياة نشط.
ولكن سوء التغذية ليس مجرد الافتقار إلى تناول السعرات الحرارية الكافية، بل إنه يشتمل على نقص المغذيات الدقيقة، وزيادة الوزن والسُّمنة. فالأنظمة الغذائية الضعيفة مرتبطة بمجموعة من المشاكل الصحية ويمكن أن تطيل عمر الفقر وتعيق التنمية الاقتصادية.
ويشار إلى أن أكثر من ملياري شخص على وجه الكرة الأرضية يعانون من نقص المغذيات الدقيقة التي تؤثر على الصحة، كما أن نحو 150 مليون طفل تحت سن الخامسة يعانون من التقزم بسبب ضعف النمط الغذائي. وفي الوقت ذاته فإن 1.9 مليار شخص يعانون الآن من زيادة الوزن، ويصنف 600 مليون منهم على أنهم يعانون من السمنة.
كما أن التحديات الغذائية التي يواجهها العالم اليوم معقدة وغالباً ما تكون متداخلة – فالأشخاص في نفس المجتمعات يمكن أن يعانوا من الجوع ونقص المغذيات الدقيقة والسمنة في نفس الوقت.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 788