وجدتها: دبكة ماتيس على أرض حالولا
لم تكن لوحة هنري ماتيس المعلقة على الجدار لتوحي لي أبداً بأنها مجموعة من النساء الممسكات بأيدي بعضهن البعض والقابعات في تلك الألوان الصارخة للوحة، الطالبات للخروج والتعبير عن حيوات عشنها تلك النسوة قبل آلاف السنين مما رسمهن ماتيس.
كتب هنري ماتيس عام 1947 إلى الناقد الفني غاستون دييل «اتاني الوحي من الشرق» لكن هذا الشرق كان بالنسبة لي مجتمع منطقة حالولا في الألف السابعة قبل الميلاد الذي قدم الرسم بالألوان والزخرفة على أرضيات وجدران المساكن وهي اول مدرسة فنية مبرمجة أعطت مضامين اجتماعية وشعائرية ومنها لوحة الرقص النسائي فوق أرضية السكن في موقع حالولا التي تعود إلى الألف السابعة قبل الميلاد.
لم يرسم الفنان السوري تلك اللوحة في استعادة لما سبق بل كان يوثق ممارسة حياتية حقيقية، إنها توثيق حقيقي لما جرى قبل أكثر من تسعة آلاف عام حين كانت النساء السوريات اللواتي دجنّ القمح البري وجعلنه صالحاً للزراعة يمارسن ما نعرفه اليوم باسم الدبكة من أجل درس القمح تحت أقدامهن الحنون، ليحولنه طعاماً لأجيال وأجيال عبر آلاف السنين من الحياة البشرية، وليصبح غذاءنا اليومي وخبزنا، وجزءاً من رموز خصوبة الأرض، ليؤسس للاستقرار الغذائي الذي أسس لاستقرار الإنسان في مجتمعات بشرية تولدت منها مفاهيم جديدة في الحياة الإنسانية.
إنه توثيق لواقعة تاريخية ليس فقط لدور الإنسان السوري في جعل القمح قابلاً للزراعة كمحصول أول في العالم المعاصر. بل لدور النساء اللواتي قمن بهذا. ليس ذلك تعصباً لدور المرأة لكنه اعتراف واجب وحقيقي، فكما اعترف فنانو حالولا به فقد حان الدور للاعتراف، نعم كانت نساؤنا يرقصن فوق القمح بعد أن قدمنه للعالم أجمع وجعلنّ للإنسان وطناً بعد ترحال طويل.
وليعترف فنانونا كما اعترف هنري ماتيس بما قدمناه للبشرية.