وجدتها: الإبداع الفطري
تؤطر المؤسسات العلمية التعليم الفني والعلمي في أطر مدروسة متعارف عليها في الأوساط منذ مئات السنين، من أجل قولبة التعليم في هياكل جاهزة لا يجوز الخروج عنها، وأي خروج يعتبر نوعاً من «الهرطقة» العلمية.
لكن الأفكار العلمية التي هي حتماً بحاجة إلى هواء للتنفس لا يمكنها أن تكون معلبة. فرغم أن المؤسسات العلمية تقدم المادة الأساسية للعلم والتعليم، ومتطلباتها إلا أنها في كثير من الأحيان تكون كابحاً كبيراً أمام الإبداعات المختلفة.
إن الخلط بين أنواع العلوم، الذي هو القديم المتجدد في العلم، لا يمكنه العيش ضمن المؤسسات التي تتعاطى بما يسمى «الاختصاص».
كان قدماء العلماء فلاسفة ورياضيين وأطباء وشعراء ورسامين، يجمعون العلوم والفنون ويخرجون بأهم الإبداعات. وقد توقفت هذه الممارسة من خلال تشجيع التعليم وحيد الجانب، ذاك الذي يحصر التعليم في اختصاصات، تفرخ عقولاً عقيمة قادرة على التقليد غير قادرة على الإبداع، وتفرخ أجيالاً من العبيد، لا تستطيع أن تفكر بحرية تدفعها خار حدود الصندوق المرسوم عبر التعليم الاختصاصي والحرفي.
رغم عدم إنكار أهمية الاختصاص في التعمق وسبر الأغوار الغائرة من العلوم والفنون، وإنكار أحاديته في إغلاقه للآفاق، واستحواذه على العقل في مسار واحد مستقيم، يشبه قطعتي الجلد السوداوين الملاصقتين للعينين اللتان تغلقان الآفاق الجانبية وعلى مدى دوران الساعة وترسم خطا واحداً وحيداً لا يمكنه الالتقاء بما يلاقحه لإنتاج أي جديد.