العنصر الشاب وانقسام الديمغرافيا
رغم المحاولة لعدم الالتزام الحرفي بأدبيات الميل الديمغرافي، فمن الصعب تجاهل الإحصاءات المرتبطة بشرائح السكان الأكثر نمواً في العالم. في 2020 حاولت منظمة تدعى «منظمة السلام» أن تضع لائحة بأكثر الدول الواقعة في خطر الانزلاق نحو العنف والفوضى، والتي لا يمكن لبعضها أن تؤمّن أدنى الخدمات الأساسية لشعوبها. أغلب هذه الدول كانت على قائمة أكثر البلدان نمواً من الناحية السكانية. لدى جميع هذه الدول بنية عمر سكانية شابّة. ضمن هذه البلدان أفغانستان، والكونغو، والسودان، واليمن. في الواقع المتوسط العمري في أكثر 20 دولة هشّة في عام 2019 كان 18.95 عاماً.
ترجمة: قاسيون
كيف يمكن لحكومة أن تحكم بلداً نصف عدد سكانه من المراهقين؟ كيف يمكن لحكومة أن تطوّر الاقتصاد وتزوّد بالخدمات الأساسية ملايين من الشباب؟ أثبت هذا بأنّه تحدٍ للكثير من البلدان، ولهذا من الواجب تحليل العلاقة بين البنية العمرية وعدم الاستقرار. حين قامت الأحداث في تونس وأصبح اسم بوعزيزي مشهوراً. بالنسبة لدارسي الديمغرافيا ليس هذا بالأمر المفاجئ. وجد هنريك أودال في دراسة له بأنّ الدول التي يشكّل فيها الشباب 35٪ أو أكثر من السكان معرضة لخطر النزاعات أكثر بنسبة 150٪ من البلدان التي يشبه فيها هيكل السكان العمري الدول المتقدمة. لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يتمكّن الهيكل الديمغرافي من شرح أسباب الاضطرابات، ولكنّه قادر على شرح تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأساسية التي تمهّد الطريق للصراع.
يشير الهيكل العمري للشباب إلى أولئك الذين يكون لديهم عدد كبير من الأطفال في رأس الهرم. لكن نادراً ما يخرج الأطفال إلى الشوارع للاحتجاج، والذين يخرجون إلى الشوارع للتعبير عن أفكارهم علناً هم الشباب الذين يدخلون مرحلة البلوغ ويجدون بأنّ آفاق نجاحهم ضئيلة أو أنّ توقعاتهم لم تتحقق. لهذا السبب جذبت البنية العمرية للشباب اهتمام الباحثين. في البلاد التي تعاني من طفرة حقيقية في أعداد الشباب، مثل تونس في 2011، تكون نسبة المجموعات الأكبر سناً أو الأصغر سناً صغيرة نسبياً.
المجموعة التي يجب التركيز عليها هي التي يترواح عمرها بين 15 و29 سنة، والتي تصبح فاعلة بشكل متزايد في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إذا كانت مجموعة الشباب من هذه السن كبيرة، فمن المرجح أن نرى دوافع أو فرصاً محتملة للاضطرابات المدنية. لنفكّر في الأمر بهذه الطريقة، إذا كان عدد الأشخاص الذين ينضمون إلى قوة العمل ينمو كلّ عام، فلا بدّ من خلق وظائف جديدة، وإلّا فإنّ معدّل البطالة سوف يرتفع إلى عنان السماء. لا يستطيع الشباب العثور على عمل أو تلقي التعليم، فما الذي سيفعلونه؟
يمكننا بالاعتماد على مثال تونس أن نصوغ مفهومين مهمين، الحرمان النسبي وتكلفة الفرصة البديلة. الشباب في تونس ليسوا في وضع جيد مثل الأجيال السابقة، ممّا يعني أنّ توقعاتهم للحياة لم تتحقق، ولهذا لديهم الحافز للتمرّد. لكنّ علم الجريمة يعلمنا أنّ الدافع ليس سوى جزء من المعادلة، أمّا الفرصة فهي شيء آخر تماماً. في تونس موارد العمل وفيرة، ولكن فرص العمل شحيحة. بالتالي فإنّ تكلفة الفرصة البديلة، وهي التمرّد، تصبح منخفضة. يمكننا أن نرى الدافع والفرصة يجتمعان للتفاعل مع البنية العمرية للسكان بالشكل ذاته في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة وذات بيئات وثقافات مختلفة، وفي الواقع هناك موقف شهير وكبير حدث بطريقة مماثلة قبل ثلاثة أرباع قرن من الزمن، ولكن الخلفية كانت مختلفة تماماً.
التمرّد والانتفاض بأشكال مختلفة
بعد الحرب العالمية الأولى، كان الشباب يشكلون النسبة الأكبر من السكان في ألمانيا، وكان المزيد منهم يأملون في الدخول إلى سوق العمل كلّ عام. هؤلاء الشباب ليس لديهم وظائف ولا أمل في المستقبل، لذلك يبحثون عن شخص أو مجموعة تلتزم جدياً بتحقيق رغباتهم. إنّهم ملائمون للفئة العمرية من السكان الذين يتسببون في صراع عنيف، ويتمتعون بالحافز والفرصة. في 1930، في مواجهة الكساد الاقتصادي، صوّت أكثر من 18٪ من الناخبين لصالح الحزب النازي. نتيجة لذلك، فاز الحزب النازي بـ 107 مقاعد برلمانية وأصبح ثاني أكبر حزب سياسي في ألمانيا. وعد هتلر ذات مرّة باستعادة مجد ألمانيا، وهو الوعد الذي لاقى صدى لدى الشعب الألماني وكان أكثر جاذبية للشباب ذوي الآفاق المسدودة.
من الناحية الديمغرافية الوضع رهيب، عدد العمّال في ذروته والاقتصاد في حالة ركود. في هذه الحالة لم يكن الشباب بحاجة إلى معارضة الدولة لتحقيق التغيير، وكانت تكلفة الفرصة البديلة لمعارضة الوضع الراهن منخفضة، لذا راهنوا على دكتاتورية هتلر آملين بأن يقودهم إلى مستقبل أفضل. يمكننا النظر إلى مثال آخر من منظري ديمغرافيي الثورة الإسلامية في إيران لعام 1979. في 1975، قبل أربع سنوات من الثورة، كان هناك 6.6 ملايين شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، ما يمثّل 37.7٪ من السكان البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً. على الرغم من العدد الكبير من الداخلين الجدد إلى سوق العمل كلّ عام، لم يقم شاه إيران بتوظيف الشباب في الأعمال كثيفة العمالة، بل ركّز بدلاً من ذلك على الأعمال كثيفة رأس المال، ما أدّى إلى نزوح الملايين من الناس العاطلين عن العمل.
أظهر الباحث الميداني إيريك هوغلوند في 1977 بأنّه باستثناء القرويين الذين يعيشون في أماكن شديدة القرب من المدينة، ترك ما بين 65 إلى 90٪ من سكان الريف قراهم متجهين نحو المدن. أغلب الذين هاجروا وتركوا قراهم في ذلك الوقت كانت سنّهم ما بين 15 إلى 16 عاماً، ليزيد عدد الذين نزحوا من قراهم والذين يترواح سنّهم ما بين 15 و19 عاماً بنسبة 3٪ سنوياً. في إيران تحت حكم الشاه، تمّ إنفاق 25٪ من موارد إيران على الأسلحة والمعدات التي لا تخدم بناء الاقتصاد.
تنطوي الأمثلة التي تحدثنا عنها على العنف، ولكنّ المقاومة العنيفة ليست هي النتيجة الوحيدة المحتملة عندما يشعر الشباب بالإقصاء. في بعض الأحيان يكونون قادرين على إحداث التغيير دون اللجوء إلى العنف، وذلك في حال تمكنوا من ذلك ضمن الهياكل التنظيمية التي تحكمهم. في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين تمّ تجنيد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عام للقتال في حرب فيتنام، ولكن لم يكن لهم الحق بالتصويت. جعلهم هذا غير راضين، إضافة إلى الغضب الشديد إزاء الجنس والعرق والوضع الاجتماعي. تمكّن هؤلاء من الضغط على المؤسسة القائمة ليحصلوا في عام 1971 على تخفيض سنّ التصويت من 21 إلى 18 عام. في 2018 نجح الشباب النيجيري في خفض الحدّ الأدنى للترشح إلى الرئاسة من 40 إلى 35 عاماً، وسن الترشح لمجلس النواب من 30 إلى 25، وبالنظر إلى أنّ متوسط العمر في نيجيريا هو 18 عاماً فقد أدّت التغييرات إلى منح نسبة كبيرة من النيجيريين الحق بالترشّح. سواء أكان ذلك في البلدان الفقيرة أو الغنية، تتأثر حياة الشباب بقدرتهم على الوصول إلى الفرص السياسية والاقتصادية، وقدرتهم على إحداث التغيير.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1139