التاريخ العمراني لدمشق
كتاب يعكس نهوض الشام الحضاري صدر عن الهيئة العامة للكتاب، حيث تأتي الدراسات التاريخية لفنون العمارة بمثابة ذاكرة تعكس درجة النهوض الحضاري للشعوب وخصائص الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري مجسدة الإنسان ودوره في تطوير الأنماط المعمارية وسعيه في استمرار الوحدة الحضارية عبر التاريخ، وهو ما يتضح من خلال التغيرات التي حصلت للبيت العربي في مطلع القرن العشرين والتغيرات الثقافية والسياسية التي قادت إلى النهضة الفكرية واليقظة العربية لبلاد الشام عموماً بعيد الحملة الفرنسية وحملة إبراهيم باشا وما حملتا معهما من تأثيرات.
وبين الباحث لطفي لطفي في كتابه «التاريخ العمراني لمدينة دمشق» الصادر عن الهيئة السورية للكتاب أن الفن المعماري لهذه المدينة شكل وحدة تشكيلية قديمة خبرها المجتمع الإنساني منذ ما قبل التاريخ وتعتبر من أعظم المنجزات الإنسانية الحضارية ومركز استقطاب للمتطلعين إلى نشأة الحياة الحضارية.
وتناول الباحث في فصول كتابه الستة بدايات العمارة العربية بدءاً من نشوء مدينة دمشق وتطورها العمراني العربي والعثماني وانعكاس الخصائص المعمارية العثمانية على عمارة المدينة إضافة إلى صفات العمارة الدمشقية بدءاً من العصر الحجري الحديث مروراً بالآرامي واليوناني والروماني والبيزنطي والتغيرات العمرانية في القرن الخامس والسادس الميلاديين.
كما يتضمن الكتاب شرحاً عن نظام تخطيط المدينة العمراني ونسيج الشوارع والبيت الدمشقي والمهارات المعمارية ومميزاتها ودور المعماري العربي والصناع والنحاتين والمواد التي استخدمت في البناء والبنية الإنشائية للبيت الدمشقي إضافة إلى دورها وانعكاساتها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والتكايا والخانقوات وتأثيرها والهدف من إنشائها والقوى التي عملت بها واستفادت منها.
كما طرح الباحث في كتابه الذي يقع في 660 صفحة من القطع المتوسط عدة إشكاليات تتركز حول الفن المعماري في دمشق كدراسة تاريخية تستهدف الوصول إلى الدور الحقيقي للبنائين الأوائل لأنماط العمارة وتنظيم المدينة وطرقها وأشكالها وأساليبها والمؤثرات فيها إضافة إلى مجمل التغيرات التي تعرضت لها وصولاً إلى القرن التاسع عشر ومن ثم التوصل إلى العلاقة التبادلية بين الاقتصاد والحياة الاجتماعية عبر فنون العمارة.
وأشار لطفي إلى أن الدراسة تتبع الشخصية الحضرية لمجتمع مدينة دمشق أثناء الحكم العثماني (923-1380هـ/ 1516-1918م) وتتوقف عند المنشآت المدنية والدينية التي عرفتها المدينة في تلك الفترة ودور أوائل المهندسين والبنائين الحقيقيين وأساليبهم المعمارية والمواد التي استخدموها والنظام الإداري الذي اعتمده المختصون في إنجاز المنشآت إضافة إلى دراسة فتح الطرق والمعابر وكيف كان تخطيط المدن في تلك المرحلة من حكم الدولة العثمانية.
وتتوقف الدراسة أيضاً عند الخصائص العامة للفن المعماري العربي العثماني المشترك بحكم التطوير الذي أضافته الدولة العثمانية عبر مختصيها المعماريين إلى نمط البناء الذي استمر خلال الحكم العثماني واعتماد نماذج عن بعض المنشآت ذات الخصوصية أو بعض السمات العثمانية التي تضمنت بالضرورة معرفة دور المرأة الفاعل في بعض السمات المعمارية.
كما يهتم كتاب التاريخ العمراني لدمشق بالتأثيرات الغربية على هذه العمارة وأشكالها وطرق بنائها الجديدة والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لتلك العمارة من خلال البيوت المتناثرة وسجلات المحكمة الشرعية التي أوضحت الواقع الاجتماعي للطبقات المتوسطة والغنية وعملية تغيير الحي ونقل السكن إلى حي أكثر وجاهة.
وأوضح الباحث أنه اتبع في هذا البحث منهجية التحليل لقراءة العلاقة بين أشكال المدن وعمارتها والإنسان سواء كان ذلك عن طريق القادة السياسيين أو المفكرين أو الرحالة.
يذكر أن لطفي لطفي باحث في تاريخ العمارة ومخرج سينمائي وتلفزيوني وفنان ضوئي يحمل شهادة الإجازة في الآداب والدبلوم في التاريخ الحديث من جامعة بيروت وشهادة الماجستير في التاريخ العمراني لمدينة دمشق خلال الحكم العثماني من جامعة دمشق كما نال العديد من الجوائز المحلية والعربية والعالمية.
اهتم في العقد الأخير من القرن العشرين ومطلع هذا القرن بتوثيق أحياء دمشق وحلب وحمص وحماة من خلال إخراجه 30 فيلماً تحدث فيها عن تاريخ عمارتها والحياة الاجتماعية فيها في بداية القرن الماضي كما وثق الأزياء الشعبية والحلي والنقود والسبل والخانات في بلاد الشام في سلسلة وثائقية جاوزت 150 فيلماً قصيراً إضافة إلى توثيقه للمنشآت العمرانية عبر جميع العصور ضمن سلسلة وثائقية بعنوان «رحلة الحضارة».