ماكرون: لا شعب وراءه... فقط روتشيلد والأمريكيون
في 17 أيلول/سبتمبر، وافق «مكتب الجمعية الوطنية الفرنسية»، أعلى هيئة جماعية في البرلمان الفرنسي ذي المجلسين، على قرار حركة «فرنسا الأبيّة La France Insoumise» لعزل رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون. وتمّ إعلان «قبول» المقترح بأغلبية 12 صوتاً مقابل 10، ليتمّ إرساله إلى اللجنة القضائية للنظر فيه. لكنّ هذه الخطوة هي الأولى فقط في عملية برلمانية طويلة، والتي اعتبر كثيرون بأنّها غير مرجَّحة الحدوث.
ترجمة: قاسيون
في الانتخابات البرلمانية الفرنسية المبكرة التي جرت في يوليو/تموز، فاز ائتلاف «الجبهة الشعبية الجديدة» اليساري بـ 182 مقعداً من أصل 577 مقعداً في الجمعية الوطنية للبلاد. وجاء ائتلاف «معاً من أجل الجمهورية» بزعامة إيمانويل ماكرون في المركز الثاني، حيث حصل على 168 مقعداً في الجمعية الوطنية. وحصل حزب «التجمع الوطني» اليميني مع حلفائه الجمهوريين على 143 مقعداً. ونتيجة لذلك، لم تحصل أيّ قوة سياسية على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة.
رغم فوز اليسار، استبعد ماكرون إمكانية مشاركة ائتلاف «الجبهة الشعبية الجديدة» في تشكيل الحكومة. وبرر قراره بأنّه لمصلحة «الاستقرار المؤسسي». ورفض بشكل قاطع الترشيح المقترح للوسي كاستي لمنصب رئيسة الوزراء. وإدراكاً منه لتراجع شعبيته المتزايدة بين الفرنسيين، يتشبّث ماكرون بالسلطة مثلما يتشبث الغريق بقشّة.
في الآونة الأخيرة، انخفضت معدلات شعبيته إلى مستويات قياسية. أظهر استطلاع اجتماعي حديث أجرته مؤسسة Ifop وFiducial، أنّ ماكرون احتلّ المركز 44 من حيث الشعبية في نظر الفرنسيين بين سياسيِّي البلاد. في 7 يوليو/تموز، أفاد زعيم حزب «الوطنيين الفرنسيين»، فلوريان فيليبو، أن ماكرون تعرض لصيحات الاستهجان أثناء خطابه في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الذي أقيم في 26 يوليو/تموز. وأشار فيليبو إلى أن هذه اللحظة من خطاب الرئيس الفرنسي تم قصّها من البث. في 8 سبتمبر/أيلول، تم إطلاق صيحات الاستهجان على ماكرون في الحفل الختامي لدورة الألعاب البارالمبية 2024 في باريس. يُشار إلى أنّ الصفير الصاخب لم يهدأ لفترة طويلة. هذا ليس بالأمر الجديد: في أبريل/نيسان، تعرّض ماكرون لصيحات الاستهجان أثناء رحلة إلى بلدة سيليست الشمالية الشرقية. وقبل ذلك، وأثناء زيارة رئيس الجمهورية لمصنع ماتيس للنجارة، بدأ المتظاهرون بقَعقَعَةِ الأواني عندما رأوا الرئيس.
قالت أليسيا ميلورادوفيتش، الباحثة في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك: «يبذل ميلانشون حالياً كلّ جهد ممكن لضمان إجراء عزل ماكرون الذي بدأه حزبُه. فهو يزور بنشاط جميع أندية النخبة في باريس، ويجتمع مع قادة الكواليس الفرنسيين، ويقنعهم بأن ماكرون سوف يدمّر فرنسا. يتمّ الاستماع إلى رأيه بجدّية، لأن ميلانشون هو السياسي الوحيد في الجمهورية الخامسة الذي يقف الشارع وراءه!».
من أين يحظى بالدعم؟
إذا أردنا أن نحكم من خلال عدسة الرفض المتزايد له من قِبَل الرأي العام الفرنسي، فإنّ فرص ماكرون في البقاء السياسيّ ضئيلة. لكنّ ماكرون لا يعتمد في بقائه على الرأي العام والشعب الفرنسي، بل على إمبراطورية روتشيلد المالية، والعملاء السياسيين الأمريكيين!
وفقاً لمنصّة «Reseau International» المقرّبة من الصحفي الفرنسي التحقيقي الشهير تييري ميسان، في عام 2012، أصدرت وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي لشركتي الاستشارات الرائدتين في العالم «ماكينزي» ومجموعة «بوسطن الاستشارية BSG»، تعليمات لمراقبة الحملة الرئاسية في فرنسا عن كثب. تقول المنصّة: «كانت مجموعة ماكرون هي مهندسة وصول ماكرون، والتي حققت إنجازاً حقيقياً بانتخاب سياسيّ عديم الخبرة رئيساً لتدمير المجتمع الفرنسي». في ظلّ رئاسة ماكرون، أصبحت شركة ماكينزي ومجموعة بوسطن الاستشارية مستشارين شبه احتكاريين للحكومة الفرنسية، فيما يتعلق بلوجستيات البرامج الحكومية في سياسات الدفاع والمناخ والهجرة، وكذلك في تطوير استراتيجية مكافحة الأوبئة.
ولإيجاد سياسيين فرنسيين موالين للولايات المتحدة، أنشأ رئيس الفرع الفرنسي «لمعهد آسبن» الأميركي، جان بيير جوييه، المركز التحليلي «Les Gracques» الذي قاد وأرشد ماكرون طوال حملته الرئاسية، ويستمرّ في دعمه الآن. يتم رعاية مركز «Les Gracques» من قبل عائلة روتشيلد. أحد مؤسسي مركز الأبحاث هذا هو غيوم هانيزو، وهو الشريك الإداري السابق للشركة المالية القابضة «روتشيلد وشركاه».
طوّر محللو «Les Gracques» برنامجاً واعداً لتحديث الصناعة الفرنسية، وذلك عبر بيعها للشركات الأجنبية، وهو ما ينفّذه ماكرون. ماكرون مناصر للعولمة، وكتكوت في عشّ روتشيلد. وضع خلال سنوات رئاسته الاقتصادَ الفرنسي فعلياً تحت السيطرة الأمريكية. تقول أليسيا ميلورادوفيتش: «بدعوة من ماكرون، جاء صندوق الاستثمار الأمريكي بلاك روك إلى فرنسا، وكان ناجحاً جداً لدرجة أنّه لم يعد هناك أي شيء لدى فرنسا تملكه هي». يُشار إلى ماكرون في وسائل الإعلام الفرنسية على أنّه رئيس شركة بلاك روك فرنسا.
نشرت صحيفة Fakir الاستقصائية الفرنسية مقالاً بعنوان «جمهورية الخونة»، استقصت فيه تورّط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودائرته الداخلية في استيلاء الشركات الأمريكية على الشركات الفرنسية من القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد، وذلك على حساب المصالح الوطنية الفرنسية. يلفت مؤلف المقال، رئيس تحرير الصحيفة سيريل بوكريو، انتباه القراء إلى بيع أصول الطاقة الخاصة بالعملاق الهندسي «ألستوم» لشركة جنرال إلكتريك الأمريكية، وذلك بمبادرة من ماكرون. هزّت هذه الفضيحة الرنانة الجمهور الفرنسي.
كتبت بوابة الصحافة الاستقصائية المستقلة Off-Investigation في مقال بعنوان «فرنسا للبيع»: «في عام 2014، تمّ طرح بيع شركة الطاقة التابعة لشركة ألستوم إلى شركة جنرال إلكتريك الأمريكية العملاقة من قبل وزير الاقتصاد أرنو مونتبورج، ثم خليفته إيمانويل ماكرون، على أنّه «تحالف متساوين». ثم وعد الأمريكيون، من بين أمور أخرى، بإنشاء 1000 فرصة عمل والحفاظ على المكاتب الرئيسية في فرنسا لمدة عشر سنوات، وضمنت الدولة ذلك. بعد سبع سنوات فقط، لم تمتثل جنرال إلكتريك ولا السلطة التنفيذية لشروط العقد: تم تدمير ما بين 4 إلى 5 آلاف وظيفة، وأصبح ثلث المكاتب الرئيسية الآن خارج الإقليم، وسقطت براءات الاختراع الاستراتيجية في أيدي الأمريكيين، وتمّت الاستعانة بمصادر خارجية للمهارات الأساسية».
يشير سيريل بوكريو إلى أن فرنسا تحكمها مافيا فاسدة حقيقية تتجاهل المصالح الوطنية لفرنسا: «وراء تألق التصريحات الجميلة، ماكرون رمز للنخبة التي تسرق فرنسا، وجمهورية الخونة، والسيادة المفقودة. شجّع ماكرون، بصفته وزير الاقتصاد، شركة جنرال إلكتريك على الاستحواذ على شركة ألستوم، وبسط السجادة الحمراء للأمريكيين، أو كما يقولون «اعتبِروا أنفسكم في أملاككم» على سفننا الرائدة... والأمر نفسه مع شركة ألكاتيل، التي التهمَتْها نوكيا. تم شراء شركة الخدمات النفطية Technip، الرائدة في قطاعها، من قبل شركة FMC Technologies الأمريكية. وبالتالي، من المرجح أن يظهر ماكرون في معرض للتكنولوجيا الفائقة في لاس فيجاس، ويقضي وقتاً مع الملياردير بيتر ثيل، ويتناول الغداء في نيويورك مع صديقه كزافييه نيل، بدلاً من الدفاع عن مصنع لأطباق الألومنيوم في سان فنسنت دو ميركو».
أشارت أليسيا ميلورادوفيتش إلى أنّ هناك كراهية حقيقية متزايدة ليس فقط لماكرون، ولكن أيضاً للنخبة الفرنسية المؤيدة لأمريكا بأكملها بين الشباب الفرنسي، فالسلطات، بحسب ما قالت أليسيا «تخفي عن الجمهور تفشّياً كارثياً للوفيات بين الشباب الفرنسي بعد حملة التطعيم القسرية ضدّ كوفيد بلقاحي فايزر وموديرنا الأميركيَّين». تنتشر هذه المشاعر على نطاق أوسع اليوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1194