ما مدى جدوى الزراعة الحافظة؟
تعد الزراعة الحافظة استجابة للحد من تدهور الأراضي وزيادة إنتاجيتها، وتساعد على زيادة حجز الكربون في التربة، فهي أسلوب زراعي يؤدي للحفاظ على موردي التربة والمياه، لأنه يعمل على تنشيط العمليات الحيوية الطبيعية فوق الأرض وتحتها، وعلى تحسين نوعية المياه ومردودها ودعم المخزون الجوفي منها والمحافظة على البيئة.
حيث تخفض الحراثة للحد الأدنى كما تضاف الكيمياويات الزراعية والمخصبات ذات المنشأ المعدني والعضوي بمعدلات مثالية، بحيث لا تتداخل أو تؤثر في العمليات الحيوية، بالإضافة إلى أنه يعتمد على تقنين استخدام مستلزمات إنتاج المحاصيل، مع السعي للحصول على المردود المطلوب، والإبقاء على مستويات إنتاجية عالية ومستدامة، مما يؤدي إلى زيادة دخل المزارع وتحسين معيشته وتوفير العمل والوقت.
إن الزراعة الحافظة تغيير جذري في نظام الإنتاج الزراعي التقليدي بالرجوع إلى الطبيعة وتقليد النظام الطبيعي بحيث تزرع بذور المحاصيل في تربة غير محضرة مسبقاً (دون فلاحة) من خلال فتح شق ضيق على شكل خندق أو شريط بعرض وعمق كافيين فقط لوضع وتغطية البذور المزروعة والأسمدة.
مبادئ الزراعة الحافظة
تقوم الزراعة الحافظة على ثلاثة مبادئ أساسية وهي:
عدم حراثة التربة أو إثارتها إلّا بالحدود الدنيا: إن الزراعة التقليدية تعتمد على حراثة التربة كعملية أساسية، فكانت الحراثة في الماضي مترافقة مع زيادة خصوبة التربة حيث تؤدي إلى تمعدن العناصر المغذية في التربة، وبالتالي على المدى الطويل تقل المادة العضوية في التربة وتتدهور خصائصها الفيزيائية والكيميائية، إن المادة العضوية لا تزود التربة بالعناصر المغذية فقط، وإنما تؤدي إلى استقرار بنية التربة، فالتربة معرضة للتدهور في أنظمة الزراعة التكثيفية، ونتيجة لذلك يتدهور بناء التربة وتتحطم قشرتها مما يؤدي في النهاية إلى انجراف التربة، وهذه العملية تحدث بشكل سريع في مناطق المناخ الاستوائي كما تؤدي الحراثة إلى منعكسات سلبية أخرى مثل: زيادة فقد رطوبة التربة، وتقليل رشح الماء إلى المياه الجوفية وزيادة الجريان السطحي للماء، وانخفاض إنتاجية المزروعات، هذا بالإضافة إلى الهدر في الوقت والعمل، بينما تتضمن الزراعة الحافظة زراعة البذور مباشرة في التربة دون تحضيرها أو حراثتها بإحداث شقوق في التربة ووضع البذور فيها وتغطى مباشرة بالتربة دون أن يحدث أي فقد في التربة، وهذا النظام من الزراعة يتطلب إزالة الأعشاب الضارة وتغطية التربة ببقايا المحصول السابق أو بمحاصيل التغطية قبل الزراعة وتوضع الأسمدة مع البذار والتربة مغطاة.
إن عدم حراثة التربة آلياً يخلق نوع من الحراثة الحيوية التي تعني أن تقوم المتعضيات الحية في التربة بالحراثة، في حين تختفي الحراثة الحيوية بوجود الحراثة الآلية التي تقوم بهدم البنية البيولوجية للتربة لما لسكة المحراث أو قرص الحراثة من تأثير على الحياة في التربة أكثر من عوامل أخرى كالإزميل مثلاً.
تغطية دائمة للتربة: إن تغطية التربة تحميها من عوامل مختلفة كالمطر والشمس كما تعمل على تزويد أحيائها الدقيقة والكبيرة بالغذاء وتخلق مناخاً دقيقاً خاصاً للتربة ملائماً لتطور ونمو أحياء التربة بشكل مثالي بما في ذلك جذور النباتات. ففوائد تغطية التربة متعددة وهي:
تزيد قدرة التربة على رشح الماء وعلى الاحتفاظ به مما يحد من تعرض المحصول للجفاف، كما تصبح العناصر المغذية متاحة في التربة.
مصدر لغذاء ومأوى أنواع متعددة من الحياة مما يخلق قنوات في التربة للماء والهواء، وهذا ما يسمى بالحراثة الحيوية المترافقة مع النشاط الحيوي الذي يحرك دورات المادة العضوية والعناصر المغذية.
تزيد من تشكل الهيوم (أحد المكونات الرئيسية للمادة الدبالية وتتشكل بشكل طبيعي في التربة نتيجة تحويل الأحياء الدقيقة المادة العضوية إلى دبال).
تقلل من تأثير الهطول المطري على سطح التربة مما يقلل من إزالة قشرتها وبالتالي من انجرافها.
تقلل من السيلان السطحي مما يؤدي للتقليل من انجراف التربة.
تجعل تجدد التربة أسرع من تدهورها.
تخفف من تأثير التقلبات الحرارية على التربة.
تؤدي إلى ظروف أفضل لنمو الجذور والبذور.
الدورة الزراعية: لا تقتصر أهمية الدورة الزراعية على تنويع الأحياء الدقيقة في التربة، ولكن وجود الجذور على أعماق مختلفة من التربة يؤدي إلى وجود طبقات مختلفة من مغذيات الترب. إن العناصر المغذية ترشح لطبقات أعمق في التربة وتصبح غير متاحة للمحصول، لكن بوجود الدورة الزراعية التي تعمل كمضخات حيوية، وتعمل على تنويع الأحياء الموجودة في التربة، عندما تطرح الجذور المواد العضوية المختلفة التي تكون جاذبة لأنواع مختلفة من البكتريا والفطور، والتي بدورها تلعب دوراً مهماً في تحويل هذه المواد إلى عناصر مغذية للنبات، كما أن الدورة الزراعية لها دور مهم في مكافحة الآفات وتثبيط أنواع منها ومن الأمراض حيث تكسر سلسلة الإصابة عند تعاقب محصولين مختلفين مع كامل الاختلافات الفيزيائية والكيميائية كاملة للمحصولين المختلفين.
الميزات
على كل المستويات
تحقق الزراعة الحافظة نظام إنتاج مستقر كونها تحفظ وتعزز الموارد الطبيعية وتزيد من تنوع الأحياء (بما في ذلك الحياة البرية) دون التضحية بإنتاجية النظام الزراعي حيث تحقق مستويات عالية من الإنتاج، لأنها تعتمد على العمليات الحيوية في عملها وتعزز التنوع الحيوي في نظام الإنتاج الزراعي على المستوى الضخم والدقيق. إضافة إلى أن عدم وجود حراثة، أي عدم إطلاق التربة لغاز CO2. كما تعتبر عملية حراثة التربة مستهلكة للطاقة وملوثة للهواء، وبدون حراثة يمكن للمزارعين توفير 30-40 % من الوقت والعمل بالمكننة الزراعية والوقود الأحفوري بالمقارنة مع الزراعة التقليدية. وتعتبر التربة في نظام الزراعة الحافظة ذات قدرة رشح عالية، مما يقلل من السيلان السطحي المسبب لانجراف التربة. مما يحسن من نوعية المسطحات المائية ويقلل من تلوثها بالانجراف، ويدعم مصادر المياه الجوفية. ويؤدي نظام الزراعة الحافظة إلى زيادة الإنتاجية ليس بالزراعة التكثيفية، ويعتبر نظام الزراعة الحافظة جذاباً بالنسبة للمزارعين كونه يقلل من تكاليف الإنتاج ويوفر وقتاً وعملاً، خاصة في الأوقات المنقضية في تحضير الأرض للزراعة ويقلل من كلفة استثمار المكننة.