كلّ أزمة سياسية في إفريقيا تعني أنّ هناك من استيقظ
كيريتوي أوبوكو كيريتوي أوبوكو

كلّ أزمة سياسية في إفريقيا تعني أنّ هناك من استيقظ

بات تسارع الأحداث والتغييرات في إفريقيا شديداً لدرجة تحيّر التحليلات، ومن هنا يصبح الركون إلى رؤية ومرتكز أساسي يمكّننا من فهم هذه التغيرات – على تنوّعها وتفاصيلها – ضرورياً. من هنا تنطلق جميع حلقات تغطيتنا التحليلية للأحداث في إفريقيا من مرتكز الحراك الجماهيري المستمرّ والمتصاعد، وربطه بالتغيرات الدولية التي تعطيه الأمل بتحقيق نتائج أفضل. في المقال التالي نعرض لكم أبرز ما جاء في لقاء أجرته صحيفة صينية مع منظّم حركة غانا الاشتراكية كيريتوي أوبوكو.

ترجمة: أوديت الحسين

لماذا تكثير الانقلاب في إفريقيا ومنطقة الساحل، وما رأيك في السبب الذي قدمه ضباط الانقلاب في النيجر، «الحكومة الموالية للغرب غير قادرة على التعامل مع تصاعد الإرهاب الداخلي وركود التنمية الاجتماعية والاقتصادية»؟

أولاً وقبل كلّ شيء، من المهم للغاية النظر إلى هذا في سياق الاضطرابات الأكبر في إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل. كان الانقلاب في النيجر هو رقم 3 الناجح في المنطقة، لكن الانقلابات التي تفشل تحدث طوال الوقت. منذ شهر أعلنت الحكومة الليبيرية عن اعتقال عدد من الأشخاص الذين كانوا يخططون للإطاحة بالنظام، وفي العام الماضي والذي سبقه كانت هناك محاولات انقلابية في غينيا بيساو والنيجر، كما شهدت مالي وبوركينا فاسو عدّة انقلابات في السنوات الخمس الماضية.
إنّ عامة السكان في المنطقة غير راضين عن الوضع الراهن وعن الظروف والفقر في المنطقة. فمن ناحية هم غير راضين عن التأثير التاريخي لفرنسا، أي الفوضى والفقر الذي جلبه الاستعمار والاستعمار الجديد إلى المجتمع المحلي. ومن ناحية أخرى، هناك الحكومات الوطنية الفاسدة التي تخدم المصالح الفرنسية وتتغاضى وتسهّل استغلال شعبها ومواردها. بالإضافة إلى ذلك فإنّ غطرسة القوات الفرنسية المتمركزة في دول غرب إفريقيا توحي بأنّ دول المنطقة بأكملها تخضع لشكل من أشكال الاحتلال العسكري.
ليس فقط في البلدان المستعمرة فرنسياً، ولكن أيضاً في البلدان الإفريقية التي تنتمي إلى المناطق الناطقة بالإنكليزية والبرتغالية، هناك مشكلة «اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو استقلال حقيقي». يعني هذا أن تقودنا قوى سياسية تمثّل مصالح أبناء الوطن، وأن نعيد بناء المجتمع والنظام السياسي بما يناسب الظروف الوطنية. إنّ الأنظمة الدستورية المفروضة حالياً على هذه الدول تمّ بناؤها من قبل الدول ذات السيادة السابقة بناء على معايير أوروبا والغرب، وبالنظر إلى العوامل الطبقية في عملية البناء والفرض هذه، فهي لم تعكس قط مصالح الجماهير العريضة من الشعب الإفريقي. نتيجة لهذا سقطت إفريقيا في حلقة مفرغة من عدم الاستقرار – التدخل العسكري – عدم الاستقرار. ليس هناك ما يمكن تحقيقه من خلال الاحتجاج السلمي، وفي لحظة معينة وفي ظلّ ظروف محددة، يُعتقد بأنّ الطريقة الوحيدة لتحقيق التقدم الوطني هي الإطاحة بالنظام الدستوري.

بناء على ملاحظاتك، هل يمكنك التحدث بشكل أكثر تحديداً عن كيفية تأثير الحكم الاستعماري الفرنسي على بلدان منطقة الساحل؟

لنأخذ مثالاً النيجر. هناك ما لا يقل عن ثلاثة موارد طبيعية ذات احتياطات وفيرة – الذهب والنفط والغاز واليورانيوم. إذا تمّ تنظيمها على النحو اللائق فإنّ الأرباح المستخرجة من تصدير اليورانيوم وحدها ستكون كافية لتمكين دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة من تحقيق مستوى مرتفع إلى حد ما من التنمية ومستويات المعيشة للفرد. ومع ذلك، سيطرت فرنسا على تعدين اليورانيوم في النيجر منذ الستينيات، وكانت شركة فرنسية هي المسؤولة عن تطوير مناجم اليورانيوم، وبعد ذلك من خلال الخصخصة سيطر رأس المال الخاص على هذه الموارد.
تعتمد فرنسا في تأمين ثلثي الكهرباء فيها على مناجم اليورانيوم، في حين أنّ أقلّ من 12٪ من سكان النيجر يحصلون على الكهرباء. لا نتحدّث هنا عن الكهرباء المنزلية فقط، بل عن المجالات الصناعية العديدة في فرنسا، مثل المستخدمة في معالجة المنتجات الزراعية، التي تعتمد على الطاقة النووية لتوفير الطاقة. الكثير من قرى تعدين اليورانيوم لا يوجد فيها كهرباء ولا مياه جارية. معايير الحماية التي وضعتها أوروبا للبناء الآمن غير موجودة على الإطلاق في النيجر، وتعرّض العديد من الأطفال في تلك القرى للإشعاع والإصابة بمختلف أنواع الأمراض الغريبة. علاوة على ذلك، في البلدان التي تستخدم الفرنك الإفريقي، تُعتبر فرنسا هي البنك المركزي الحقيقي لها. إنّ حكومات هذه البلدان غنية بالموارد المعدنية، ولكن من أجل تقديم الاستثمار من أجل التنمية، فهي تحتاج إلى التفاوض مع فرنسا للحصول على المال. تتقاضى فرنسا فائدة عند استخدام عملتها، وبهذه الطريقة تستطيع أن تقرر ما إذا كانت ستدعم أو تقيّد سياسات التنمية في مختلف البلدان. هذا الأمر لا يزعج الشعوب من الأسفل فقط، فحتّى النخب غير راضية عن ممارسات فرنسا ويرغبون بإحداث التغيير.
حسناً، هل بإمكان النيجر أن تقرر بشكل مستقل اختيار شركاء آخرين للحصول على صفقة أكثر عدلاً لتصدير اليورانيوم؟ مستحيل، فالأمر لا يقتصر على النفوذ الاستعماري الفرنسي الجديد، بل وأيضاً تنصيب فرنسا لحكومة موالية لها لفترة طويلة. لا تزال وسائل الإعلام الغربية تبالغ في وصف الرئيس المخلوع بازوم الذي أطاح به الانقلاب بأنّه «أوّل زعيم منتخب ديمقراطياً في النيجر منذ الاستقلال»، متناسية أنّ فرنسا تقوم منذ أكثر من 60 عاماً بتعيين القائد تلو الآخر بحيث باتوا قادرين على تجاوز الانتخابات، وأنّ الانتخابات التي ربحها بازوم لم تشهد مشاركة من الشعب تتجاوز 30٪. المظاهرات التي تجتاح الشوارع في إفريقيا من أجل دعم الانقلابيين هي دليل على أنّ الرأي العام لا يريد هذه الحكومات.

ماذا عن وجود فاغنر في إفريقيا، وتحديداً في النيجر، وهل تحظى بشعبية؟

أولاً، على حدّ علمي لا يعمل أعضاء فاغنر في النيجر، وتقتصر أنشطتها على جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وذلك بأعداد صغيرة. يخشى الأمريكيون بشكل خاص دخول الروس إلى إفريقيا. أمّا إن كانت مجموعة فاغنر تحظى بشعبية في إفريقيا، فالجواب أنّ روسيا تلاقي ترحيباً حاراً من جميع الأفارقة. لا يتعلق الأمر بفاغنر، بل بروسيا التي يرى الأفارقة بأنّها تنهض ضدّ الغرب من خلال الصراع في أوكرانيا. في نظر الكثير من الأفارقة، فإنّ روسيا قامت بما أرادوا أن يقوموا به منذ سنوات. ففي مواجهة الضغوط التي يمارسها الغرب وحلف الناتو، رفضت روسيا التراجع وبدلاً من ذلك دافعت عن مصالحها الخاصة. لقد رسمت روسيا خطّاً أحمر وهي مستعدة لدفع الثمن، الأمر الذي سمح لعدد كبير من الأفارقة برؤية روسيا التي لم يروها منذ سنوات عديدة.
إنّ الدول الإفريقية غنيّة بالموارد، وهي بحاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي. إنّه لأمر إجرامي ببساطة أن يطلب أحد منهم رفض التعاون مع دولة تمتلك الموارد والتكنولوجيا والسمعة في التعامل العادل لمجرّد أنّ ذلك لا يصبّ في مصالح الولايات المتحدة الجيوسياسية. من حقّ الأفارقة أن يعملوا على تنمية بلدانهم، وقد فات الوقت الذي كانوا يقبلون فيه التحوّل إلى دمى في السياسة الجيوسياسية. أتذكر في هذا السياق كلمة للرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي، قال فيها، «أولئك الذين يجعلون التغيير السلمي مستحيلاً سيجعلون الثورة العنيفة أمراً لا مفرّ منه».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1138