اليونان بديلاً عن تركيا؟ لا تبدو خطة الأمريكيين ناجحة!
فلاديمير فلايشيف فلاديمير فلايشيف

اليونان بديلاً عن تركيا؟ لا تبدو خطة الأمريكيين ناجحة!

نشرت صحيفة كاتيميريني اليونانية الموالية للحكومة تقريراً تحت عنوان «قاعدة سودا Souda الجوية «جوهريّة» للولايات المتحدة»، ذكرت فيه أن عدداً كبيراً من طائرات النقل التابعة للقوات الجوية الأمريكية تصل إلى أكبر قاعدة عسكرية أمريكية تقع في اليونان في جزيرة كريت. وقد هبطت طائرات النقل الكبيرة من طراز C-17، والطائرات ذات الأغراض الخاصة من طراز C-130، وناقلات النفط الطائرة من طراز KC-135، وطائرات العمليات البحرية من طراز P-8 Poseidon، وطائرات الحرب الإلكترونية، في قاعدة سودا الجوية الأمريكية في جزيرة كريت.

ترجمة: قاسيون

وتنتشر هذه الطائرات في اليونان قادمة من قواعد مختلفة في أوروبا «من إيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة»، هدفها الأساسي أن تكون جاهزة في حال تفعيل خطة إجلاء 60 ألف مواطن أمريكي يقدّر أنهم يعيشون في اليونان. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً للقناة التلفزيونية اليونانية Open، بدأت القوات الجوية الأمريكية في استخدام قاعدة إليوسيس الجوية بالقرب من أثينا لعمليات في الشرق الأوسط، حيث تم نشر فوج الطيران المقاتل رقم 112.
وقد أصبحت هذه الخطة معروفة بفضل ما نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، لكن يبدو بحسب الطبعة اليونانية أنّ غرض الوجود الأمريكي في المنطقة لا يتعلق فقط بإجلاء المواطنين من دول المنطقة. وتشير كاتيميريني إلى أن الزيادة الكبيرة في وجود القوات الجوية الأمريكية في اليونان يعتمد على الأحكام الحالية للاتفاقية المبرمة بين اليونان والولايات المتحدة بشأن التعاون الدفاعي المتبادل (MDCA)، والتي بموجبها يستخدم الأمريكيون القواعد في اليونان «حسب تقديرهم».
وتشير الصحيفة إلى أن وقوف الناقلات الطائرة في قاعدة سودا الجوية، ووجود عدة ناقلات نفط تابعة للبحرية الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط، يعطي فكرة عن عمليات طيران طويلة المدى ومشتركة، وهو ما يؤكده أيضاً وصول حاملة الطائرات الأمريكية الثانية والمدمرات والطرادات والغواصات المرافقة لها التابعة للمجموعة الضاربة الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطرق التي تربط السفينة بمختلف القواعد الأمريكية في أوروبا تخضع لحراسة الطائرات المقاتلة الأمريكية لأغراض أمنية.
وتشير الصحيفة اليونانية أيضاً إلى أنّ التركيز الأمريكي على القواعد اليونانية هو دليل على توقف الأمريكيين عن استخدام «القواعد المهمة جداً» الموجودة لديهم في تركيا، مثل قاعدة إنجرليك، الأقرب إلى مسرح العمليات المحتمل. يعدّ استخدام القواعد العسكرية الأمريكية في اليونان دليلاً كبيراً على عدم الثقة في العلاقات الأمريكية التركية، على الرغم من أن وزارة الخارجية تتجنب أي تلميحات موجهة لأنقرة».
حسناً، حقيقة أن واشنطن تستخدم الآن قواعد في اليونان، وليس في تركيا، وهي أكبر قوة عسكرية في الناتو بعد الولايات المتحدة، استعداداً لعمليات عسكرية واسعة النطاق في الشرق الأوسط، تشير إلى أن أثينا أصبحت الآن القوة العسكرية الأكبر في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة. الحليف العسكري الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، وإلى تراجع مكانة تركيا وثقة الأمريكيين بها.
في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كان استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، أي الأسلحة قصيرة المدى التي يمكن استخدامها في ساحة المعركة، تمليه إلى حد كبير العقيدة العسكرية لحلف شمال الأطلسي. إن امتلاك دول الناتو لمثل هذه الأسلحة يوازن تفوّق دول حلف وارسو في الأسلحة التقليدية. ولهذه الأسباب، وافقت حكومة كونستانتينوس كرامانليس على تركيب أسلحة نووية على الأراضي اليونانية، لأن ذلك من شأنه أن يزيد من قوة الردع للحلف، وبالتالي لليونان.

اليونان ليست بيدقاً سهل الانقياد

في 30 ديسمبر 1959، أبرمت اليونان والولايات المتحدة اتفاقية سرية جديدة بشأن إنشاء احتياطي من «الذخائر الخاصة»، والتي كانت في الواقع رؤوساً حربية نووية، وتولى صندوق البنية التحتية لشمال الأطلسي تمويل بناء الأسلحة. تمّ الاتفاق على نشر الأسلحة النووية في اليونان على أساس نظام «المفتاح المزدوج». باختصار، كانت القوات المسلحة اليونانية تسيطر على منصات الإطلاق، بينما كان الأمريكيون يسيطرون على الرؤوس الحربية النووية، وكان استخدام الأسلحة يتطلب موافقة الطرفين.
ومع ذلك، وبما أن الاتفاقية كانت سرية، لم يتم إبلاغ الجمهور اليوناني بحجم الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، ولا بشروط نشر الأسلحة النووية الأمريكية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، خفضت واشنطن بشكل حاد وجودها العسكري في اليونان. تم إغلاق أكبر قاعدة جوية أمريكية في أثينا، وفي عام 2001 سحب الأمريكيون أسلحتهم النووية من اليونان.
ومع ذلك، ظهرت في وقت لاحق إشارات تفيد بأن الأسلحة النووية الأمريكية قد أُعيدت سراً إلى اليونان. وفي 2018، أعلن الحزب الشيوعي اليوناني عن وجود أسلحة نووية أمريكية في اليونان. إلا أنّ وزير الخارجية اليوناني نفى هذه التقارير. وفي 2019، قال عضو اللجنة المركزية لحزب سيريزا اليساري الحاكم آنذاك ومنسق إدارته الدولية، في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي إنه لا توجد أسلحة نووية أمريكية في اليونان.
ما الذي يحدث بالفعل ولماذا ظهر مثل هذا المقال في صحيفة مثل كاتيميريني؟ هناك إجابتان محتملتان لهذا السؤال. فإمّا أن الأسلحة النووية قد أعيدت سراً إلى موقع تخزينها الأصلي، أو أنهم سيعيدونها إلى هناك ويجهزون الرأي العام لعودتها من خلال نشر مثل هذه المنشورات.
على أية حال، لا يمكن وصف ظهور مثل هذا المقال بالصدفة لأن اليونان أصبحت مؤخراً الحليف العسكري الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، بعد تدهور العلاقات بين واشنطن وأنقرة بشكل حاد. وتم مؤخراً التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري لأجَل غير مسمى بين واشنطن وأثينا. وبالإضافة إلى توسيع القاعدة الأمريكية في خليج سودا في جزيرة كريت وتوسيع نطاق استخدام هذه القاعدة، يتم تزويد الولايات المتحدة بالبنية التحتية للقواعد العسكرية اليونانية في مناطق أخرى.
وتظل العلاقات مع تركيا صعبة للغاية بالنسبة لليونان ذاتها، وليس فقط بسبب التاريخ الطويل لتقسيم قبرص في عام 1974. لا يزال الخلاف حول اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز والنفط في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​مستمراً بلا هوادة. وترسل تركيا سفناً إلى سواحل قبرص للتنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، ووقعت اتفاقاً مع ليبيا بشأن تقسيم المناطق البحرية في هذه المنطقة، وهو ما يثير غضب اليونان. كما أن هناك نزاعاً حاداً حول ملكية عدد من الجزر البحرية بين اليونان وتركيا.
وفي وقت سابق، كانت هناك تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة قد تسحب أسلحتها النووية من قاعدة إنجرليك وتنقلها إلى اليونان. في وقت لاحق، هدأت الشائعات حول هذا الموضوع. وكما ترون، فبعد أن توقعت الولايات المتحدة أن يفوز مرشح موالٍ لها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تركيا، لكن رجب طيب أردوغان تمكن من الحفاظ على سلطته. وهذا يعني أنه سيتعين على الولايات المتحدة مرة أخرى أن تقرر ما يجب فعله مع القيادة العنيدة لأنقرة، التي تنتهج سياستها الخاصة تجاه روسيا، والتي تدعم اليوم حماس علانية.
ومع ذلك، فمن خلال منح أراضيها وقواعدها للأمريكيين لاستخدامها استعداداً لصراع عسكري كبير في الشرق الأوسط، فإن السلطات اليونانية تخوض مخاطرة كبيرة. ومن الممكن أن تتورط الدولة نفسها في صراع مدمر له عواقب لا يمكن التنبؤ بها. وهناك قوى في اليونان تحذر من هذا الخطر. ويتجلى هذا، على وجه الخصوص، في المظاهرات العنيفة المؤيدة للفلسطينيين والمعادية لأمريكا التي جرت في أثينا ومدن أخرى في البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1147
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 21:31