محترفو الدعاية الكاذبة ضدّ فلسطين

ترجمة: قاسيون

من الأمثلة الواضحة على ذلك الادعاء بأنّ مقاتلي حماس أثناء توغلهم في الأراضي المحتلة، توقفوا وقتلوا وشوهوا أربعين طفلاً «إسرائيلياً» وقطعوا رؤوسهم وتركوا جثثهم وراءهم. نشرت قناة  i24 News«الإسرائيلية» تأكيداً لهذه الادعاءات مسندة إياها إلى مصادر عسكرية مجهولة. على الرغم من عدم تقديم أي دليل على الإطلاق، فهذا الادعاء التحريضي للغاية حول العدو الذي أدلى به أحد المشاركين النشطين في الصراع، ليتم أخذه وتكراره في جميع أنحاء العالم. كمثال في الولايات المتحدة من قبل فوكس نيوز، وسي.إن.إن، وإم.إس.إن، وبزنس إنسايدر، ونيويورك بوست.
في الوقت نفسه، كانت الصفحات الأولى لأكبر الصحف في المملكة المتحدة مزينة بهذه القصة، وغضبت الصحافة من الفظائع ودعت قراءها إلى الشعور بالشعور ذاته. إنّ الادعاءات غير الاعتيادية تتطلب أدلة غير اعتيادية، وكان من الواجب أن تقابل وسائل الإعلام مثل هذه القصة بقدر كبير من الشك، خاصة بالنظر لمن قدّم هذا الادعاء. السؤال الأول الذي كان ينبغي لأي مراسل أن يطرحه هو: «أين الدليل»؟ ونظراً للفرص المتعددة لإدراك وجود مثل هذا الدليل، أعلن الجيش «الإسرائيلي» بأنّه لن يردّ على الاستفسارات، ورغم ذلك بقيت القصة تنتشر في الإعلام الغربي.
وكانت رواية الطفل مقطوع الرأس شائعة جداً لدرجة أنّ الرئيس بايدن أشار إليها، مدّعياً أنّه شاهد صوراً «مؤكدة» لحماس وهي تقتل الأطفال. ومع ذلك، تمّ التراجع عن هذا الادعاء على عجل من قبل مسؤولي البيت الأبيض، الذين أشاروا إلى أنّ بايدن كان يشير ببساطة إلى تقرير قناة  i24 News. بدت القصة وكأنها مقتطعة من دعاية رخيصة بعد أن تم الكشف عن المصدر الرئيسي لهذا الادعاء، وهو جندي «إسرائيلي» يدعى ديفيد بن صهيون. كما أنّه مستوطن متطرف حرض على أعمال شغب عنصرية ضد الفلسطينيين في وقت سابق من هذا العام، حيث وصف الفلسطينيين بأنّهم «حيوانات يجب محوهم».
إنّ التلاعب بالشعوب الغربية من أجل دعم الحرب من خلال إطعامهم الدعاية الفظيعة حول تشويه الأطفال ليس بالأمر الجديد، ففي عام 1990 على سبيل المثال، مثّلت فتاة تزعم أنّها ممرضة كويتية أمام الكونغرس الأمريكي، حيث شهدت أنّ رجال الدكتاتور العراقي صدام حسين انتزعوا مئات الأطفال الكويتيين من حاضناتهم وتركوهم ليموتوا. ساعدت القصة في تحفيز الجمهور الأمريكي على تأييد الحرب. تمّ الكشف فيما بعد بأنّها خدعة كاملة هندست لها شركة علاقات عامة.
من الأخبار الكاذبة الأخرى قضية شاني لوك. حضرت لوك مهرجان السوبر نوفا، وبعد أن نصبت حماس كمينها بدأت الأنباء تردد على نطاق واسع بأنّ حماس قتلتها «مثال: الديلي ميل، وماركا، وياهو نيوز، وتي.إم.زد، وبيزنس إنسايدر»، وجردتها من ملابسها وبدأت تلفّ الشوارع وهي تعرضها بجسدٍ عارٍ على ظهر شاحنة. أثارت قضية لوك غضباً عالمياً ودعوات إلى ردّ عسكري «إسرائيلي» ساحق.
كانت هناك مشكلة واحدة فقط، تمّ التأكد لاحقاً من أنّ لوك على قيد الحياة وفي المستشفى، وهي حقيقة تشير إلى أنّ مقاطع الفيديو الخاص بها على الجزء الخلفي من الشاحنة كانت في الواقع صوراً لأشخاص ينقذون حياتها من خلال اصطحابها لطلب المساعدة الطبية. عدد قليل من المنافذ الإعلامية التي تنشر هذه القصص التحريضية بشكل غير مسؤول قد نشرت اعتذارات أو تراجعاً عن النشر. كانت صحيفة لوس أنجلس تايمز هي الاستثناء الوحيد، فبعد نشر تقرير يزعم أنّ الفلسطينيين اغتصبوا مدنيين «إسرائيليين»، أبلغت القراء في وقت لاحق بأنّ مثل هذه التقارير لم يتم إثباتها.

تحييد «إسرائيل» وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم

مع ذلك، فإنّ القليل من القرّاء يرون هذه التراجعات. وبدلاً من ذلك، فقد تركتهم هذه الأنباء مع مشاعر الغضب والاشمئزاز العميق تجاه حماس والفلسطينيين، مما دفعهم إلى دعم العمل العسكري الغربي ضد فلسطين أو المنطقة بشكل أوسع. وفي حالة عدم فهم الجمهور للرسالة، فإنّ مقالات الرأي والافتتاحيات في الصحف الكبرى تؤكد هذه الفكرة. نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالة افتتاحية بعنوان «الواجب الأخلاقي لتدمير حماس»، والتي أصرت على أن تنقل للقراء أنّ «إسرائيل لها الحق في القيام بكل ما يلزم لاقتلاع هذه الثقافة الشريرة والمنحرفة التي تعيش بجوارها». وهكذا، أعطى هذا المنفذ «لإسرائيل» تصريحاً حراً لتنفيذ ما تشاء من جرائم حرب بحق السكان المدنيين، سواء كان ذلك باستخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة، أو قطع الكهرباء والماء، أو استهداف سيارات الإسعاف أو موظفي الأمم المتحدة.
وكان لهيئة تحرير مجلة «ناشيونال ريفيو» رأي مماثل، حيث قالت إنّ «إسرائيل تحتاج إلى وقت طويل لتدمير حماس» وأوضحوا أنّ ذلك يعني منح «إسرائيل» المزيد من الوقت لتنفيذ تدمير غزة، ويتعين أثناء ذلك على الشعوب والزعماء الغربيين الامتناع عن انتقاد «إسرائيل» أو الدعوة إلى الهدوء والسلام. إنّها رسالة واضحة بأنّه يجب التغاضي الآن عن «التفاهات» مثل جرائم الحرب. وفي الوقت الذي يتمّ التعامل مع «إسرائيل» و«الإسرائيليين» بتعاطف تام، يتم شطب الجانب الآخر باعتباره متطرفاً متعطشاً للدماء. وبينما يمكن إيجاد كلمات مثل «الإرهاب الفلسطيني» في كامل الطيف الإعلامي الغربي، مثل نيويورك تايمز ونيويورك بوست وفوكس نيوز وغيرها من وسائل الإعلام الكبيرة، لن تتمكن من إيجاد أيّ تغطية أو أخبار أو مقالات رأي تتحدث عن «الإرهاب الإسرائيلي».
وممّا يعبّر عن الوقاحة التامة في التعاطي مزدوج المعايير مع مسألة غزة، والعمل بشكل مباشر على إظهار أنّ حياة «الإسرائيليين» أكثر أهمية وأنّهم الطرف المظلوم، يمكننا أخذ مثال خبر من هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي، جاء فيه في الوقت ذاته بأنّ عدداً من «الإسرائيليين» قُتلوا، بينما عددٌ من الفلسطينيين «ماتوا»، وكأنّ موت الفلسطينيين ليس هناك مرتكب له.
الأمر الآخر هو غياب سياق التغطية، وكأنّ حماس قامت بعمليات في الأراضي المحتلة من العدم. إن لم تكن مفقودة بشكل كلي، فهي قليلة جداً التقارير التي تتحدث عن أنّ «إسرائيل» مبنية بالأساس على اغتصاب دولة فلسطينية قائمة، وأنّ معظم سكان غزة ينحدرون من لاجئين تعرضوا للتطهير العرقي تمّ طردهم من أرضهم لتصبح مكانها «جنوب إسرائيل». لا يتم ذكر أن «إسرائيل» تسيطر تقريباً على كافة جوانب حياة سكان غزة، ويشمل ذلك تحديد من يمكنه الدخول أو الخروج من القطاع المكتظ بالسكان والحد من دخول الغذاء والدواء والسلع الحيوية الأخرى. وقد وصفت جماعات الإغاثة غزة بأنّها «أكبر سجن مفتوح في العالم».
السبب لعدم ذكر هذا السياق هو منع تأثيره على الجمهور الغربي والسماح لهم بالتعاطف مع الفلسطينيين ونضالهم. إنّ شركات الإعلام ووسائل التواصل الكبرى مملوكة من قبل القلة الثرية التي تملك الشركات العابرة للوطنية، وهؤلاء لديهم مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن، ولا يرغبون برؤية حركات التحرر الوطني تنجح.