الإمبريالية تخسر الحرب في المنطقة لكنّها لم تمت بعد ويجب الحذر
إنّ أنظمة الحكم العربية، منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي على الأقل، وحتّى وقتنا الحالي، مع ما بقي من سلطات فيها، أو ما تغيّر، يجمع بينها قاسم مشترك وحيد: انتماء الدول التي تحكمها إلى الدول الطرفية ضمن معادلة «مركز - أطراف» الرأسمالية، واعتماد هذه الدول بدرجات متفاوتة على الليبرالية والليبرالية الجديدة في سياساتها الاقتصادية-الاجتماعية. وضمن هذا التصنيف، ودونما حاجة للإيغال فيه لإبقاء تركيزنا على الموضوع الرئيسي، فقد كانت السلطة السابقة في سورية من السلطات التي أعطت نظام الحكم وسياساته صبغة ليبرالية واضحة. وكما هو الحال في أغلب بلدان العالم الثالث، فقد تمكنت هذه السلطة من الحفاظ على سياساتها، في التوزيع الجائر للثروة والفساد وتكميم الأفواه وتقليل مستوى الحريات وقمعها، عبر القوى المسلحة لأجهزة الأمن بالدرجة الأولى، وتوريط الجيش السوري في ممارسات أمنية استنزفت الشعب والجيش معاً، بزجّه في اقتتال داخلي بعيداً عن مهمّته التاريخية الأصليّة في الدفاع عن البلاد ضدّ الاعتداءات الخارجية، وكانت السلطةُ تأمل من ذلك أن تُبقي على سكونية النظام دون تغيير.
لكنّ ما حدث في سورية - وهي التي شهدت منذ عام 2011 حراكاً شعبياً سلمياً، ثمّ التسلّح وتدويل الصراع، انتهاءً بوصول سلطات الأمر الواقع الحالية إلى الحكم بشكل أشبه بالاستلام والتسليم عبر تسوية إقليمية دولية لا تزال الكثير من جوانبها حتّى اليوم خافية عن العلن - أثبتَ بشكل قاطع بأنّ السكونية التي كانت السلطة الساقطة تنشدها غير قابلة للحياة.
منذ بداية الحراك الشعبي في سورية، كان واضحاً أن الإمبريالية الغربية لم تكن تتعامل مع سورية كدولة ذات سيادة، بل كهدف استراتيجي تسعى من خلاله إلى تحقيق أجندتها الكبرى في المنطقة. هذه الأجندة تهدف إلى تقويض الدول المستقلة وتحويلها إلى كيانات ضعيفة ومجزأة، لتضمن استمرار الهيمنة الغربية على العالم، وإحدى الوسائل لتحقيق ذلك إشعال منطقتنا بحروب لا تنتهي تعيق تقدّم المنطقة الأوراسية بأسرها. ونعيد هنا التذكير بحديثنا المكرَّر في حزب الإرادة الشعبية حول خطط «سايكس بيكو جديدة» تقسّم المقسّم وتفتِّتُ المفتَّت.
لكن رغم أنّ القوى الإقليمية والدولية ذات الوزن والمصلحة نجحت بعدم السماح بتفتيت لا رجعة عنه للدولة السورية رغم ما حصَلَ لمصلحة الإمبريالية الغربية من تقسيم أمر واقع طيلة السنوات الماضية والذي يملك الآن فرصةً تاريخية للتراجع عنه باتجاه توحيدٍ جديدٍ للبلاد بأكملها، فإنّ الإمبريالية الغربية لا تزال تتبنى نهجها في عدم السماح باستقرار هذه المنطقة، ولهذا سوف نشهد محاولاتها بشتّى الطرق لمنع التوصل إلى حل سياسي شامل يحفظ سيادة البلاد ووحدتها.
التراجع الأمريكي وأثره على الإمبريالية
شهد العقدان الماضيان تحولات عميقة في ميزان القوى العالمي. منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، بدأت الولايات المتحدة، كقائد للمعسكر الإمبريالي، تواجه تراجعاً ملموساً على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. دفع هذا التراجع واشنطن إلى البحث عن أساليب جديدة لإدامة هيمنتها، ومنها استخدام الحروب بالوكالة، ودعم النزاعات المحلية، وفرض العقوبات الاقتصادية، كما حدث في سورية.
إنّ الولايات المتحدة في مواقفها هذه لا تختلف عن القوى الاستعمارية القديمة، مثل بريطانيا وفرنسا، التي حاولت مقاومة التغيير بعد الحرب العالمية الثانية. إنّ الانقسام الداخلي الأمريكي قد أظهر لنا أنّ هناك قوى في الولايات المتحدة قد أدركت حتميّة تراجع هيمنة القطب الأوحد، ولكن وبغض النظر عمّن يحكم واشنطن، لا تزال البوصلة للحكم هناك هي مدى القدرة على تعطيل صعود قوى جديدة كروسيا والصين ودول «البريكس».
في الحقيقة، وكما قال الدكتور خلف الطويل، المحلل الاستراتيجي البارز، منذ عام 2007: «المشروع الأمريكي للهيمنة على العالم ليس شيئاً طارئاً، هو مشروع قائم منذ عقود عدة، وهو، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي تحديداً، صار أكثر وضوحاً. وبمنظور قادة الولايات المتحدة التاريخيين فإن الوصول ومن ثم تأكيد وتأبيد هيمنتهم القارّية الشاملة، والسيطرة على الكون بمعناه الأرضي، يتطلب بدايةً، وبشكلٍ كاسِح ماسح (حسب التعبير الشعبي)، تأمين المنطقة المركزية من العالم، والمقصود هنا منطقة الحوض العربي-الإسلامي التي نسميها مجازاً منطقة الشرق الأوسط...».
إنّ واقعية الساسة الأمريكيين تدفعهم للاعتراف بعدم القدرة على الانتصار ببعض المعارك، لكنّ هذا لا يعني بالنسبة لهم تغيير الهدف، بل تغيير الاستراتيجية المتبعة للوصول إلى الهدف ذاته. ولهذا سنحاول تالياً تطبيق الفكرة الاستراتيجية الأشمل والأعم على ما يحدث في سورية اليوم.
مأزق الإمبريالية عالمي
في الحقيقة، وإذا ما استخدمنا منظاراً أوسع من سورية، فقد استدعى تغيير الاستراتيجية الإمبريالية الهجوم على المكاسب التي حققتها قوى التحرير في العالم أجمع. إن الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين هي محاولة لعرقلة انتصار كل الشعوب التي تناضل من أجل حريتها. إنها محاولة لتقليل آثار الخسارات في مناطق أخرى في العالم، كأفريقيا مثلاً، حيث تتخلّص فيها المزيد والمزيد من الدول الأفريقية من الحكم الاستعماري الجديد.
ربّما تمكنت الإمبريالية من تدمير سورية، ومن تعطيل الحل السياسي الشامل إلى الآن، ما سمح للصهيوني بتدمير الجيش السوري. لكنّ عدم قدرتها على الانتصار بشكل كلي خلق أيضاً ردود فعل عكسية للقوى الإمبريالية، والتي يمكن للثوريين الحقيقيين في سورية، وفي جميع أنحاء العالم الاستفادة منها.
إنّ الإمبرياليِّين يرون تفوقهم العسكري يتحطّم على يد روسيا، ومشروعهم الاستعماري الصهيوني يتجه نحو الانهيار التام. لهذا وعلى أمل استباق هزائم أكبر، فإنهم يسرعون في خططهم الحربية، ولا يفعلون هذا في غرب آسيا فقط. دبّرت واشنطن انقلاباً قضائياً في رومانيا لوقف انتخاب مرشّح مؤيِّد للسّلام، وحرّضت على الفوضى العنيفة في جورجيا لمحاولة إجبار الحكومة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسهّلت فرض الرئيس الكوري الجنوبي يون للأحكام العرفية داخل كوريا المحتلّة من قبل الولايات المتحدة.
إنّ كلَّ هذه التحركات مدفوعة برغبة في تصعيد الحروب، سواء في أوروبا أو في آسيا. هذه الرغبة في المزيد من الصراعات بالوكالة ناجمة عن فهم أنّ التاريخ إنْ استمرّ في اتّجاهه الحالي، فالذين أخضعتهم القوى الاستعمارية سوف يُمَيِّلون ميزانَ القوة. في كلّ مرّة وجّهت فيها الجماهير في دولة ما ضربة ضد القوة المهيمنة، تساعد بذلك دولة أخرى على فعل المثل. لهذا بدءاً من عام 2020، حشد شعب مالي بشكل متزايد ضد وجود القوات الفرنسية. وبحلول شباط 2022، تم طرد هذه القوات بنجاح، وهو ما مثّل دليلاً آخر على أنّ الدول الاستعمارية أصبحت ضعيفة حديثاً. ثم قرَّرت روسيا مواجهة حلف شمال الأطلسي، وساعد نجاحُها في إلهام الانتفاضات عام 2023 في فلسطين عبر إطلاق عملية طوفان الأقصى، وفي منطقة الساحل الأفريقي التي لم تحفّز تفكك المجتمع الاستعماري فحسب، بل أضافت زخماً جديداً لجهود التحرير الأخرى. مثل تلك الموجودة في الصحراء الغربية، والتي أبدت فرنسا والجهات الفاعلة الاستعمارية الأخرى قلقَها بشأنها.
تدور صراعات مثل هذه في أجزاء أخرى كثيرة من القارات، وتكتسب حركات التحرير مزايا جديدة. ففي المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والاتصالات، اكتسبت المزيد من دول العالم المُستَعمَرة سابقاً المزيد من القوة. كما عملت مبادرة الحزام والطريق على تسريع النمو. واستطاعت المزيد والمزيد من الدول إجبار القوّاتِ الاستعمارية على الخروج، كما فعلت تشاد هذا الشهر بإجبارها القوات الفرنسية على الانسحاب، ليصبح الجنوب العالمي أكثر قدرة على تحدّي احتكار المعلومات في المجال الإمبريالي.
إنّ بروز تطبيق تيليغرام في دول الجنوب العالمي، وهو التطبيق البارز الخارج عن سيطرة الاحتكار الغربي للمعلومات، أو الذي سمّاه يانيس فاروفاكيس: «احتكار رأس المال السحابي»، هو السبب وراء اعتقال فرنسا لمؤسس المنصة. يرى المستعمرون أنّ الشبكة الاجتماعية تشكل تهديداً لأولويّتهم. لقد مكّنت المنصّة الإثيوبيّين من مقاومة العمليات النفسيّة الإمبرياليّة، ممّا ساعد في منع الإرهابيين المدعومين أمريكياً من نشر قَدرٍ قاتل من الانقسام والارتباك. إنّ ما تريد واشنطن القيام به هو الحفاظ على أنظمة التسلسل الهرمي العنصري داخل دول «الأطراف الرأسمالية» التي لا تشهد حراكاً حالياً ضدّ الإمبريالية، مثل المغرب. وفي الوقت ذاته السعي لجلب عدم الاستقرار إلى الدول التي تخرج، ولو ببطء، من فلك الهيمنة الغربية مثل إثيوبيا وإريتيريا وتركيا.
الخطّة الإمبريالية بالنسبة لإثيوبيا وتركيا، وحتّى إيران كما شهدنا في المظاهرات الأخيرة، هي الاستفادة من المشاكل والتناقضات الداخلية الموجودة في هذه الدول، وحرف الحراك الشعبي عن مساره عبر تأجيج التوترات العرقية والانقسامات الداخلية، ما يسمح للمؤسَّسات التابعة لواشنطن، سواء الدولية منها أو غير الحكومية، للتدخل وإدامة الانقسامات. هذا هو ما كانت تفكّر فيه مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية في عام 2010، عندما انطلقت شرارة «الربيع العربي»، عندما كانت هناك جهود متزايدة لزعزعة استقرار البلدان التي عقدت شراكة مع الصين وروسيا. لا يزال هذا المشروع قيد التنفيذ، لكن الإمبرياليِّين أُجبِروا على التراجع عن العديد من الجبهات. حتّى في ليبيا -التي تُعَدُّ الانتصارَ العظيم لمروّجي الفوضى في وزارة الخارجية الأمريكية– لا تزال هناك عقبات تظهر أمام محاولات حلف شمال الأطلسي إدامة الفوضى فيها.
ماذا تريد الإمبريالية من سورية؟
كما أشرنا، كان التدخُّل الغربي في سورية جزءاً من مشروع أكبر يهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الغربية. منذ بداية الحراك الشعبي في سورية عام 2011، عملت الولايات المتحدة وحلفاؤها على استغلال التوترات الداخلية، معتمدين على السياسات الليبرالية التي أضعفت الدولة الوطنية وزادت من معدلات الفقر والبطالة. هذه السياسات أدت إلى اغتراب المواطن السوري في وطنه، ما جعل المجتمع السوري أكثر هشاشة أمام التدخلات الخارجية بما فيها العدوان الصهيوني، وهو الأمر الذي أكّده حزب الإرادة الشعبية قبل أيام من سقوط السلطة بالإشارة إلى أنّ: «سورية بواقعها الملموس؛ واقعها الاجتماعي السياسي الاقتصادي، هي خاصرة رخوة يمكن أن يستغلّها الغرب الجماعي لتأزيم الوضع في المنطقة. لذلك المطلوب هو الإسراع في إيجاد حلول للأزمة السورية».
ومن اللافت للنظر أنّ الجمهور الذي كان يُحسَبُ على السلطة في 2011، لم يبقَ منه أحدٌ في 2024، والسبب في ذلك هو السياسات الليبرالية المتوحشة التي أدّت منذ 2005 إلى التهيئة للانفجارات التي حدثت تالياً.
بالعودة إلى مظاهر الإمبريالية الغربية في سورية، فقد كان أحد أبرزها هو دعم التسلح بناءً على أسس مذهبية وطائفية، وإيجاد البيئة المباشرة وغير المباشرة لانطلاق المنظمات الإرهابية مثل داعش «تنظيم الدولة الإسلامية» وجبهة النصرة، وتمكينها بهدف توظيفها كأداة لزعزعة استقرار البلاد بشكل مباشر، وعبر إعطاء السلطة السابقة ذريعة محاربة الإرهاب أثناء رفضها الذهاب إلى الحلول السياسية.
عندما فشل هذا النهج في تحقيق الأهداف الغربية، تحوّلت الاستراتيجية نحو استخدام العقوبات الاقتصادية كوسيلة لإضعاف الدولة والمجتمع على حد سواء. هذه العقوبات، التي فُرِضَت تحت ذريعة معاقبة النظام، بينما هدفت في حقيقتها إلى إفقار الشعب السوري ودفعه نحو الاستسلام، في الوقت الذي زادت السلطة السابقة من ثرواتها.
لكن لا يجب أن يجعلنا التركيز على الوضع السوري في التحليل، أن نتناسى بأنّ الصراع قد أتى في سياق تحولات دولية أكبر، أبرزها صعود قوى جديدة تنافس الهيمنة الغربية. هذه التحولات كما قلنا تتجلى في تصاعد دور روسيا والصين على المسرح الدولي، ولكن أيضاً التحوّلات «الهامة لكن غير المكتملة بعد» في مواقف دول وازنة في الإقليم من الصراع في سورية، ربّما أبرزها تركيا التي رفضت الانصياع للغرب فرفضت الالتزام بالعقوبات على روسيا بعد بدء الحرب في أوكرانيا، وكذلك السعودية التي تمكنت من الاتفاق مع إيران برعاية صينية. إنّ إنشاء تكتلات مثل «البريكس» ومبادرة الحزام والطريق يهدد منظومة الهيمنة الغربية التقليدية بأسرها.
في هذا السياق، لم تكن سورية إلّا واحدة من الساحات التي حاولت الإمبريالية الغربية من خلالها تعطيل هذا الصعود. فمنع الصين من الوصول إلى عقدة رئيسية في التجارة العالمية عبر سورية، ومحاولة تقويض النفوذ الروسي في المنطقة، كانا من أبرز الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها. ومع ذلك، فإن فشل مشروع الفوضى في تحقيق هذه الأهداف يشير إلى عمق الأزمة التي تعاني منها الإمبريالية الغربية.
إنّ الموقع الاستراتيجي لسورية قادر من هذه الزاوية على شرح سبب اهتمام الغرب بتفجير المنطقة، كما هو قادر أيضاً على تفسير اهتمام الدول صاحبة المصلحة في عدم تفجير الوضع في سورية، في السعي بجميع الوسائل «مع سلطة الأسد أو دونها» للحفاظ على الاستقرار ومنع الانفجار من التمدد إلى بقيّة الدول، ونخصّ هنا بالذكر دول تركيا والخليج العربي.
دكتاتورية الفساد، والليبرالية: وجهان لعملة واحدة
لا يمكن الحديث عن إسقاط النظام في سورية دون الحديث عن حل سياسي شامل يعالج الجوانب الاقتصادية-الاجتماعية التي كانت جذوراً للانفجار، وسمحت بتدويل القضيّة السورية، وتحويل الحراك الشعبي السلمي لخدمة قعقعة السلاح التي لم تؤدِ إلّا إلى تعميق مشاكل السوريين. إنّ السياسات الليبرالية التي اعتمدتها الدولة منذ العقد الأول من الألفية، من رفع للدعم وتقليص لدور الدولة في توفير الخدمات، ساهمت في زيادة التهميش الاجتماعي وخلق بيئة خصبة للتوترات.
من الأمور التي تثير الاهتمام حقّاً أنّ السلطة السابقة كانت تعادي الإخوان المسلمين في العلن، بينما تطبّق برنامجهم الاقتصادي ذاته على أرض الواقع. وبغضّ النظر عن الأحاديث غير العلمية، والتي لا تمثّل إلّا «هرجاً ومرجاً لا أساس له» عن أنّ السلطة الساقطة كانت تطبّق «اشتراكية شمولية فاسدة»، فالحقيقة أنّ السلطة السابقة كانت تطبّق برنامج سوق مفتوح ليبرالي رأسماليّ فاقع وفاسد بطبيعته في أيّ دولةٍ يُطبَّق فيها؛ فمن المهم التأكيد على أنّ الارتهان للوصفات الليبرالية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي يمثّل بحدّ ذاته حزمةً من سياسات التوزيع الجائر للثروة بحيث يزيد الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً، وهي سياسات مولِّدَة للفساد والظلم بالضرورة، ولم تتراجع عنها السلطة الساقطة رغم الأحداث الدامية والانفجارات الاجتماعية التي حدثت وزادت في فقر ومعاناة السوريين، والإشارات والمبادرات الاقتصادية لسلطة تسيير الأعمال الحالية أيضاً تتبنّى قولاً وفعلاً اقتصاد السوق الحرة الليبرالية نفسها بل وتستكمل خطوات على هذا الطريق نفسه الذي بدأته السلطة الساقطة.
لذلك، فإنّ أي حلٍّ مستقبلي يجب أن يتضمن نموذجاً اقتصادياً جديداً يعزز العدالة الاجتماعية ويقلل من الفوارق بين فئات المجتمع. تحقيق ذلك يتطلب سياسات تركز على إعادة إعمار البنية التحتية، وتأمين فرص العمل، وتوفير الخدمات الأساسية، بما يعيد الثقة بين المواطن والدولة.
ماذا عن الوضع الدولي؟
لكن علينا أن نكون واقعيين: هل يمكن فعل ذلك من قِبل السوريين أنفسهم، بمعزل عن القوى الإقليمية والدولية؟ في الحقيقة، والإجابة المختصرة على هذا السؤال هي: لا. لكن من حسن حظ السوريين أننا نعيش، كما أسلفنا، في حقبة يتراجع فيها أصحاب مشروع الفوضى، بينما يتقدم أصحاب مشروع الاستقرار.
على الرغم من كلّ التحدّيات، فإنّ دفعَ السوريون، مستفيدين من الوضع الدولي المؤاتي، تجاه انتقالٍ سياسي يشمل جميع السوريين في جميع الأراضي السورية، مبنيٍّ على روح قرار مجلس الأمن رقم 2254، يمكن أن يؤتي ثماره بشكل سريع.
إنّ الإمبريالية الغربية كانت ولا تزال تشكل تهديداً وجودياً ليس فقط لسورية، بل لكل الدول التي تسعى للحفاظ على سيادتها واستقلالها. ولكن، في ظل التراجع الأمريكي وصعود قوى جديدة، هناك فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الدولة السورية بالاستفادة من الوقوف إلى صف القوى الصاعدة على الصعيد الدولي، بما يخدم مصالح الشعب السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1206