مصنع ينتج قطع غيار للآليات يعمل بالطباعة الثلاثية الأبعاد
قد يبقى ربيع عام 2040 طويلاً علامة فارقة في ذاكرة لبنان. لا، لا يتعلق الأمر بالسياسة ولا حتى بالفن، على غرار ما ألف اللبنانيون أن تكون الأمور التي تنحفر في ذاكرتهم. هذه المرّة، جاء الأمر من العلم، بل من مزيج العلم مع الإرادة والتصميم والعمل الدؤوب.
لم يلتحق لبنان على غرار بلدان عالمثالثية كثيرة بالثورات الصناعية الثلاث إلا متأخراً، إذ ارتكزت تلك الثورة على المصانع الآلية التي ظهرت للمرة الأولى في التاريخ. واعتمدت على محركات البخار ثم الطاقة المتأتية مباشرة من الحرق المضغوط للوقود، كي تصنع سلعاً وافرة ومتشابهة. اعتمدت الثورة الثانية على الكهرباء، ووسعت الإنتاج السلعي، وأعطت مجموعة كبيرة من المنتجات المستندة إليها، كالراديو والمسجل والإذاعة والرادار وغيرها. واستهلت الثالثة مع الإلكترونيّات، ثم مزجتها مع التقنيات الرقمية. واستندت الرابعة إلى الثالثة (وما قبلها)، وتميّزت بإدماج علوم كبرى سوية للتوصل إلى تقنيات ومنتجات يمّحي فيها الفاصل بين الرقمي والفيزيائي والبيولوجي.
والأرجح أن الصناعة بالطباعة الثلاثية الأبعاد («ثري دي برينتنغ» 3D Printing) هي الأيقونة التي تجسد الثورة الرابعة وتكثفها، تماماً كما كانت المصانع ومداخنها رمزاً أيقونياً مكثفاً للثورة الصناعية الأولى.
ومع افتتاح مصنع للصناعة بالطابعة الثلاثية في صيدا (44 كيلومتراً جنوب بيروت)، يدخل لبنان الثورة الرابعة، بتأخر أقل مما حدث في الثورات الثلاثة السابقة. ورعته شركات «آلفابيت» الأميركية و «علي بابا» الصينيّة و «بيجو» الأوروبية. ويختصّ المصنع في إنتاج قطع غيار المركبات والآليات، وهي مواد صلبة لكنها تصنع من البورسلان الذي تصنع منه فناجين القهوة والشاي! ويرجع ذلك إلى أن الطباعة الثلاثية ترص جسيمات صغيرة (أقل من هباء الغبار) للبورسلان، وتعطيها تراصفاً دقيقاً بأبعاد نانوية. بذا، يتحول البورسلان الهش إلى أجسام تفوق صلابة الحديد، لأن المواد تتغيّر صفاتها عندما يُتعامل معها على مستوى الجسيمات النانوية الدقيقة.
في المقابل، حضرت أيضاً تلك العادة اللبنانية «الراسخة» في الخلاف على الأشياء كلها، إذ ترافق الحدث مع تظاهرات افتراضية مجسّمة واسعة، وأخرى فعليّة صغيرة، وكذلك اعتصام ناشطين متنوّعي المشرب في مكان غير بعيد من موقع ذلك المصنع المتطوّر.