السيجار السوري يشق طريقه نحو العالمية
في إحدى صالات المؤسسة العامة للتبغ وسط مدينة اللاذقية غرب سورية، ينهمك عمال المؤسسة في لف أوراق التبغ تمهيدا لإنتاج كميات من السيجار، في صناعة جديدة بدأت تشق طريقها على الرغم من آثار الحرب، التي ضربت المقدرات الصناعية والتجارية السورية بعد حقبة من الازدهار خلال العقد الأخير.
وكان المدير العام للمؤسسة ناصر عبدالله قد أكد نهاية الشهر الماضي، أن هذه المبادرة ستسمح بخلق ألف فرصة عمل في البلاد، ويوضح معاون المدير سلمان العباس أن «الشركة ستطرح منتجاتها في السوق الداخلي وستحاول تصديرها إلى الدول الصديقة».
وتخضع المؤسسة العامة للتبغ في سورية وعلى غرار عدد من مؤسسات الدولة السورية لعقوبات اقتصادية، بعدما جمد «الاتحاد الاوروبي» أرصدتها في العام 2012، تحت ذريعة تقديم الدعم المادي للدولة السورية!، كما فرضت دول غربية عديدة عقوبات اقتصادية على سورية رداً على ما أسموه «قمع الاحتجاجات الشعبية»، التي سرعان ما تحولت إلى مجموعات مسلحة لم توفر أيا من المؤسسات الحكومية.
وكانت مؤسسة التبغ التي يعود تأسيسها إلى العام 1935، تعد قبل اندلاع الأزمة من الشركات الأكثر ازدهارا في البلاد، وكانت وارداتها تؤمن ملايين الدولارات لخزينة الدولة، وأكد مدير المصنع الذي ينتج السيجار شادي معلا أن المؤسسة قررت «اطلاق منتج جديد دون خبرة أجنبية» بهدف تعويض الخسائر الناجمة عن الحرب والعقوبات الاقتصادية، مندداً بـ «الحرب الاقتصادية» التي يشنها الغرب على سورية.
وبعد ثلاثة اعوام من المحاولات، باتت صناعة سيجار «مطابق للمواصفات الدولية» ممكنة في المصنع التابع للمؤسسة في اللاذقية التي يزرع التبغ في أريافها، وتروي أم علي وهي عاملة خمسينية يغطي منديل ابيض رأسها، أن الأمر لم يكن سهلا، وقد تطلب منها اتقان فن لف السيجار ثلاثة أعوام كاملة.
وتقول أم علي: «في بداية الأمر لم تكن لدي أدنى فكرة عما هو السيجار»، مشيرة إلى أن مهندس الميكانيك حسام محمود خاطبها يوما قائلا «انتن النساء ماهرات في لف ورق العنب المحشي، حاولي إذن لف سيجار»، لافتة إلى أنها استعانت بالانترنت لتحسين عملها، حيث شاهدت «مقاطع فيديو حول طريقة صنع السيجار في كوبا»، كما شرح لها المهندس طريقة جمع أوراق التبغ.
وتؤكد أم علي وهي تدخن احدى لفافات السيجار من إنتاج المصنع أنه «سوري مئة في المئة»، مضيفة أن «له مذاق التبغ السوري ومصنع بأيدي عمال سوريين»، معتبرة أن العام 2015 هو الأجمل في حياتها، لأنه تم الاعلان فيه عن بدء انتاج السيجار السوري.
ويعمل في الصالة الكبرى، 130 عاملة وستة رجال على فرز أوراق التبغ البنية النضرة وتكديسها ولفها، حيث يتراوح الانتاج اليومي بين 400 إلى 500 سيجار حاليا، يجري توزيع جزء منه على عدد من الشخصيات لتذوق نكهته والتحقق من نوعيته.
وتقول أم علي إنها تلف نحو خمسين سيجارا في اليوم، بعدما كان انتاجها في المرحلة الاولى يتراوح من خمسة إلى عشرة فقط، كما يوضح المهندس محمود أن الهدف من إطلاق هذه الصناعة «هو مواجهة الحصار المفروض عبر تصنيع منتج جديد يعود بالخير على المؤسسة ويدعم اقتصاد البلد، بالاضافة الى تشغيل اليد العاملة».
بدوره أكد العباس أنه يمكن تصدير هذا السيجار إلى الدول الصديقة كايران وروسيا والصين الداعمة لسورية... وحتى إلى افريقيا، ويعرب عن فخره بجودة «السيجار السوري»، مؤكدا أنه سينافس العلامات التجارية الأكثر شهرة وحتى الكوبية منها، ويقول: «هذا السيجار له مذاق طبيعي خاص لا يشبه أي سيجار آخر في العالم... مذاقه خفيف لا يزعج».