العناصر الثقيلة وأشجار الساحل السوري

تحت عنوان «تحديد نزر بعض العناصر المعدنية الثقيلة في دقائق الغبار المترسبة على أوراق بعض الأشجار على الساحل السوري» قدم كل من الدكتور محمد أسعد والدكتور غياث عباس والدكتور إبراهيم نيصافي والدكتور أسامة رضوان بحثهم في مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية.

 

تم تحديد كمية ّ دقائق الغبار الصلبة المترسبة على أوراق بعض الأشجار المنتشرة على امتداد الساحل السوري وتراكيز بعض العناصر المعدنية الثقيلة فيها Zn، Fe، Pb، Cu، Ni، Cd، Co، Mn،   حيث تم انتقاء مواقع ّ قريبة من مراكز النشاطات الصناعية وأخرى قريبة من قطاعات النشاط البشري الزراعي، ومواقع بعيدة نسبياً عن مصادر التلوث. أظهرت النتائج أن كمية دقائق الغبار الصلبة المترسبة على أوراق الأشجار وتراكيز بعض العناصر الثقيلة مثل الكوبالت Co، الكادميوم Cd، النيكل Ni، والرصاص Pb فيها تزداد بالقرب من المواقع الصناعية والحركة المرورية الكثيفة لتنخفض في المواقع البعيدة نسبياً عن مصادر التلوث المباشر، كما أن أشجار السروتحتجز كميات أكبر من دقائق الغبار الصلبة، لتأتي بعدها أشجار الازدرخت والكينا والأكاسيا والدفلة وأخيرا النخيل.

عُّدت العناصر جميعها عموماً بما فيها العناصر الأساسية المغذية سامة للكائنات الحية والإنسان، وذلك إذا تبين أنها توجد بتراكيز مرتفعة، كما أن المعادن الثقيلة هي من أخطر الملوثات اللاعضوية على الوسط المحيط، وذلك نظراً لعدم تحطمها بيولوجياً وبالتالي قدرتها على البقاء لفترة زمنية طويلة في البيئة. وقد أدى تزايد الأنشطة البشرية بأنواعها المختلفة إلى تغيير في الدورة البيوجيوكيميائية للعناصر الثقيلة وتحرير ّ مواد كيماوية جديدة في البيئة، وبالتالي الإخلال بالتوازن البيئي الطبيعي وتلويث الوسط المحيط، ويلعب التركيب الكيميائي للدقائق الملوثة للهواء دوراً كبيراً في تحديد أثرها السلبي في الكائنات الحية والأوساط الطبيعية، ويتراوح قطرها ما بين 0.002 – 500   ميكرومتر، ويمكن لها أن تبقى عالقة في الهواء لزمن يتراوح بين بضع ثوان إلى سنوات عدة. تحتوي الدقائق المعلقة في الهواء على خليط من الجسيمات الأساسية الناتجة من عمليات الاحتراق غير الكامل، وجسيمات ثانوية المنشأ تنجم عن التفاعلات الكيميائية في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى عناصر معدنية سامة مثل الرصاص، الكادميوم، الكروم وغيرها. تنتج هذه الملوثات في الغالب عن احتراق الوقود، إذ تنبعث الدقائق المعلقة عن وسائط النقل العاملة على الديزل بقدر يزيد بين 30-40 % عن وسائط النقل العاملة على البنزين، وعن بعض العمليات الصناعية، وذلك إما عن طريق حرق الوقود اللازم لهذه الصناعة أولكونها من نواتج العمليات الصناعية في خطوط الإنتاج، وتلعب صناعة النفط والإسمنت والأسمدة ومحطات توليد الطاقة دوراً رئيساً في هذا التلوث، بالإضافة إلى بعض المنشآت الصغيرة مثل مجابل الإسمنت والكسارات. تترك الدقائق العالقة في الهواء تأثيرات سلبية في ً على الصحة العامة سواء العاملين أوالقاطنين في المناطق المجاورة، إذ تؤدي إلى أمراض خطيرة في الجهاز التنفسي مثل أمراض الربووالسعال والانتفاخ الرئوي والتصلب الرئوي، وبالتالي إلى قصور في وظيفة الرئتين والقلب. يتوقف تأثير هذه الدقائق المعلقة على حجمها، وتعد الدقائق ذات الأقطار الأقل من 10 ميكرونات الأكثر ضرراً كونها قابلة للاستنشاق، وأكثرها خطورة على الإطلاق الدقائق ذات القطر الأقل من 2.5 ميكرون لأنها تستطيع اختراق دفاعاتّ الأنف والتوغل إلى أعماق بعيدة في الجهاز التنفسي بما في ذلك الرئتين، كما يساهم سطحها النوعي المرتفع في امتصاص العناصر المعدنية الثقيلة مثل الرصاص. أضف إلى ذلك قدرتها على الانتقال إلى مسافات بعيدة عن مصادر تشكلها تصل تبعاً لأحجامها إلى عشرات الكيلومترات

يلعب الغطاء النباتي دوراً أساسياً في تنقية البيئة (تربة، ماء وهواء) من المعادن الثقيلة عبر فلترتها وامتصاصها ومراكمتها في أجزائها المختلفة بتراكيز تفوق تراكيزها في البيئة المحيطة، مشّكلةً بذلك حالً جزئياً لظاهرة التلوث بالعناصر المعدنية الثقيلة.

أجريت هذه الدراسة في المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين

بينت الدراسة أن تراكيز نزر عناصر الكادميوم، الرصاص، النيكل والكوبالت كانت الأعلى في مواقع الدراسة القريبة من النشاطات الصناعية حيث مصفاة النفط والمحطة الحرارية في بانياس، وأثر معمل ّ الاسمنت مضافاً إليه الحركة المرورية الكثيفة في طرطوس إذ أن مواقع الاعتيان كانت تقع ضمن دائرة الأثر لتلك النشاطات، في حين سجلت تراكيز هذه العناصر قيماً منخفضة في المواقع البعيدة عن النشاط الصناعي ومصادر التلوث المباشر، أوتلك التي تشهد نشاطاً زراعيا غير كثيف تجدر الإشارة إلى أن نوع أوراق الأشجار المدروسة لا يلعب دوراً ذا أهمية في انخفاض تلك التراكيز أوارتفاعها، على الرغم من أن الكثافة الورقية للشجرة تلعب دوراً هاما في احتجاز الجسيمات الصلبة ًإلا أن تراكيز العناصر المدروسة في الترسبات ليس بالضرورة أن تتناسب طرداً مع كمية هذه الترسبات. 

الاستنتاجات 

تزداد كمية الدقائق الصلبة المترسبة على أوراق الأشجار تبعاً لقربها من المواقع الصناعية والحركة المرورية نسبياً عن مصادر التلوث المباشر. الكثيفة لتنخفض في المواقع البعيدة -تحتجز أشجار السروكميات أكبر من الدقائق الصلبة لتأتي بعدها أشجار الازدرخت والأكاسيا والدفلة والكينا وأخيرا النخيل. 

لم يتم لحظ أية علاقة مباشرة بين النشاط الصناعي وقيم تراكيز العناصر المعدنية الثقيلة (الزنك، النحاس، المنغنيز، الحديد) في الدقائق الصلبة المترسبة على أوراق الأشجار، إذ أن هذه القيم كانت مرتفعة بالعموم في معظم مواقع الدراسة، ويعود سبب ذلك على الأرجح إلى أن مواقع الدراسة قريبة جميعها من الشاطئ البحري حيث توجد مركبات هذه العناصر بوفرة في المياه البحرية، وليس فقط في الانبعاثات الصلبة الناجمة عن المعامل والحركة المرورية

تزداد تراكيز العناصر (الرصاص، الكادميوم، النيكل والكوبالت) في الدقائق الصلبة المترسبة على أوراق الأشجار في المواقع القريبة من النشاطات الصناعية المختلفة، وتنخفض في المواقع البعيدة عنها

أهم التوصيات 

ضرورة تشجير المناطق المحيطة بمواقع النشاطات الصناعية وفي داخل المدن وعلى الشاطئ البحري، لما لها من دور إيجابي في احتجاز الدقائق الصلبة، مع ما تحتويه من مركبات للعناصر المعدنية الثقيلة ذات الأثر السام في الإنسان، وبخاصة أشجار السرووالازدرخت

ضرورة التوسع في الدراسة لتشمل قدرة أوراق الأشجار على مراكمة بعض العناصر دون أخرى في بنيتها

ضرورة التوسع في الدراسات في هذا المجال لتحديد إن كان في كمية الدقائق الصلبة وتراكيز العناصر ّ المعدنية الثقيلة مؤشر حيوي على تلوث الهواء