حوض بردى والأعوج الإدارة المتكاملة للمياه الجوفية
تحت عنوان «الإدارة المتكاملة للمياه الجوفية ودورها في تخفيض العجز المائي وتلبية الطلب المتزايد على الماء في حوض بردى والأعوج» قدم الدكتور ياسر المحمد من قسم الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة دمشق بحثاً إلى مجلة جامعة دمشق للعلوم الأساسية تحدث فيه عن محدودية موارده المائية.
إعداد قاسيون
يعد حوض بردى والأعوج من الأحواض التي تواجه التحدي الأكبـر فـي المـوارد المائية، نظراً إلى احتوائهما على النسبة الكبرى من عدد السكان في سورية (نحو 23% من عدد السكان الكلي)، الأمر الذي أدى وسيؤدي إلى تحقيق نشاطات بشرية أكبر تزيد مـن الضغط على الموارد المائية، كما يشكل ذلك عبئاً على البيئة بمواردها الطبيعية من جهـة وعلى مستخدمي المياه من جهة أخرى. من جانب آخر يتميز حوضـا بـردى والأعـوج بكونهما حوضاً محدوداً من جوانبه كلّها تقريباً، إذْ يمكن عده حوضاً هيدرولوجياً مغلقاً يضم مناطق متفاوتة في أوضاعها المناخية من حيث كمية الهطولات ودرجات الحـرارة، التـي تتفاوت تفاوتاً كبيراً بين كل من الجزء الغربي والشرقي للحـوض، وقـد أسـهمت هـذه الأوضاع المناخية وتغيراتها في زيادة الضغوط على الموارد المائية في الحوض. نستنتج مما سبق، أن التزايد السكاني والتغير المناخي يشكلان العاملين الرئيسين فـي نشوء العجز المائي وتفاقمه في الحوض إلى جانب عوامل أخرى، وشهد حوضا بردى والأعوج تطوراً مهماً في عدد السكان القاطنين حيث تضاعف هذا العدد عدة مرات بين عامي 1948 و2011؛ ممـا أدى إلـى زيادة الكثافة السكانية تبعاً لواحدة المساحة.
هدف البحث
هدف البحث إلى تحديد العجز المائي الحالي والمتوقع في حوض بردى والأعوج حتى عام 2035، واحتمالات تغيراته تبعاً للفجوة المتغيرة بين العرض والطلب، وتحديـد دور الإدارة المتكاملة للمياه الجوفية في مواجهة التحديات المائية، وتخفيف العجز المائي الحالي والمتوقع مستقبلاً في الحوض مع الحفاظ على استدامة النظم البيئية الطبيعية.
الواقع الراهن للموارد المائية في الحوض
يقطن في الحوض نحو 23 % من سكان سورية يستهلكون ما يقارب 6% فقط من إجمالي الاستخدامات المائية في سورية،
يبلغ المتوسط السنوي لقيمة الموارد المائية الطبيعية في حوضي بردى والأعوج نحو850 مليون م 3/السنة، الأمر الذي ينعكس سلباً على كميات المياه المستثمرة للأغراض المختلفة، ولاسيما الشرب، وازدياد العجز المائي في الحوض. من جانب آخر، تعد مسألة تأمين المياه للأغراض المختلفة، ولاسيما الشرب من المسائل الصعبة التي يعاني منها حوضا بردى والأعوج، لذا فإن مشكلة المياه في دمشق وريفها سوف تتصدر أولويات السكان في المرحلة المقبلة، وتشكل التحدي الكبير الذي لابد من إيجاد حلول له على المدى القريب والبعيد.
الحلول والإجراءات المقترحة
إن مشكلة الموارد المائية في حوضي بردى والأعوج هي ازدياد العجز المائي، ومن ثم تناقص حصة الفرد من المياه العذبة تبعاً للزمن.
تحسين نوعية الموارد المائية الملوثة
ويتم ذلك عبر العمل باتجاهين:
أ- اتخاذ إجراءات وقائية بحيث تُعالج المياه العادمة المنزلية، والزراعية، والصناعية قبل إطلاقها في الأوساط الطبيعية، وفق المواصفات القياسية المعتمدة. وهذا يتطلب التخطيط والعمل على استكمال بناء محطات المعالجة للمياه العادمة، بحيث تستوعب حجوم المياه العادمة التي تطلق في الحوض كّلها.
ب- إعادة النظر بحدود حرم حماية المصادر المائية بحيث تضمن عدم انتقال الملوثات باتجاه الآبار، مع الأخذ بالحسبان عدم المبالغة في توسيع مساحات هذا الحرم إلا بما يتناسب وقابلية التلوث للأوساط الحاملة للماء وخواصها البتروفيزيائية.
إدارة الطلب على الماء
بالنظر إلى محدودية الموارد المائية والتغير المناخي المتوقع والتزايد السكاني الكبير فضلاً عن التطور الاجتماعي والاقتصادي، ونظراً إلى عدم وجود إمكانية لرفع درجة تنظيم الموارد المائية في الحوض إلى أكثر مما هي عليه حالياً كون بناء المزيد من السدود بات محدوداً، ونتيجة للاستخدام الجائر للمياه، فإن هذا كّله يتطلب الانتقال من إدارة الإمداد -الذي وصل عملياً إلى حد أقصى-إلى إدارة مدروسة وجيدة للطلب على الماء.
إن تطبيق مبدأ إدارة الطلب على ماء حوضي بردى والأعوج هو إجراء أكيد وليس خياراً يمكن مناقشة بدائل له، وهذه النتيجة مرتبطة كما أوضحنا سابقاً بمواجهة حالة زيادة الطلب على الماء مقابل موارد مائية محدودة، وهذا يعني مواجهة زيادة الفجوة المتوقعة بين العرض والطلب ويجري تحقيق ذلك عبر التكامل بين المستهلك والموزع أي:
من جانب المستهلك: فإن ذلك يتطلب ترشيد استهلاك المياه للاستخدامات المختلفة عبر ضبط الاستعمال دون هدر، واستخدام التجهيزات المائية المقننة للمياه.
من جانب الموزع: ضبط عملية استثمار الموارد المائية وتوزيعها وفقاً للمتجدد منها.
التخفيف من الضياعات المائية من شبكات وأقنية التوزيع.
وضع ضوابط قانونية ومالية تحفز المستهلك على إجراء عملية الضبط بشكل ذاتي.
ومن ثم فإننا نقترح اتباع الخطوات الآتية لإدارة الطلب على الماء عبر القطاعات كّلها، وذلك كما يأتي:
أ- إدارة الطلب على الماء للاستخدامات المنزلية وتتضمن:
تشجيع المستهلك ومساعدته على استخدام التجهيزات المائية التي تقنن كمية المياه المستخدمة وبشروط فنية واقتصادية مناسبة.
تطبيق مبدأ الرسوم المالية المتزايدة للكميات المستهلكة التي تتجاوز الاحتياجات المحددة والمدروسة.
إجراء دراسة فنية-مالية لإمكانية إمداد المياه المنزلية بمصدرين الأول: مخصص مياه الشرب، والثاني بمياه ملائمة للاستخدامات المنزلية الأخرى، وقد يكون تحقيق هذا الخيار صعباً في الوقت الحاضر بسبب الصعوبات المالية والفنية التي يحتاج إليها، إنما سيكون ذلك خياراً ضرورياً لمواجهة التحديات المائية المتوقعة مستقبلاً.
ب -إدارة الطلب على مياه الري:
1- الإفادة الكلية من المياه العادمة المعالجة وفق المواصفات القياسية المعتمدة، في الري الزراعي.
2- إخضاع كميات المياه الجوفية المخصصة للري إلى إدارة الطلب على الماء، بحيث يسمح باستخدامها في الري للأراضي الزراعية التي تعتمد نظام المقننات المائية (ما يسمى نظام الري الحديث) حصراً، إذ سيسهم ذلك في الحد من الهدر المائي وتخفيف كميات البخر التي يمكن أن تتعرض لها مياه الري.
3- رفع كفاءة استخدام المياه الزراعية، أي استعمال كميات مائية أقل بإنتاجية أعلى وضبط استخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية بما يحمي ،على مبدأ نوعية المياه الجوفية والسطحية.
ج-إدارة الطلب على المياه الصناعية:
ضرورة تطبيق مبدأ الدارات المغلقة للمياه المستخدمة في الصناعة عبر إعادة الاستخدام، وهذا سيسهم في توفير مزيد من المورد المائي للاستخدامات الصناعية (عبر إعادة الاستخدام) ويحمي الموارد المائية العذبة من التلوث.
تشير الخصائص الهيدروجيولوجية للحوض إلى وجود إمكانية كبيرة لاستخدام تقانة التغذية الاصطناعية، كون الخزان المائي الجوفي يتمتع بخصائص بتروفيزيائية جيدة في بعض المناطق؛ مما يسمح باستخدام هذه التقنية خاصة في المناطق السهلية من الحوض كون المناطق الجبلية تحتوي على خزانات كارستية، وضرورة الإفادة من تجارب مشتركة سابقة للتغذية الاصطناعية، قامت بها وزارة الإسكان بالتعاون مع وزارة الري/الهيئة العامة للموارد المائية.
التوصيات
استناداً إلى ما عرض من تحديد للواقع الراهن والمتوقع مستقبلاً، وإلى مقدار العجز المائي الناتج وإلى الحلول والإجراءات المقترحة، فإن الوصول إلى الإدارة المتكاملة للمياه الجوفية، يتطلب وضع خطة مائية شاملة تأخذ بالحسبان المشكلات القائمة والمتوقعة جميعها في الحوض، والتي تهدف إلى تخفيف العجز المائي وتقليص الفجوة بين العرض والطلب حتى العام 2035، مرتكزة على المحاور الأساسية الآتية:
1- التركيز على ضرورة معالجة كميات المياه غير التقليدية (المياه العادمة) كّلها وتهيئتها لتكون مورداً مائياً إضافياً لسد العجز المائي المتوقع، على أن تقدم هذه المياه وفق المواصفات القياسية المعتمدة، وأن تحّقق المزيد من الفائدة عبر إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة غير مرة.
2- اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المياه الجوفية والموارد الطبيعية الأخرى من التلوث.
3- الانتقال من إدارة الإمداد إلى إدارة الطلب على الماء؛ وذلك للتخفيف من الهدر والضياعات التي تواجه الموارد المائية ورفع إنتاجيتها.
4- ضرورة الحد من استنزاف المياه الجوفية وتحديد السحب المائي الجوفي في إطار الاحتياطي الديناميكي المتجدد، وهذا يستدعي ضبط عمل الآبار وتنظيمها وإعادة النظر في التوزع العشوائي للآبار ولاسيما غير المرخصة التي بلغت 32668 بئراً في. عام 2011
5- الإفادة من الموارد المائية المتدفقة في فصل فيضان الينابيع وحفظ –ما أمكن- منها عبر تطبيق تقانة التغذية الاصطناعية لاستخدامها في فصول الجفاف.
6- استكمال تأسيس جمعيات مستخدمي المياه التي تعزز المساهمة في صنع القرار والإسهام في تشغيل المشاريع المائية وصيانتها واستثمارها، ورفع الوعي في إدارة المورد المائي من قبل المستخدم النهائي لهذا المورد.