ألمانيا على طريق إعادة بناء النازية وهزائم النازية
فاليري بانوف فاليري بانوف

ألمانيا على طريق إعادة بناء النازية وهزائم النازية

ذكرت صحيفة بيلد الألمانية نقلاً عن مصادر في وزارة الدفاع الألمانية أن الحكومة تعتزم زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا من أربعة إلى ثمانية مليارات يورو في 2024. ورغم أنّ هذا بجزء منه هو «رعاية النازيين» بشكل عام في أوكرانيا، فالأمر لا يتعلّق بدعم أوكرانيا فقط. وأشارت دويتشه فيله إلى أن المستشار الألماني شولتس دعا أيضاً إلى الاستعداد «لحرب طويلة جداً ضدّ الاتحاد الروسي في أوكرانيا». فأيّ حرب هذه التي يريد شولتز أن يستعدّ لها؟

ترجمة: قاسيون

في الغرب يدّعون دوماً معرفة ما يفكّر به الروس ويبنون نسخهم المضادة الخاصة بهم. المثير للدهشة أنّ هذا ما اعتقده العديد من أسلاف شولتز عندما حاولوا فهم العقلية الروسية «الغامضة»، وعلى وجه الخصوص، السلف، المستشار الألماني، أدولف هتلر. يستحيل مقارنة هاتين الشخصيتين، على الرغم من وجود الكثير من القواسم المشتركة بينهما، لكن الاتجاه المشترك الأبرز، عسكرة ألمانيا. قال شولتز في مؤتمر للجيش الألماني، إن برلين ستخصص «على المدى الطويل»: 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع - كما هو مطلوب من قبل الولايات المتحدة - وقال شولتز بحضور أكثر من 800 عسكري «ليس هناك شك على الإطلاق في أن نقطة التحول التي تمثلها الحرب العدوانية الروسية تتطلب تغيير المسار على المدى الطويل».
تجدر الإشارة إلى أنّه بعد أيام قليلة فقط من بدء العملية العسكرية الروسية، أعلنت ألمانيا عن إنشاء صندوق خاص لإعادة تجهيز القوات المسلحة. ويهدف البرنامج إلى عمليات شراء واسعة النطاق للأسلحة، من الطائرات الشبح إلى الفرقاطات الجديدة وناقلات الجنود المدرعة. في الواقع، يبني الألمان قدراتهم القتالية لمدة عشر سنوات. لذلك، في عام 2018، على سبيل المثال، تم اعتماد برنامج التطوير المرحلي للقوات المسلحة. يُشار إلى أن الحكومة الألمانية لم تخطط سابقاً لرفع الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2024، رغم أن هذا كان الطلب الأمريكي الذي ورد في قمة الناتو 2014. الآن ينفق الألمان حوالي 1.24٪ على الدفاع، وكانوا مستعدين لزيادة هذه الحصة إلى 1.5٪، أي إلى 55-60 مليار يورو. هنا دخلت برلين في مواجهة مباشرة مع واشنطن التي طالبت بزيادة متعددة في الإنفاق تصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي. لا يمكن أن تمر الإرادة الذاتية للقيادة الألمانية دون عقاب، ولهذا اعتباراً من شباط 2022، اعتمدت ألمانيا أخيراً قواعد اللعبة التي فرضتها الولايات المتحدة.
يشير تيموفي بوريسوف، عالم السياسة الألماني إلى أن «ألمانيا، كما كانت قبل 80 عاماً، بدأت في إعادة التسلّح. في الصحافة الألمانية، واحدة تلو الأخرى، هناك مقالات حول الحاجة إلى التعامل بجدية مع الجيش الألماني والعودة إلى التجنيد الإجباري. يقول السياسيون والعسكريون رفيعو المستوى إنّه من الضروري إعادة هذا النظام وإعادة تسليح الجيش. وطرحت فكرة تخصيص 300 مليار يورو أخرى لإعادة تسليح الجيش. لم يكن الألمان يعتقدون في وقت سابق أنهم يحتاجون إلى جيش خاص بهم، فإنّهم تحت مظلة الولايات المتحدة، الآن هناك إلغاء جذري لهذا الموقف». بطبيعة الحال، لا بد من إقناع دافعي الضرائب والناخبين بالحاجة إلى إنفاق مبالغ ضخمة، والعملية الخاصة الروسية هي الأنسب للعب دور الفزاعة هنا. ألمانيا مستعدة لاستثمار أكثر من 100 مليار يورو في قواتها المسلحة. وهذا وفقاً للتقديرات الأكثر تحفظاً، حيث يعتقد جزء كبير من الخبراء أن الألمان سيحتاجون إلى أموالٍ أكثر مرتين أو حتى ثلاث مرات للجيش الجديد.

إعادة التاريخ

يتمّ تعبئة الشعب الألماني ليتقبّل هذا التحوّل، ويؤيد 62% من الألمان الحصول على تمويل إضافي للجيش الألماني، حتى لو كان ذلك يعني ديوناً محتملة. ذكرت ذلك قناة ZDF التلفزيونية بالإشارة إلى نتائج استطلاع البارومتر السياسي الذي أجري لها. 66% من المستطلعين لديهم موقف إيجابي تجاه التعاون مع الولايات المتحدة بشأن الأزمة الأوكرانية. وفقاً للخبراء، فالنزعة العسكرية الألمانية التي كانت مخنوقة، مستعدة لرفع رأسها في ألمانيا في القرن الحادي والعشرين. لقد ولّت أجيال من الألمان الذين عانوا من أهوال الحرب. المواطنون مقتنعون بأنّ الوقت حان لإنشاء قوة أوروبية مهيمنة جديدة. بالإضافة إلى ذلك، ظلت المشاعر النازية الجديدة مشتعلة في صفوف قوات الأمن لعقود من الزمن. في الجيش الألماني، تسمى هذه الظاهرة بتسامح «التطرف اليميني». الدليل على ذلك أنّ الفضائح لا تتوقف مع أتباع الرايخ الثالث في الشرطة ومكتب المدعي العام والجيش في ألمانيا. بعد التحقيق الداخلي، طمأن الألمان أنفسهم، اتضح أنّ ما لا يزيد عن 1600 شخص يحملون أسلحة في أيديهم يعترفون بمبادئ هتلر. تمّ العثور على معظم النازيين الجدد الذين تم التعرف عليهم في وحدات النخبة، على وجه الخصوص.
يريد شولتز تحويل الجيش الألماني إلى أقوى جيش في أوروبا. ومع الأخذ في الاعتبار تاريخ ألمانيا، على الرغم من عدم واقعية خططه، ينبغي أن تؤخذ كلمات المستشار على محمل الجد. بشكل عام، لا داعي للحديث عن عدم استقلال شولتز وتبعيته للولايات المتحدة. لذا فإن السؤال ذا الصلة هو، هل هي خطته الوحيدة لعسكرة ألمانيا؟ رغم أن عملية إعادة تسليح ألمانيا تتم حالياً في إطار الناتو وبالاتصال الوثيق مع حلفائها، فإن النخبة الحاكمة تعمل بشكل منهجي على تحقيق أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية، بغض النظر عن الأوروبيين. إنّ الهدف القديم للإمبريالية الألمانية «قيادة أوروبا»، الذي أدى إلى حربين عالميتين وصعود الفاشية في القرن العشرين، أصبح الآن على جدول الأعمال مرة أخرى.
في يونيو/حزيران، قدّم المستشار شولتز مع عددٍ من الوزراء إستراتيجية الأمن القومي الألمانية في مركز المؤتمرات الصحفي الفيدرالي في برلين. عملياً هذه الوثيقة بعنوان هي خطة للحرب في الخارج وإنشاء دولة بوليسية في الداخل. جاء في المقدمة «إنّ الحرب العدوانية الوحشية التي تشنّها روسيا ضدّ أوكرانيا تشكّل تحدياً أساسياً للنظام والأمن الأوروبيين. في الوقت نفسه، يتغيّر النظام العالمي، وتظهر مراكز قوى جديدة، وعالم القرن الحادي والعشرين متعدد الأقطاب. ألمانيا مستعدة لهذه التغييرات الإستراتيجية وترى في العصر الجديد فرصة لتقوية الجيش الألماني بشكل مناسب في النهاية». وفي مكان آخر من الإستراتيجية، تم التأكيد على ما يلي، «نريد أن نجعل الاتحاد الأوروبي كياناً مستقلاً جيوسياسياً يضمن الأمن والسيادة للأجيال القادمة. وتلتزم الحكومة الاتحادية بمواصلة تكامل الاتحاد الأوروبي وتماسكه وتوسعه ليشمل دول غرب البلقان وأوكرانيا وجمهورية مولدوفا وفي المستقبل جورجيا. ويُنظر إلى توحيد أوروبا تحت القيادة الألمانية في حد ذاته على أنه مشروع عسكري».
إذا ما جمعنا الخطط والأحاديث عن الإستراتيجية الخارجية، و«الحاجة لجبهة ألمانيّة موحّدة»، نحصل من الناحية العملية على سياسات الفوهرر حين استلم زمام ألمانيا، والتي أدّت إلى الحرب العالمية الثانية. هذه العملية تجري بالفعل. تم تكليف أوكرانيا في البداية بدور حاسم فيها. يبدو أنّ الغرب يريد تحضير ألمانيا لتخوض حربه في المقدّمة ضدّ روسيا، وما يفعله النازيون الجدد في أوكرانيا اليوم هو مجرّد تمهيد للخطط القادمة. لكن يبدو أنّ ذاكرة ألمانيا والألمان ضعيفة، فالتاريخ لم يعلّمهم أنّ المحور الذي هزمهم مرّة، قد يهزمهم مرّة أخرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1149