الفشل الأمريكي ليس فقط في غزة.. فإيران والعرب في صف واحد
إم. كي. بدر كومار إم. كي. بدر كومار

الفشل الأمريكي ليس فقط في غزة.. فإيران والعرب في صف واحد

صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنّه مقتنع بأن أحد أسباب شنّ حماس الهجوم على «إسرائيل» هو الإعلان خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا . لكنّه عاد وقال أيضاً بأن هذه القراءة كانت مبنيّة على حدسه الخاص، ولم يكن لديه أي دليل عليها. إن دافع بايدن لقول ذلك يكمن في حاجة الولايات المتحدة الماسة إلى استعادة دورها المهيمن في الشرق الأوسط. لكن هناك واقعان أكثر إلحاحاً يقفان في وجه أماني القيادة الأمريكية، الأول، التضامن الإقليمي القوي الموحد، العابر للدول والطوائف والقوميات، والذي ظهر في مواقف الدول العربية وإيران وتركيا بخصوص الحرب في فلسطين، على نحوٍ لم يحدث من قبل. والعقبة الثانية والتي تقضّ مضجع الولايات المتحدة أكثر هي التقارب السعودي الإيراني.

ترجمة: قاسيون

التطورات الأخيرة المتعلقة بحماس و«إسرائيل» قوّضت الجهود الأمريكية لإقناع السعودية بالاعتراف بـ «إسرائيل». لا شكّ أن الموقف السعودي من القضية الفلسطينية أصبح أكثر تشدداً، وموقف السعودية ينعكس على موقف الخليج وبعض من دول الإقليم الأخرى. ينعكس الخلاف العميق أيضاً في مجلس الأمن الدولي، حيث أيدت دولة الإمارات، التي افترض الأمريكيون بأنّهم بيدق مضمون، مشروع القرار الروسي، الذي دعا إلى «وقف فوري ودائم لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ويحظى بالاحترام الكامل»، لكنّها عارضت مشروع القرار الأمريكي، الذي كان مراوغاً بشأن إنهاء الحرب، وبدلاً من ذلك عزف على حق «إسرائيل» في الدفاع عن النفس.
ودعا بيانٌ مشترك، وقّعه وزراء خارجية مصر والأردن والبحرين والإمارات والسعودية وعمان وقطر والكويت والمغرب، إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. وفي تحذير للولايات المتحدة و«إسرائيل». وبالنظر إلى المستقبل، فإن السؤال الكبير يدور حول النوايا الأمريكية. هل ما تقوم به اليوم استعراضٌ للعضلات، أم مؤامرة خفية لخلق حقائق على الأرض يمكن استغلالها كذريعة للحرب لشن هجوم ضد إيران، وهو مشروع طويل الأمد للمحافظين الجدد الذين يهيمنون على خطابات السياسة الخارجية الأمريكية؟
أعلن بايدن في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض أنّه حذر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي من استمرار طهران في «التحرك» ضدّ القوات الأمريكية في المنطقة، وإلّا فإنّ واشنطن سترد. من المتصوّر أن تشكل الهجمات الأخيرة التي شنتها الجماعات المسلحة في سورية والعراق صداعاً لبايدن في السياسة الداخلية. وبحسب ما ورد، أصيب نحو عشرين جندياً أمريكياً بجروح، ومقتل متعاقد عسكري حتى الآن. ويوجد ما يقرب من 2500 جندي أمريكي في العراق ونحو 900 جندي في سورية.
من المحتمل أن بايدن كان متفاخراً. وهذا ليس بالأمر غير المعتاد في المواجهات بين الولايات المتحدة وإيران. لكن الأرجح أن الولايات المتحدة تأمل في دفع إيران إلى كبح جماح الميليشيات الحرة في سورية والعراق ومنعها من تفاقم الوضع. تتفق إيران مع الصين وروسيا والدول العربية في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار حتى تتاح الظروف للدبلوماسية لمعالجة المشكلة الفلسطينية بشكل هادف. إنهم يؤيدون حل الدولتين. ومن عجيب المفارقات أن الولايات المتحدة تزعم أيضاً أنها تدعم حل الدولتين.
هذا ما صرح به بايدن في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، حيث قرأ من نص مكتوب: «[لإسرائيل] الحق، وأود أن أضيف، المسؤولية للرد على مذبحة شعبها. وسوف نضمن أن لدى [إسرائيل] ما تحتاجه للدفاع عن نفسها ضد هؤلاء الإرهابيين… لكنّ هذا لا يقلل من الحاجة إلى العمل والتوافق مع قوانين الحرب… يجب على إسرائيل أن تفعل كل ما في وسعها، رغم صعوبة الأمر، لحماية المدنيين الأبرياء… أريد أيضاً أن أتوقف لحظة للتطلع إلى المستقبل الذي نسعى إليه. ويستحق [الإسرائيليون] والفلسطينيون على حد سواء أن يعيشوا جنباً إلى جنب في أمان وكرامة وسلام. ولا عودة للوضع الراهن كما كان في السادس من أكتوبر… وهذا يعني أيضاً أنه عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك. ومن وجهة نظرنا، يجب أن يكون حل الدولتين».

الواقع: أمريكا أضعف

هل تبدو لكم هذه الكلمات وكأنّ بايدن يستعد لحرب مع إيران، أو يسعى إلى مثل هذه الحرب؟ ربما تكون هذه هي المرّة الأولى التي يظهر فيها بأنّ تراجع الولايات المتحدة في المنطقة قد يفتح الباب بشكل حقيقي للعمل على حلّ المشكلة الفلسطينية. وخلاصة القول، كما تشهد المداولات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أيضاً، تدرك كافة القوى المسؤولة أنّ الشرق الأوسط لا يزال يمثّل مركز الثقل في السياسة العالمية، وأنّ الصراع في المنطقة قد يتحول بسهولة إلى حرب عالمية. ولا ترغب أيّ من القوى الكبرى في مثل هذه النتيجة المروّعة.
ومع ذلك، في حين أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بقوة نسبيّة في الشرق الأوسط، إلا أن نفوذها قد تضاءل، مع ظهور عدد من الحقائق الجديدة: 1- لقد أصبحت «إسرائيل» أكثر قوة عسكرياً في مواجهة الفلسطينيين، لكنها لم تعد تتمتع بالهيمنة على مجريات الصراع ضدّ حركات المقاومة. 2- تؤكد السعودية والإمارات على نحو متزايد على مصالحهما الخاصة. 3- الصين، على الرغم من كونها لاعباً جديداً نسبياً، لم تعد حركتها تقتصر على الدبلوماسية الاقتصادية. 4- فقدت الولايات المتحدة القدرة على الاستفادة من سوق النفط العالمية، حيث تعمل روسيا بشكل وثيق مع السعودية ضمن نطاق أوبك + لمعايرة مستوى إنتاج النفط وأسعاره. 5- نتيجة لذلك، فإنّ البترودولار يضعف. 6- تم وضع اتفاقات أبراهام على الرفّ عملياً.
لقد اتخذ الصراع العربي الإسرائيلي أبعاداً جديدة في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل صعود محور المقاومة، الأمر الذي يتطلب مواقف جديدة وتفكيراً عملياً من جانب الولايات المتحدة. إنّ البيئة العالمية معقدة للغاية، ولم يعد من الممكن أن تظل عملية السلام تحت احتكار الولايات المتحدة. استضافت روسيا اجتماعاً ثلاثياً في موسكو مع نائب وزير الخارجية الإيراني ووفدٍ من حماس. وفي وقت لاحق، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهو أيضاً المبعوث الرئاسي الخاص للشرق الأوسط وإفريقيا، أنّ محمود عباس «سيصل قريباً في زيارة رسمية» إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في حرب شاملة مع إيران، ستتكبد الولايات المتحدة خسائر فادحة وقد تواجه دولة «إسرائيل» الدمار. وفي الواقع، قد تختار إيران امتلاك قدرة الردع النووي. ومن شبه المؤكد أن تتحول الحرب الأمريكية الإيرانية إلى حرب عالمية. ومن الواضح أن الحرب ليست خياراً يتحمّله الأمريكيون. وبالتالي، إذا تورطت إسرائيل في غزة، وهو أمر لا يمكن استبعاده بأي حال من الأحوال، فهناك احتمال كبير بأن يفتح حزب الله جبهة ثانية. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التي قد تخرج عن نطاق السيطرة. وهنا يكمن الخطر إذا لم يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار في وقت مبكر بما فيه الكفاية من الصراع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1147
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 21:29