تفجير الضفّة على طريق تقسيم الأردن وإنهاء القضيّة الفلسطينية في فلسطين
ديمتري مينين ديمتري مينين

تفجير الضفّة على طريق تقسيم الأردن وإنهاء القضيّة الفلسطينية في فلسطين

على خلفية الفظائع في قطاع غزة، يولي العالم اهتماماً أقل بشكل ملحوظ للأحداث التي تجري في جزء آخر من فلسطين، في الضفة الشرقية والقدس الشرقية. وفي الوقت نفسه، فإنّ الوضع هناك يمكن أن ينفجر في أي لحظة بانتفاضة جديدة. ورغم أنّه من غير المرجح أن تتمكّن «إسرائيل»، ولو استمرّت مساعدة الولايات المتحدة لها بأقصى حد، من إبقاء قطّاع غزة معزولاً وتجنب التدخل المباشر في وضع الدول والقوى الأخرى، فسيكون من الأصعب عليها بكثير إضفاء الطابع ذاته على الوضع في الضفة الغربية.

ترجمة: أوديت الحسين

وقد سبق لرئيس وزراء الأردن الإعلان بأنّ محاولات إسرائيل حلّ مشكلة الضفّة الغربية عبر تهجير سكانها إلى الأراضي الأردنية سيتمّ اعتباره بمثابة إعلان حرب. ليس هناك شك في أنّه إذا حدث كل هذا، فلن تتمكّن دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية، ولا الدول العربية الأخرى، من الامتناع عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل. ففي نهاية المطاف، لن تقبل هذه الدول بأن تنهار الدولة الأردنية وهي في حالة مواجهة فردية مع الجيش «الإسرائيلي»، وهي ليست مستعدة لتكرار تجربة الغرب بتخليه عن أتباعه كما حدث مع مبارك، فهذا ليس جزءاً من خطط الحكام المحيطين.
لا أحد يشكّ في أن الحكومة «الإسرائيلية» الحالية، التي يقولون بأنّها الأكثر يمينية في تاريخ دولة «إسرائيل»، تسعى لحل نهائي للمشكلة التي يسببها لهم وجود الفلسطينيين، من خلال الضغط عليهم للذهاب إلى الدول العربية المجاورة. والخطة المقابلة لغزة، والتي أعدتها على ما يبدو وزارة الاستخبارات «الإسرائيلية» حتى قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، قد تسربت إلى الصحافة واعترفت بها السلطات بأنها موجودة بالفعل، والبعض يقول بأنّها تجاوزت مرحلة الكتابة، ويعتبر «الإسرائيليون»، والأمريكيون من خلفهم، أنّها دخلت مرحلة التنفيذ الفعلي، وليست المعاناة التي يضطر البشر في قطاع غزة أن يعيشوها اليوم إلّا جزءاً من هذا التنفيذ.
يوجد مشروع مماثل، وإن كان أكثر تعقيداً، تم تطويره من قبل وزير المالية وزعيم حزب الائتلاف الصهيوني الديني اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش. ينصّ على ضم الضفة الغربية بأكملها ويتيح للفلسطينيين ثلاثة خيارات: 1) الاستمرار في العيش على أرضهم، مع التخلي عن أي تطلعات وطنية 2) الهجرة 3) إذا قرروا البقاء والمقاومة، سيتم التعامل معهم كإرهابيين وتدميرهم من قبل قوة الجيش بأكملها. وعندما سُئل في اجتماع قدّم فيه خطته للصهاينة المتدينين عمّا إذا كان ينوي أيضاً قتل النساء والأطفال، أجاب سموتريتش أجاب، «الحرب هي الحرب». ورغم تنصّل نتنياهو من هذه الخطّة، فوجودها قيد التنفيذ هو الوحيد الذي يبرر منطق تصرفات السلطات «الإسرائيلية» التي ارتكبتها ومستمرة بارتكابها في الضفة والقدس الشرقية.
ولم تندلع بعد المقاومة المسلحة الحاشدة من جانب الفلسطينيين في الضفة، وذلك لأنّ السلطات الفلسطينية تحت زعامة محمود عباس، تدير رسمياً جزءاً من الأراضي المحددة، وتعمل على إعاقة المقاومة بكل ما أوتيت من قوة. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك الفلسطينيون المحليون أسلحة أقل في أيديهم من الناحية الموضوعية مقارنة بحماس في غزة. كان وادي نهر الأردن الذي يمكن إيصال هذه الأسلحة عبره مليئاً بالألغام بشكل كثيف ويخضع لسيطرة صارمة من قبل جيش الحرب «الإسرائيلي». ومع ذلك، فقد تم تنفيذ عمليات قمع جماعية من قبل الجيش وقوات الأمن في كل مكان في هذه المنطقة «لأغراض وقائية» منذ بداية عملية «السيوف الحديدية». تمّ اعتقال الآلاف من «مثيري الشغب المحتملين». السجون مكتظة، ويتمّ قمع أي احتجاجات سلمية بشدة. قُتل حوالي 200 شخص وجُرح المئات، والاقتصاد مشلول. أصبحت حياة الناس معقدة للغاية، والكتلة الحرجة من السخط تقترب من حدودها الانفجارية.
يضاف إلى هذا إرهاب حقيقي يمارسه مستوطنو الكيبوتسات اليهود الذين يحتلون أراضي الفلسطينيين بشكل غير قانوني، والذين تمّ إطلاق العنان لهم في الضفّة. إنّهم يدمرون الأراضي الزراعية، ويحرقون المنازل، ويقصفون، ويدفعون الجيران العرب إلى المجهول. يوجد هنا حوالي 700 ألف مستوطن يهودي، وهم مسلحون بالكامل، وهذه المجموعة المحددة من السكان هي القاعدة الانتخابية الرئيسية والداعم للحزبين الأكثر مناهضة للفلسطينيين في الائتلاف الحاكم في «إسرائيل» - «القوة اليهودية» بزعامة بن غفير، و «الصهيونية الدينية» بزعامة سموتريتش. هؤلاء الأخيرون يقومون بكل الطرق الممكنة «بإحماء» أنصارهم، ولا سيما بن غفير، كوزير للأمن القومي، من بينها توزيع عشرات الآلاف من وحدات الأسلحة الآلية على المستوطنين، أقوى ممّا كان لديهم.

الأمريكيون لا يخلصون لتابعيهم!

إن الوضع يتطوّر بمسار انفجاري. فبغضّ النظر عن إرادة نتنياهو وقيادة الجيش «الإسرائيلي»، فالمستوطنون وقادتهم قادرون على إثارة المشكلات بشكل رهيب وتكرار الأمر مرّات دون أن يلجمهم أحد. ليس من قبيل المصادفة أنّه حتى مجموعة السبع كانت قلقة بشأن سلوك المستوطنين في منطقة الضفة، حيث استشعرت وجود سيناريو حقيقي لتصعيد الصراع. ففي اجتماعها الخاص حول الوضع في المنطقة، على سبيل المثال، لم يُقل شيء عن وقف إطلاق النار في غزة، بل يقولون «هدنة إنسانية»! ولكن كنقطة منفصلة في بيانهم المعتمد، فقد أدانوا «تزايد العنف المتطرف الذي يرتكبه المستوطنون ضد الفلسطينيين». إذاً، لماذا لا تتمّ المطالبة بإجلائهم من الأراضي الأجنبية المحتلة بشكل غير قانوني؟
لكنّ نتنياهو ليس في عجلة من أمره لكبح جماح حلفائه المتحمسين، لأنّه من الملائم له أن يذهب إلى الهدف ذاته، وينقل المسؤولية إلى شخص آخر. في مختلف المظاهرات والمفاوضات مع الشركاء الغربيين، قال هو وغيره من زعماء الليكود مراراً وتكراراً بأنّ الدولة الفلسطينية، في الواقع، قد تم تنفيذها بالفعل في الأردن، وهناك يعيش هؤلاء الفلسطينيون الذين لا يعترفون بسيادة «إسرائيل» على كامل الأراضي التي تحتلها «إسرائيل». يجب أن يذهب البقيّة إليهم.
هذا التفسير لـ «الحل النهائي» للمسألة الفلسطينية هو أكثر ما يهم عمّان والدول العربية التي تراقب ما سيحدث. كانت منطقة الضفة الغربية والقدس الشرقية حتّى عام 1967، عموماً جزءاً من الأردن. ترفض الأردن رفضاً قاطعاً قبول اللاجئين واستعادة الوضع السابق، وهو الأمر الذي، بالمناسبة، دعت إليه الإدارات الأمريكية المختلفة مراراً وتكراراً. الأمر بسيط. يسكن الأردن حالياً حوالي 11 مليون نسمة، يشكل اللاجئون الفلسطينيون السابقون وأحفادهم، وفقاً لتقديرات مختلفة، ما بين 30% إلى 40% منهم. إذا أضفت بضعة ملايين أخرى من الموجة الجديدة، فإنّهم سيشكّلون في الواقع غالبية السكان. ترغب الولايات المتحدة أن ترى هذا الأمر يتحقق، ولو كان ذلك يعني تقسيم الأردن بحيث تصبح في جزء منها «أردنيّة» وفي جزء منها دولة «للفلسطينيين». ربّما الطريقة الأكثر تفضيلاً بالنسبة للغرب ستكون بالدعوة «إلى انتخابات حرّة»، وإنهاء المَلكيّة، ضاربين عرض الحائط أنّ هذه المَلكيّة لطالما كانت وفيّة لهم، وأنّ الملك الحالي تسري في عروقه دماء إنكليزية.
شهدت الأردن بالفعل عدداً من الانتفاضات الفلسطينية فيما مضى، وتمّ إنقاذ السلالة بصعوبة كبيرة. من الأسهل على الملك عبد الله الثاني أن يخوض حرباً مع «إسرائيل»، وأن يدير ظهره لواشنطن من أجل الحفاظ على عرشه، بدلاً من قبول مثل هذا الاحتمال الانتحاري، تدعمه في موقفه معظم الدول العربية التي لا ترغب بحدوث ذلك، كلّ لأسبابه المتعلقة بأمنه القومي. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد شروط اقتصادية موضوعية لقبول هذا العدد الكبير من الأشخاص في الأردن. ورغم أنّ رعاة «إسرائيل» الأمريكيين يظهرون عدم اتفاقهم مع هذه المخططات ويحاولون تحذير «إسرائيل» إعلامياً منها، فهم لا يقومون بأيّ شيء يمنعها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1149
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 21:33