نهاية النفق

نهاية النفق

بدا وكان نجوماً قد خفتت بسرعة، غرقت البلاد في سواد موحش بعد أن انطفأت الأنوار في مدنها الكبرى، وتفرقت الأضواء لتطل خجولة مبعثرة بين هنا وهناك، كانت تلك انطباعات النظرة الأولى حين شاهد السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً فضائية للبلاد، قد تم التقاطها ليلاً توضح تناقص الأضواء بنسب مخيفة خلال السنوات الأربع الأخيرة، بدا ظهورها في هذا التوقيت وكأنها تطفئ بقسوة شمعة سنة أخرى من الظلام.

نشرت إحدى الجامعات الصينية تلك الدراسة لتحصل على الفور على تأييد أكثر من 130 منظمة إنسانية تعمل في مجال التوعية إلى مخاطر الحروب في المنطقة، خلصت الأرقام إلى إثبات انخفاض بلغ 83 بالمائة في مستوى الطاقة الكهربائية المخصصة للإنارة عن العام 2011، لكن الصور الملتقطة من الفضاء كانت أبلغ من أية وسيلة أخرى، ابتلع السواد نقاطاً مضيئة إلى غير رجعة وأسهم فرار الكثير من الناس من منازلهم، بالإضافة للشوارع المدمرة ومحطات الطاقة المعطلة، في انخفاض أنوار البلاد، وتراجعت مستويات الإضاءة في سوريا على مدى الصراع، أكثر مما كانت عليه في رواندا خلال الإبادة الجماعية التي وقعت هناك في عام 1994، وفقاً للدكتور «شي لي»، الباحث الرئيسي في الدراسة، وأضاف : «صور الأقمار الاصطناعية هي المصدر الأكثر موضوعية، لإظهار مدى الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية في سوريا على نطاق واسع، هذه الصور مأخوذة من ارتفاع 500 ميلٍ فوق الأرض، وهي تساعدنا على فهم حالة المعاناة والخوف التي يعيشها المواطن السوري العادي كل يوم، بعد أن دُمرت بلاده من حوله».

ملكة الظلام

ومن السخرية بمكان أن تسمع تلك الاستنتاجات «المعتمة» على لسان «ملكة الظلام» ذاتها، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق «مادلين أولبرايت» حيث كانت هي من أطلع وسائل الإعلام على نتائج التحليل قائلة: «ما يحدث على الأرض في سورية هو كارثة إنسانية في مجال حقوق الإنسان من الدرجة الأولى، أنا أعتقد أن هذه القضية هي الأكثر أهمية اليوم في الشرق الأوسط ، بالرغم من ذلك فنحن نشعر في بعض الأحيان كما لو أن العالم قد نسي هذا الموضوع»، من المثير للاهتمام دائماً متابعة المسؤولين السابقين وهم يحاولون استعادة بعض الأضواء في قضايا «إنسانية» كان لهم الدور الأبرز في إثارتها وتغذية تعقيداتها، يوم كان كل منهم في منصبه، ربما يتوجب علينا شكر «مادلين» اليوم على حسن متابعتها للـ «الكارثة الإنسانية» في سورية وتسليط الضوء على تفاصيلها اليومية، أو ريما في هذه الحالة «إطفاء الضوء» عنها!

الطاقة البديلة

على عدسات الأقمار الصناعية أن تقترب قليلاً لترى ما يحدث في الداخل السوري، حين يتعلق الأمر بموضوع الكهرباء، فما زالت المحولات الكهربائية عرضة للتخريب اليومي الممنهج، كنوع من أنواع «الحصار الحربي» الذي تنفذه بعض المجموعات المسلحة المارقة عن الأنظمة والأعراف، تفجيرات بالجملة وتقطيع للكابلات التي تربط بالكاد بين المدن السورية، كما ساهم انخفاض إنتاج ونقل الوقود في توقف العديد من محطات التوليد عن العمل، دون أن تتعرض أصلا لأي هجوم خارجي، كان واضحاً بأن البنية التحتية لم تكن مستعدة لمواجهة أي هجوم تخريبي متعمد، حيث كان مفهوم «الطاقة البديلة» حبيس الندوات الروتينية، وضرباً من التنظير التهكمي، إلى أن جرى ما جرى وبدأت ورشات الإصلاح تجري وراء الأكبال المقطوعة، والمحولات المحترقة، تحاول جاهدة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، هذه هي الحقائق التي يعرفها الجميع، لكن القصة لم تنته عند هذا الحد.

الرفاهية الكهربائية

يعلم المواطن البسيط جيداً، ما تتحاشى وسائل الإعلام الرسمية الحديث عنه، ويتهامس البعض عن مناطق «لا تغيب عنها الكهرباء»، فرغم تلك «الظروف القاهرة» التي وضعت الكثير من المناطق تحت رحمة «التقنين» ما تزال الكثير من الأماكن تنعم بـ«الرفاهية الكهربائية»، وبالطبع، على حساب مناطق أخرى، ومع متابعة الأخبار التي ترد تباعاً على الشاشات متحدثةً عن عمليات إصلاح نوعية والعمل على إنجاز بدائل فعالة لما تم اعطابه من محطات للتوليد ونقل التيار، يصبح تجاهل تلك الحالات الشاذة أمراً مستحيلاً، فحالة مدينة حلب على سبيل المثال مثيرة للاهتمام إلى حد كبير، فقد انطفأت تلك المدينة بشكل مؤلم عن صور الأقمار الصناعية بشكل تدريجي، ومازال أهلها يعانون من انقطاع متكرر في التيار، لكن الأخبار من مدينتها الصناعية تتسرب بين الحين والأخر، تتحدث عن وجود حفنة صغيرة من تجارها تستفيد بشكل شبه كلي من أي تحسن يتم انجازه على الأرض، بدا وكأن تجارها الكبار قد استأثروا بالجزء الأكبر من الطاقة «وعلى عينك يا تاجر»، كما سخرت بعض الأخبار من قيام تلك المعامل بتوزيع ما يردها من الكهرباء «عديمة الانقطاع» إلى ما يجاورها من المجمعات السكنية وبأسعار «خاصة»!

يغنيك عن كهرباء الدولة

على كل حال هناك الكثير من الحلول البديلة إن لم يعجبك كل هذا، هناك من يستطيع بيعك مولدة بسعر مناسب، وهناك من يسهب في شرح مزايا «الشاحن الخارق» الذي قام بتجميعه ضمن مشغله الخاص، كما أنك لن تستطيع تجاهل تلك الإعلانات اليومية التي تطالعك في كل مكان، وهي تتحدث عن اختراع جديد «يغنيك عن كهرباء الدولة» بكل صراحة، أنها أصبحت «غير موثوقة» على حد زعمهم، ربما هي كذلك الآن، لكن ذلك لا يعني أن نضع جميع تفاصيل معيشتنا اليومية، والتي تعمل على الكهرباء تحت رحمة بعض التجار، بعد أن أبرموا ما يحتاجون من اتفاقيات احتكارية مع «الجهات المعنية» بينما تدير مؤسسات الدولة ذاتها أذناً صماء إلى ما يراه الناس في الداخل كل يوم، أو حتى إلى ما تقوله «مادلين أولبرايت» على بعد آلاف الكيلومترات!