الهيمنة الرأسمالية الأمريكية في طورها الفاشي: الطبقة الحاكمة دون قناع
جون بيلامي فوستر جون بيلامي فوستر

الهيمنة الرأسمالية الأمريكية في طورها الفاشي: الطبقة الحاكمة دون قناع

على مدى القرن الماضي، شهدت الرأسمالية الأمريكية وجود أكثر الطبقات الحاكمة وعياً طبقياً ونفوذاً في تاريخ العالم، إذ تهيمن على كلٍّ من الاقتصاد والدولة، وتمتد هيمنتها داخلياً وعالمياً. ويكمن جوهر حكمها في جهاز أيديولوجي يصرّ على الادعاء بأنّ القوة الاقتصادية الهائلة للطبقة الرأسمالية لا تعني حكماً سياسياً مباشراً، وأنّه مهما بلغ الاستقطاب في المجتمع الأمريكي على الصعيد الاقتصادي، فإنّ ادعاءاته بالديمقراطية تبقى قائمة.

ترجمة: عروة درويش

وفقاً للأيديولوجيا السائدة، فإنّ مَصالِح الأثرياء التي تحكم السوق لا تحكم الدولة - وهو فصل ضروري لمفهوم الديمقراطية الليبرالية. غير أنّ هذه الأيديولوجيا الحاكمة باتت اليوم تنهار في وجه الأزمة البنيوية للرأسمالية الأمريكية والعالمية، وانحدار الدولة الليبرالية-الديمقراطية نفسها، مما أدى إلى انقسامات عميقة في صفوف الطبقة الحاكمة، وصعود شكل جديد من الهيمنة الرأسمالية العلنية على الدولة تتجسّد في إدارة يمينية ميّالة إلى الفاشية.

عودة ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية لا تعني بطبيعة الحال أنّ الطبقة الأوليغارشية الرأسمالية قد أصبحت فجأة ذات نفوذ سياسي طاغٍ، فهذه الحقيقة قائمة منذ زمن بعيد. غير أنّ البيئة السياسية برمتها، ولا سيما منذ الأزمة المالية لعام 2008، أخذت تنزاح نحو اليمين، بينما باتت الأوليغارشية تمارس تأثيراً مباشراً متزايداً على الدولة. فأصبح أحد أجنحة الطبقة الرأسمالية الأمريكية يسيطر علناً على جهاز الدولة الأيديولوجي في ظل إدارة ميّالة إلى الفاشية، حيث لم يعد للمؤسسة النيوليبرالية التي أدارت الدولة لعقود إلا دور الشريك الثانوي. والهدف من هذا التحوّل هو إعادة هيكلة ارتجاعية للولايات المتحدة في وضعية حرب دائمة، ناتجة عن تراجع الهيمنة الأمريكية وعدم استقرار الرأسمالية الأمريكية، وحاجة طبقة رأسمالية أكثر تركيزاً إلى فرض سيطرة مركزية أكبر على الدولة.

في سنوات الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية، سعى حُماة النظام الليبرالي-الديمقراطي في الأوساط الأكاديمية والإعلامية إلى التقليل من دور مُلّاك الصناعة والمال في الاقتصاد الأمريكي، مدّعين أنهم أزيحوا بفعل «الثورة الإدارية» أو حُدَّت سلطتهم عبر «قوى موازِنة». وفقاً لهذا التصوّر، فإنّ المال والعمال، المالكون والمديرون، كانوا يكبح بعضهم بعضاً. وفي نسخة أكثر تطوراً من هذا الطرح، تمت إذابة مفهوم الطبقة الرأسمالية المهيمنة في ظل الرأسمالية الاحتكارية ضمن فئة ضبابية تُعرف بـ«الأغنياء من أصحاب الشركات».

وزُعم أنّ الديمقراطية الأمريكية نتاج تفاعل جماعات تعددية، أو أحياناً تُدار عبر «نخبة القوة». فلا وجود لطبقة حاكمة تمارس الهيمنة في كل من الاقتصاد والسياسة. وحتى لو افترضنا وجود طبقة رأسمالية مهيمنة اقتصادياً، فهي لا تحكم الدولة، التي يُفترض أن تكون مستقلة. وقد رُوّج لهذا التصور في مجمل الأدبيات التعددية الكلاسيكية، على امتداد الطيف من المحافظ إلى الليبرالي. كانت جميع هذه المؤلفات تهدف إلى الإيحاء بأنّ السياسة الأمريكية لا تهيمن عليها طبقة رأسمالية تحكم الأنظمة الاقتصادية والسياسية، بل تهيمن عليها نخب تعددية أو تكنوقراطية.

في هذا السياق، تم الترويج لفكرة أن السياسيين ليسوا أكثر من رواد أعمال سياسيين يتنافسون على أصوات الناخبين، تماماً كما يتنافس رواد الأعمال الاقتصاديون في السوق الحرة، ضمن نظام يُعرف «بالقيادة التنافسية».

الدولة ككيان مستقل

كان موقف ماركس من هذا السؤال معقداً، لكنه لم يَحِد أبداً عن الاعتقاد بأنّ الدولة في المجتمع الرأسمالي تحكمها الطبقة الرأسمالية، مع اعترافه بتنوّع الشروط التاريخية التي تُعدّل من هذا الحكم. ففي «البيان الشيوعي»، كتب ماركس وإنجلس أنّ «السلطة التنفيذية للدولة الحديثة ليست سوى لجنة لإدارة الشؤون المشتركة للبرجوازية». ما يشير إلى أنّ الدولة - أو جناحها التنفيذي - تمتلك استقلالاً نسبياً يتجاوز مصالح الرأسماليين كأفراد، لكنها تبقى مسؤولة عن إدارة المصالح العامة للطبقة ككل.

جرى منذ زمن بعيد فهم أنّ الطبقة الرأسمالية تمتلك العديد من الوسائل لتؤدي دور «الطبقة الحاكمة» من خلال الدولة، حتى في ظل نظام ديمقراطي ليبرالي. فمن ناحية، يأخذ ذلك شكل استثمار مباشر في الجهاز السياسي عبر آليات مختلفة، مثل السيطرة الاقتصادية والسياسية على الأحزاب، واحتلال الرأسماليين وممثليهم لمناصب مفصلية في الهيكل القيادي السياسي. تمتلك المصالح الرأسمالية في أمريكا القدرة على التأثير الحاسم في نتائج الانتخابات. إلا أنّ قوة الرأسمال تتجاوز الانتخابات نفسها.

فالسيطرة على البنك المركزي—وبالتالي على المعروض النقدي، وأسعار الفائدة، وتنظيم النظام المالي—هي بالأساس في يد البنوك. ومن ناحية أخرى، تتحكم الطبقة الرأسمالية في الدولة بطرق غير مباشرة من خلال قوتها الطبقية-الاقتصادية الهائلة خارج الدولة، بما في ذلك الضغوط المالية المباشرة، والضغط من خلال مجموعات الضغط والتمويل لمراكز الأبحاث، و«باب التدوير» بين صناع القرار في الحكومة وكبار رجال الأعمال، والتحكم بجهاز الثقافة ووسائل الإعلام.

في مواجهة «اليسار الأوروبي»، استمرّت الأفكار التجريبية والنظرية بالتقولب لتشكّل صورة حقيقية عن بنى السلطة. كان ما كتبه الاقتصادي السوفييتي منشكوف بين عامي 1962 و1963، ونُشر بالإنكليزية عام 1969 تحت عنوان «المليونيرات والمديرون» من أهم ما كتب. كان منشِكوف جزءاً من برنامج تبادل علمي بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا عام 1962، وقام بزيارة رؤساء ومديري كبرى الشركات والبنوك الأمريكية، بما في ذلك هنري فورد الثاني، وهنري مورغن، وديفيد روكفلر.

قدّم منشِكوف تحليلاً دقيقاً لبنية السيطرة المالية على الشركات الأمريكية، وشرح كيف أن الجماعة الحاكمة أو الطبقة الحاكمة تتكوّن من الأوليغارشية المالية وليس من المديرين التنفيذيين. فرغم وجود «تحالف مليونيري-إداري»، ورغم وجود تقسيم للعمل داخل الطبقة الحاكمة نفسها، إلا أنّ «الأوليغارشية المالية، أي الجماعة التي تستند قوتها الاقتصادية إلى السيطرة على كتل هائلة من رأس المال الوهمي... والتي تشكل أساس جميع التكتلات المالية الكبرى»، هي من تهيمن في الواقع. وأضاف أنّ سلطة الأوليغارشية المالية كانت في تزايد مستمر.

وتابع: «قد يبدو أنّ الهيمنة السياسية للأوليغارشية المالية باتت مضمونة بالكامل، لكن الحال ليس كذلك. إنّ آلة الدولة في الرأسمالية المعاصرة ضخمة ومعقدة. السيطرة على جزء منها لا تعني السيطرة على الجهاز بأكمله. تملك الأوليغارشية المالية آلة الدعاية، ويمكنها رشوة السياسيين والمسؤولين في المركز والأطراف، لكنها لا تستطيع رشوة الشعب، الذي، على الرغم من كل القيود المفروضة على (الديمقراطية) البورجوازية، ما زال ينتخب الهيئة التشريعية. لا يملك الشعب الكثير من الخيارات، لكن دون إلغاء الإجراءات الديمقراطية شكلياً، لا تستطيع الأوليغارشية المالية أن تحمي نفسها بالكامل من الحوادث غير المرغوبة».

1227_h_15

ديناميكية السلطة والأزمة

حدث نمو هائل في قطاع التكنولوجيا العالية خلال التسعينيات، مدفوعاً بعملية الرقمنة الشاملة للاقتصاد وبظهور احتكارات تكنولوجية جديدة. وكان الأثر التراكمي لهذه التحوّلات هو تركّز غير مسبوق في رأس المال والثروة والسلطة المالية. فحتى مع تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، تضاعفت ثروات الأثرياء بشكل كبير: الأثرياء ازدادوا غنى، والفقراء ازدادوا فقراً، بينما تدهورت ديناميات الاقتصاد الأمريكي الذي دخل القرن الحادي والعشرين مثقلاً بالتناقضات البنيوية.

ومع ازدياد اعتماد الاقتصاد الاحتكاري-الرأسمالي في دول المركز على التوسع المالي، وبروز مطالبات مالية على الثروة أكبر من القدرة الإنتاجية الفعلية، بات النظام لا أكثر ظلماً فقط، بل أشد هشاشة أيضاً. فالأسواق المالية بطبيعتها غير مستقرة، إذ تعتمد على دورات الائتمان وتقلباتها. وكلما ازداد اعتماد الاقتصاد على التمويل، في ظل ركود الإنتاج، ارتفعت مستويات الخطر. ولم يكن الرد على ذلك سوى زيادة استنزاف الطبقة العاملة وضخ أموال ضخمة من الدولة إلى الرأسمال، غالباً عبر البنوك المركزية.

خلّفت الأزمة المالية الكبرى آثاراً طويلة المدى على الأوليغارشية المالية الأمريكية وعلى النظام السياسي برمّته، مما أدى إلى تحوّلات كبيرة في بنى السلطة داخل المجتمع. وقد بدا واضحاً، عقب انهيار بنك «ليمان براذرز» في أيلول/سبتمبر 2008، أنّ النظام المالي يتجه نحو «انهيار هائل»، وهو ما أدخل الطبقة الرأسمالية ومعظم المجتمع في حالة من الصدمة، وسرعان ما امتدت الأزمة إلى مختلف أنحاء العالم.

لكنّ الأكثر رعباً بالنسبة للطبقة الرأسمالية الأمريكية في خضم الأزمة المالية، لم يكن فقط الانهيار الداخلي، بل أيضاً الأداء المفاجئ للاقتصاد الصيني. ففي حين كانت أمريكا وأوروبا واليابان تغرق في الركود، بالكاد تأثر الاقتصاد الصيني، ثم سرعان ما عاود النمو بوتيرة قاربت العشرة بالمئة. والرسالة كانت واضحة: الهيمنة الاقتصادية الأمريكية تتآكل بسرعة أمام صعود الصين، ما يشكّل تهديداً للهيمنة المالية للدولار وللقوة الإمبريالية لرأسمالية الاحتكار المالي الأمريكية.

بدأت موجة اليمين المتطرف تأخذ شكلاً واضحاً في إطلاق شرارة ما سيُعرف لاحقاً باسم «حركة حزب الشاي». على الرغم من أن حزب الشاي لم يكن حركة شعبية حقيقية، بل صناعة إعلامية محافظة، إلا أنّه أظهر أنّ لحظة تاريخية قد حانت يمكن فيها لأقسام من رأس المال الاحتكاري-المالي الأمريكي أن تعبئ الطبقة الوسطى الدنيا البيضاء، وهي الطبقة الأكثر قومية وعنصرية وذكورية ورجعية في المجتمع الأمريكي.

تتكوّن هذه الطبقة الوسطى الدنيا من مدراء منخفضي الرتبة، وأصحاب المشاريع الصغيرة، ومزارعين ريفيين يمتلكون مساحات محدودة، ومسيحيين إنجيليين بيض، وما شابه ذلك. وهذه الفئة تحتل موقعاً طبقياً متناقضاً في البنية الاجتماعية الرأسمالية: فدخلها يفوق في العادة مستوى الدخل الوسطي للمجتمع، لكنها تبقى أدنى من الطبقة الوسطى العليا أو النخبة المهنية-الإدارية، مع مستويات تعليم متوسطة أو منخفضة، وغالباً ما تتماهى أيديولوجياً مع النخب الاقتصادية الكبرى. ويطغى على وعيها الطبقي ما وصفه كثير من علماء الاجتماع بـ«الخوف من السقوط» إلى صفوف الطبقة العاملة.

تاريخياً، تنشأ الأنظمة الفاشية حين تشعر الطبقة الرأسمالية بأنها مهددة بشكل وجودي، وحين تصبح الديمقراطية الليبرالية عاجزة عن التعامل مع التناقضات السياسية-الاقتصادية والإمبريالية الأساسية في المجتمع. وغالباً ما تعتمد هذه الأنظمة على تعبئة الطبقة الوسطى الدنيا، إلى جانب بعض الفئات من الطبقة العاملة.

وليس أكثر دلالة من اختيار ترامب عضواً سابقاً في حزب الشاي مدعوماً من شبكة كوك، هو مايك بنس من إنديانا، ليكون نائبه عام 2016. وفي عام 2025، عيّن ماركو روبيو، أحد رموز حزب الشاي، وزيراً للخارجية. وقد قال ترامب عن حركة حزب الشاي: «هؤلاء الناس لا يزالون موجودين. لم تتغير آراؤهم. حزب الشاي لا يزال قائماً—لكن اسمه أصبح اليوم: لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً».

في الأنظمة الفاشية الكلاسيكية في إيطاليا وألمانيا، ارتبطت الخصخصة بزيادة مهام الدولة القمعية وتصعيد النزعة العسكرية والإمبريالية. وعلى هذا النحو، شكّلت النيوليبرالية الأساس الذي انطلقت منه الفاشية الجديدة، حيث نشأ تحالف عضوي بينهما يُهيمن اليوم على الدولة ووسائل الإعلام، ويتجذّر في أعلى طبقات الرأسمالية الاحتكارية.

اليوم، لم يعد بالإمكان إنكار وجود حكم مباشر من قِبل شريحة نافذة من الطبقة الحاكمة الأمريكية. الحقيقة اليوم أنّ ما يجري لم يعد مجرد صراع طبقي، بل حرب طبقية شاملة. أدّى تركّز الفائض العالمي في يد الطبقة الاحتكارية-المالية الأمريكية إلى خلق أوليغارشية مالية لا مثيل لها، وأصبح هؤلاء الأوليغارشيون في حاجة ماسّة إلى الدولة. ويبرز هذا بشكل خاص في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على الإنفاق العسكري الأمريكي والتكنولوجيا المستمدة من الصناعات العسكرية، سواء من حيث الأرباح أو من حيث التفوق التكنولوجي نفسه.

جاء دعم ترامب، في المقام الأول، من مليارديرات خارج بورصة الأسهم، أي أولئك الذين لا يبنون ثرواتهم على شركات مدرجة تخضع للتنظيم الحكومي، بل على رؤوس أموال خاصة «private equity»، ومنهم أيضاً شركات النفط الكبرى.

من المهم التنويه إلى أنّ دعم ترامب من الطبقة الرأسمالية لم يأتِ أساساً من الشركات الست الكبرى في عالم التكنولوجيا—أبل، أمازون، ألفابت، ميتا، مايكروسوفت، إنفيديا—بل من تكتلات «وادي السيليكون» الخاصة، وشركات الأسهم الخاصة، وصناعات النفط. فرغم كونه مليارديراً، يبقى ترامب مجرّد واجهة لتحوّل سياسي-اقتصادي عميق يجري خلف الكواليس، تتحكّم به قوى طبقية فعلية تستخدمه كرمز لحركتها. كتب الصحفي والاقتصادي الاسكتلندي وعضو البرلمان السابق جورج كيريفان أنّ ترامب «شعبويّ، لكنه لا يعدو أن يكون تمثيلاً لحقائق طبقية فعلية».

في عام 2021، قدرت مجلة فوربس صافي ثروة أعضاء حكومة بايدن بـ118 مليون دولار. أما حكومة ترامب في 2025، فتضم 13 مليارديراً، وتصل ثروتهم الإجمالية—بحسب منظمة Public Citizen—إلى ما يقارب 460 مليار دولار، منها وحدها 400 مليار دولار تخص إيلون ماسك. حتى دون احتساب ماسك، فإنّ ما تملكه حكومة ترامب الجديدة من ثروات يتجاوز بعشرات المرات ما امتلكته حكومته الأولى (3.2 مليار دولار).

في عام 2016، وكما أشار الكاتب دوغ هينوود، كان كبار الرأسماليين الأمريكيين ينظرون إلى ترامب بريبة، ويعتبرونه خطراً غير مضمون النتائج. أما في عام 2025، فقد تحوّل حكم ترامب إلى نظام يحكمه المليارديرات بشكل مباشر، وهو ما يُمثّل انزياحاً عميقاً في نمط الحكم الأمريكي. فسياسات ترامب اليمينية المتطرفة أدت إلى أن يحتل أفراد من قائمة «فوربس 400» لأغنى الأمريكيين مواقع مفصلية في السلطة، مع نية صريحة لإعادة هيكلة النظام السياسي الأمريكي برمّته من الداخل.

ما نشهده اليوم ليس مجرد تكرار لولاية ترامب الأولى، بل هو تحوّل نوعي نحو فاشية أمريكية واضحة المعالم، حيث تتجسد فيها الهيمنة الطبقية دون قناع، من خلال تحالف طبقي مباشر بين أقل من واحد في المئة من السكان—الطبقة الرأسمالية فائقة الثراء—وبين قاعدة اجتماعية متماسكة تتكوّن أساساً من الطبقة الوسطى الدنيا البيضاء، التي تشكّل القاعدة الجماهيرية لحركة ترامب.

ما نشهده هو دولة يمينية تنزع إلى الفاشية، يقودها «رئيس إمبراطوري» تجاوز بالفعل الحدود الدستورية التقليدية. السؤال الآن: إلى أي مدى يمكن لهذا التحوّل أن يستمر؟ وهل سيُطبع ويُشرعن ضمن النظام الأمريكي القائم؟

هذا مرهون بجانبين متقابلين: من جهة، مدى قدرة تحالف الطبقة الحاكمة مع حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً» على فرض هيمنته، ومن جهة أخرى، صمود الحركات الشعبية من الأسفل في ما أسماه أنطونيو غرامشي «الصراع من أجل الهيمنة».

أفضى تخلي اليسار الغربي منذ عقود عن مفهوم «الطبقة الحاكمة» إلى عجز تحليلي عن فهم الواقع السياسي كما هو، وأضعف إمكانية بناء استراتيجية فعالة لمواجهة سيطرة رأس المال في زمن الأزمة البنيوية للرأسمالية.

لكن كيف يمكن خوض هذا النضال؟ حين واجه فلاديمير لينين واقع «أرستقراطية العمال» داخل الطبقات العاملة في دول المركز الرأسمالي، والتي تحالفت مع الإمبريالية، كان جوابه: التوجّه إلى عمق الطبقة العاملة وأوسعها، محلياً وعالمياً، أي إلى أولئك الذين «لا يملكون ما يخسرونه سوى قيودهم»، كما كتب في «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية».

إنّ نضال اليوم، في ظل الانحدار نحو الفاشية، ليس نضالاً إصلاحياً عادياً، بل هو معركة شاملة ضد نظام طبقي مغلق، يزداد عنفاً وتركيزاً، ويخوض حرباً صريحة على الجميع باسم «استعادة العظمة». ومعه، لا بد من صراع جماهيري يتجاوز وهم الحياد السياسي للدولة، ويكشف بوضوح طبيعة النظام: دولة احتكارية تحكمها أقلية مالية-تكنولوجية تستخدم القومية والشعبوية ستاراً لاستبدادها الجديد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1227