هل صنعت هواوي رقاقاتها «كيرين» الجديدة ذاتياً؟
يو بينغكن يو بينغكن

هل صنعت هواوي رقاقاتها «كيرين» الجديدة ذاتياً؟

دون إخطار، ودون مؤتمر صحفي، قامت هواوي أثناء فترة استراحة الغداء في 29 آب بإطلاق هاتف «Mate 60 Pro»، الذي عنى اسمه التسويقي بأنّ سلسلة هواتف هواوي «Mate» التي حققت نجاحات باهرة قد عادت بقوّة. أثار هذا الأمر نقاشات حامية الوطيس داخل الصين، وكذلك حول العالم، فعودة هواوي تعني بأنّ هناك مستجدات حدثت سمحت لها بالعمل على استعادة موقعها العالمي الرائد بالرغم من معارضة السياسيين الغربيين المناهضين للصين.

ترجمة: قاسيون

في آذار 2018 وقّع الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب مرسوماً بفرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية التي يتمّ تصديرها إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي تمّ اعتباره على نطاق واسع بداية للحرب التجارية الصينية الأمريكية. في أيّار 2019 تمّ تضمين هواوي فيما يسمّى «لائحة الكيانات» التي تصدرها وزارة التجارة الأمريكية. من وقتها فصاعداً بات على الشركات الأمريكية الحصول على موافقة وزارة التجارة لبيع منتجاتهم إلى هواوي. في آب من العام ذاته، تمّ تصعيد العقوبات على هواوي. في آب 2020 وصلت العقوبات الأمريكية على هواوي إلى ذروتها. تمّ تقييد شركة هواوي وشركاتها الفرعية وعدم السماح لها بشراء أيّ منتج يستخدم نسبة 1٪ من التكنولوجيا الأمريكية. كان هذا القرار هو شكل من أشكال إظهار الهيمنة الأمريكية الحيّة.
لم يكن لدى هواوي منذ ذلك الحين القدرة على تحويل أيّ تصميم «طباعة» لها إلى رقاقة محسوسة من خلال أيّ خطّ إنتاج يحوي تكنولوجيا أمريكية. جميع خطوط إنتاج الرقاقات المتطورة حول العالم تستخدم التكنولوجيا الأمريكية بشكل أو بآخر. قبل ذلك تمكّنت هواوي عبر «خطّتها االاحتياطية» من الالتفاف على العقوبات الأمريكية، لكن بعد ذلك فقدت خطوط الطباعة الخاصة بها، ما ضاعف الضغط عليها. من أجل تعظيم مصالح هواوي والصين، كان على هواوي أن تبيع كامل أصولها في شركتها الفرعية Honor في تشرين الثاني 2020. لم تعد تملك أيّ أسهم في Honor، ولم تعد تساهم في عملياتها أو إدارتها. بحلول الربع الثالث من عام 2022 تمّ استنزاف الرقاقات التي تصنعها HiSilicon، الشركة المملوكة لهواوي، وبات من الصعب إيجاد هواتف هواوي.
عكست الإحصاءات وضعاً أكثر سوءاً حتّى، حيث أظهرت أنّه في الربع الأول من عام 2019 وصلت حصّة هواوي من السوق العالمية إلى 19.5٪. بعد الربع الثاني من عام 2021 لم يعد لها حصّة سوقية يمكن حسابها. سقطت حصتها السوقية إلى القاع. لهذا عندما تعود شركة بطلة حازمة وقوية، يصعب على الرأي العام ألّا يرحب بها ترحيباً حاراً. لذلك فإنّ ظهور Kirin مرة أخرى جعل البلاد بأكملها تبتهج وتصدم العالم. جاء ذلك في اليوم 1880 من العقوبات ضدّ الشركة. الجزء الرئيسي الذي جذب الجميع في هاتف هواوي الجديد هو رقاقة المعالج الذي طال انتظارها Kirin 9000s. في هذا الخصوص كانت شركتا هواوي وشركتها الفرعية HiSilicon متكتمتين. لا يزال الإعلان عن عن المعالج الرئيسي من قبل HiSilicon على موقعها الرسمي محدوداً بالحديث عن Kirin 9000s ولا معلومات أخرى عن السلسلة الجديدة.
مع تصاعد اللعبة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، كان على شركتي هواوي وهاي-سيليكون أن تتبنّيا سلوكاً حذراً عند إطلاق رقاقات كيرين الجديدة. لكنّ مالكي الهاتف الجديد لم يكونوا كذلك، فالعديد منهم بدأوا بمجرّد حصولهم على الجهاز بفحصه بشكل عميق ونشروا نتائج تقييماتهم ومقارناتهم. الأمر الفريد أنّ الصور المختلفة أعطت نتائج مختلفة. لكن بغضّ النظر عن الاختلافات، الإجماع أنّ لدى رقاقة كيرين الجديدة ثماني نوى، وفي بعض المواقع الشهيرة الأخرى لديها 12 نواة.

من أين أتت الرقاقة الجديدة؟

السؤال الهام، من أين أتت رقاقة كيرين الجديدة؟ هناك أربع افتراضات متباينة يجب إيلاؤها الاهتمام: 1- لدى الصين إنتاج تجاري لرقاقات 12 و7 و5 نانومتر، ولم تعد قابلة للخنق من قبل الولايات المتحدة، 2- رقاقة كيرين الجديدة تمّ إنتاجها وتخزينها قبل العقوبات، 3- رقاقة كيرين الجديدة هي نتيجة مساومات دبلوماسية سمحت لهواوي بتفادي العقوبات، 4- قامت شركة هاي-سيليكون بإجراء الكثير من التحسينات على الرقاقات باستخدام تكنولوجيا أقدم.
مؤيدات الخيار الأول – الصين هي من صنعت الرقاقات – هي باختصار أنّ الولايات المتحدة لن تسمح بأيّ شكل بحصول هواوي على الرقاقات من الخارج، وبالتالي هي بالتأكيد مصنّعة ذاتياً، خاصة أنّه قد تمّ الإعلان من قبل عن قدرة شركة إس.إم.آي.سي الصينية على إنتاج رقاقات 7 نانومتر. للأسف ورغم إغواء الاقتناع بهذه الحجة، لا يوجد بعد دليل دامغ على صحتها.
مؤيدات الخيار الثاني هي ما كُتب على الرقاقة ويمكن تفسيره بأنّه من المنتجات المخزنة ممّا قبل العقوبات. لكن هناك مشكلة في هذا الافتراض، أولاً لم تكن بعض المُدخلات التقنية في الجهاز موجودة في ذلك الوقت وبالتالي، الأمر الآخر متعلّق بتصميم المعالج « Cortex-A510» الذي لم يكن متاحاً إلّا في 2021، الأمر الذي يجعل من المستحيل الاستفادة من مخزون في 2020 منه.
أمّا فيما يتعلّق بخيار المساومة الدبلوماسية، يمكننا أن نركّز على قيام وزيرة التجارة الأمريكية عند زيارتها للصين بتهديد شركة هواوي بعدم إجراء أيّة أبحاث تطويرية عالية التقنية، وإلّا فإنها ستكون موضوعاً لعقوبات شديدة أخرى. يرى البعض بأنّ الأمريكيين يصرحون في العلن غير ما يصرحونه في الخفاء. يبقى هذا الاحتمال تخمينياً ولا يمكن التسليم به بشكل يقيني، بل حتّى يمكن استبعاده إذا ما أخذنا بالحسبان إجراءات الصين للرد على العقوبات بإيقاف تصدير المواد الخام اللازمة لصناعة الرقاقات مثل الغاليوم والجيرمانيوم، ما ينفي وجود أيّ مساومات أو آليات تنسيق.
يبدو أنّ الخيار الرابع هو الأكثر منطقية، فبعد أن أجبرت الحرب التجارية هواوي على التدخّل في جميع مراحل إنتاج الرقاقات على مدى عامين، وإنتاج الرقاقات هي صناعة مستنزفة لرأس المال، لم يكن من الممكن أن تقوم هواوي بالاستثمار في جميع المراحل والقطاعات. لكن كان بإمكانها تسريع البحث والتطوير، والقيام بمشتريات صغيرة بطرق تلتف على العقوبات، والدخول في شراكات متعددة. سمح هذا لهواوي ببناء سلسلة صناعية بشكل سريع كافية لإجراء تحسينات على الرقاقات بطرق قديمة. قد يستغرق الأمر وقتاً أطول، لكنّه ممكن من الناحية التكنولوجيّة.
لكن ما الفائدة من هذا الجهد، ففي النهاية لن تتمكن هواوي من تخطي منافسيها بتكنولوجيا أقدم؟ إنّ رقاقة كيرين الجديدة ستزيد من ثقة المستثمرين وتساعد هواوي على الحصول على المزيد من التمويل وتخفيض تكاليف التمويل كالقروض. في الوقت ذاته، الاعتماد على قدرات هواوي الصناعية الذاتية في إنتاج كيرين ونجاحه سيشجّع صانعي القرار في الحكومة على وضع استثمارات جديدة بمخاطر أعلى في سبيل إنتاج تكنولوجيا محليّة، وبالتالي القيام بتنمية سريعة لأشباه الموصلات الصينية.
كثير من الخبراء توقعوا هذه الخطوة من قبل، مثل البروفسور جين كانرونغ الذي قال: «مشكلة رقاقات هواوي للجيل الخامس يمكن أن تُحل خلال هذا العام». مع إطلاق كيرين الجديد بدأ الكثيرون – في الغرب والشرق – يرون بأنّ الانتصار الصيني في الحرب التجارية قد لا يستغرق الوقت الطويل الذي اعتقدوه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1138