بعد البيجر... لماذا لا يفجرون الآيفون؟!
«النقطة الأساسية في هذا الحادث ليست مسألة تقنية، لأنه ليس من الصعب تنفيذها من هذه الناحية... لكن ما هي الآثار والتحديات التي يطرحها هذا الهجوم؟ بات ضرورياً رفع معايير الأمان لسلسلة التوريد، وزيادة مستوى تدقيق السلامة للمكونات الإلكترونية والمنتجات الإلكترونية المصدَّرة إلى البلدان التي تقف في وجه هيمنة الولايات المتحدة والدول التابعة لها» - هذا ما يخلص إليه المقال الآتي للأستاذ شين يي، البروفسور في قسم السياسة الدولية بجامعة فودان.
ترجمة: قاسيون
عندما أخبرني أحدهم عن انفجار أجهزة البيجر (أجهزة الاستدعاء اللاسلكي) الذي حدث في لبنان، لم أصدّق ما سمعت. هل حقاً قامت (إسرائيل) بتحويل أجهزة الاتصالات اللاسلكية إلى فخاخ عسكرية فجرتها على نطاق واسع في أماكن غير محددة؟ بالنسبة للصينيين والكثير من الأماكن حول العالم، فإنّ أجهزة البيجر هي بالفعل مفهوم قديم للغاية... والتلاعب بهذه الأجهزة وشنّ هجوم من خلالها هو أمر محرَّم دولياً... ورغم أنّ عدد الوفيات المبلغ عنه أقلّ من عدد الأشخاص الذين تقتلهم (إسرائيل) بقنبلة واحدة، فإنّ مثل هذه الهجمات عشوائية ولا يمكن الدفاع عنها.
المسألة ليست الصعوبة التقنية؛ ضع بعض المتفجرات في جهاز البيجر بالقرب من البطارية، ثم قم بعمل تصميم معين بحيث يمكنك إرسال إشارة محددة، يستقبلها البيجر، فتحدث بعض التغييرات الداخلية، ممّا يتسبب في انفجار القنبلة. لكن ما هي الآثار والتحديات التي يطرحها هذا الهجوم؟
لا أعرف إذا كنتم قد شاهدتم أفلام «الرجل الوطواط»، ولكن الطريقة التي يثير بها «الجوكر» الذعر في المدينة هي تسميم أيّ مستحضرات يمكن شراؤها في السوبر ماركت بشكل عشوائي. في أيامنا هذه، فإنّ تحويل آلات البيجر المدنية إلى أفخاخ يتم التحكم فيها عن بعد، يعادل اختيار المشروبات بشكل عشوائي في سوبر ماركت في عاصمة دولة معينة وتسميمها.
تعتمد المحصلة النهائية لحياتنا اليومية على مستوى أساسي معيّن من الثقة والأمان. عندما تدخل إلى السوبر ماركت وتشتري زجاجة ماء قبل فتحها وشربها، فإنك لا تفكر في اختبارها أولاً لمعرفة ما إذا كانت سامة. وإذا اشتريت علامة تجارية معينة للهاتف المحمول، فلن تقوم باختبارها إن كانت مقاومة للانفجار! إن ذهبت إلى المتجر واشتريت هاتفاً محمولاً قبل أن تقع حادثة بيروت، وطلبت من البائع أن يضمن لك عدم وجود قنبلة داخله، سيعتقد أنّك مجنون. الآن، لم يعد بإمكانه فعل ذلك.
ركّز الجميع انتباههم بعد الحادثة على «إسرائيل»... إنّ التزام «إسرائيل» الصمت بعد القيام بشيء ما يتماشى مع أسلوبها في فعل الأشياء. منذ تفجير فندق الملك داود وحتى يومنا هذا، كان ضمن هؤلاء من هو دائماً جاهزٌ للتحرّك وإنكار ما يفعلونه.
كما شاركت أيضاً شركة تدعى Golden Apollo في الولايات المتحدة وتايوان، لأنه تبين أنّ آلات البيجر من إنتاجها. نفت شركة Golden Apollo أنها أنتجت آلات البيجر هذه، ثم نقلت المسؤولية إلى شركة حقائب جلدية مسجلة في بودابست. لكن أين هي القدرة الإنتاجية لشركات الحقائب الجلدية؟ من المرجح أنّ هياكل هذه الآلات يتم وضعها دون تفكيك، ولا يمكن وضعها إلا أثناء عملية الإنتاج الخاصة بالمصنّعين التايوانيين، ففي نهاية المطاف، إذا اعترض العملاء حركة المرور أثناء النقل وقاموا بوضع قنابل فيها، ستظل هناك حاجة إلى قطعتين من المعدات.
الشياطين الأغبياء
من الواضح أنّ «إسرائيل» أثارت غضب الرأي العام بشأن هذه المسألة، ويمكن القول إنّ «الإسرائيليين» أذكياء وأغبياء بهذا الشأن: أذكياء لأنّهم تمكنوا من التوصل إلى مثل هذه الفكرة الشيطانية المتمثلة في تحويل البيجر إلى قنبلة، وكان لديهم الوقاحة لتنفيذ ذلك. أمّا الغباء فهو تجاهلهم العواقب واعتقادهم أنّهم في مأمن لأنّ الولايات المتحدة تحميهم.
أولاً وقبل كل شيء، هذه حالة كلاسيكية خطيرة جداً لأمن سلسلة التوريد. في الماضي، عندما تحدثنا عن أمن سلسلة التوريد، كان بإمكاننا التوصل إلى حالات نموذجية تنطوي على أضرار مادية. على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة فيروس «ستوكسنت» لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، واقتصر استهدافها على تخريب أجهزة الطرد المركزي الصناعية المستخدمة لتخصيب اليورانيوم في المفاعل الإيراني، طوّر الأمريكيون أنفسهم استراتيجية لمهاجمة شبكة الكهرباء، وعلى الرغم من أنه إذا لم يكن هناك مصدر طاقة احتياطي أثناء انقطاع التيار الكهربائي، فقد تتأثر بعض العمليات الجراحية وتهدد الحياة، لكنها لا تزال بالكاد ضمن قواعد اللعبة الحالية.
بالنظر إلى ما تنتجه شركة Golden Apollo إضافة إلى البيجر نفهم الخطر أكثر: عندما نذهب إلى مطاعم الوجبات السريعة، يعطوننا جهازاً طناناً ليخبرنا بأنّ طلبنا صار جاهزاً. ماذا لو تمّ وضع بضع غرامات من المتفجرات العسكرية في هذه الأجهزة حيث يجتمع عدد كبير من الناس. هل يمكن اليوم أن يدّعي أحدٌ بأنّ هذا لن يحصل؟ إنّ تخطي هذا الحد يفتح العين عن الفظاعات التي قد يرتكبها الأعداء والخصوم.
هل يمكن لخصوم الغرب الثقة بوارداته إليهم؟
الآن، بغض النظر عمّن يمكن أن يتجاوز هذا الخط، فقد بات من الضروري رفع معايير الأمان لسلسلة التوريد، وبات من الضروري زيادة مستوى تدقيق السلامة للمكونات الإلكترونية والمنتجات الإلكترونية المصدرة إلى الصين وإلى البلدان الأخرى التي تقف في وجه هيمنة الولايات المتحدة والدول التابعة لها.
من المؤكد أن الكثير من الناس سيتبعون هذا الارتباط المنطقي، والذي يوصلنا إلى الهواتف المحمولة؟ خذ على سبيل المثال الآيفون الأمريكي الشهير، كيف أثق في أنّ الولايات المتحدة لن تعبث بالآيفون والمنتجات الكهربائية والمركبات الكهربائية المصدرة إلى الدول التي لا تقبل بهيمنتها؟
ماذا علينا أن نفعل حيال عدم الثقة هذا؟ هل نطلب من الحكومة الأمريكية فتح جميع المنتجات والمعدات التي تورّدها لنتأكّد من عدم وجود أجهزة مراقبة وتنصّت ومتفجرات داخلها؟ هذا ليس بالحل العملي، وليس فقط بالنسبة لشركة أبل، ولكن بالنسبة لجميع الشركات الأمريكية العاملة في مجال المنتجات الإلكترونية ومعلومات البيانات، علينا دون شك أن نرفع معايير الأمان. بعد انفجار حوالي 5 آلاف جهاز بيجر في لبنان، لا يمكننا الانتظار لانفجار 5 آلاف هاتف محمول في الصين والدول التي ترفض الهيمنة الأمريكية قبل أن نتخذ الإجراء المناسب، خاصة عندما نأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة تمارس ضغطاً وعدوانية تجاه هذه الدول.
هذا سيوقظ أيضاً الناس الذين لم يكونوا يفهمون ماذا يعني أن تسعى للاستقلال كي لا تكون حياتك في أيدي الآخرين. أن نكون آمنين ومستقلين لا يعني التوجه نحو العزلة، بل على العكس من ذلك، من الجيد لنا أن «نخرج». سيدرك الجميع الآن أيضاً بأننا نضع معايير أعلى ليس لأنفسنا فقط، بل للجميع. يمكننا أن نقول الآن للجميع: أشياؤنا آمنة، ولن تنفجر، وهذا يمكنني أن أضمنه لك. يعاني القسم الأكبر من سكان العالم اليوم من مشاكل في الأمان والاستقرار والازدهار، ولهذا سيسعون للتعامل مع مَن يضع كأولوية له المعاييرَ الأخلاقية الاجتماعية، ومبادئَ الأعمال، والمعاييرَ الأساسية للعلاقات الدولية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1193