العقوبات وخسارة الأمريكيين للشرق الأوسط
استعادت الدولة السورية مقعدها في جامعة الدول العربية بعد أنّ كانت عضويتها معلّقة في الجامعة منذ عام 2011. ومثلما مثّل تعليق العضوية بدايات تدويل الأزمة في سورية، وقدرة الأمريكيين على إنفاذ قرارهم عبر دول الجامعة الكبيرة، تمثّل العودة اليوم قطعاً مع سياسات الولايات المتحدة التي لم تخفِ عدم رضاها بما حدث، وربّما الأهم إشارته إلى قدرة الدول أمثال السعودية ومصر على عدم الانصياع لهذه السياسات. جاءت هذه العودة إلى الجامعة العربية بعد أسابيع فقط من الصفعة الأكبر لجوهر وجود الأمريكيين في المنطقة عندما تمّ الإعلان عن اتفاق سعودي إيراني برعاية الصين.
ترجمة: قاسيون
إنّ قيام السعودية وإيران بالتوافق بمساعدة الصين، وقيام كلّ من طهران والرياض بتعزيز علاقتهما مع روسيا، يعني بأنّ سدّ بكين وموسكو بات كبيراً كفاية لصدّ محاولات الأمريكيين لتخويف الجميع بالعقوبات والعزل، وهو الأمر الذي أسهم بكل تأكيد إلى قيام عدد متزايد من الدول بتسريع التحرّك العالمي للابتعاد عن الدولار، والابتعاد عن الفلك الذي تحتلّ واشنطن مركزه.
منذ آذار عندما أعلنت السعودية وإيران عن استئناف علاقاتهما بعد الوساطة من الصين، بدا واضحاً بأنّ السعودية– وهي الدولة التي لطالما عرفناها حليفة لواشنطن– لم تستشر الأمريكيين ولم تخبرهم باجتماعاتها في بكين مع الإيرانيين. بعد وقت قصير من الإعلان عن الاتفاقية ذهب مدير إدارة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز إلى السعودية، حيث نُقل عنه «إعرابه عن إحباطه من السعوديين»، حيث قال لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنّ الولايات المتحدة شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع إيران وسورية.
على الرغم من أنّ البيت الأبيض يدّعي اليوم بأنّه يدعم الاتفاقية الجديدة بين الرياض وطهران، فهذا الدعم في حقيقته ليس أكثر من اعتراف بأنّه لا يوجد لدى الأمريكيين الكثير للقيام به لإيقاف التيّار. في النهاية وعلى مدى عقود، كانت السياسة الأمريكية هي عزل طهران، وفي السنوات الأخيرة فرضت واشنطن عقوبات قاسية عليها، بما في ذلك حملة الضغط الأقصى التي شنّها ترامب والتي هدفت إلى شلّ إيران بشكل أكبر. لم تتخذ إدارة بايدن أيّ خطوات مهمة لعكس موقف ترامب، وبالتالي فإنّ انفتاح السعودية الجديد على إيران يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة، وليس من المعقول أن تكون واشنطن راضية بأيّ شكل من الأشكال عن هذا التغيير.
من وجهة نظر واشنطن، ازداد الوضع سوءاً هذا الشهر عندما أعادت جامعة الدول العربية قبول سورية، أيضاً على ما يبدو دون استشارة واشنطن. منذ عام 2011 فرضت الولايات المتحدة عقوبات مشددة على سورية على غرار إيران، وبالتالي فإعادة إدخال سورية إلى جامعة الدول العربية تتعارض أيضاً مع الجهود الأمريكية المستمرة لعزل الدولة السورية وإبقائها ضمن حالة مستمرة من عدم الاستقرار مثل قنبلة معدّة للانفجار.
كما تتعارض مبادرات السعوديين الجديد تجاه كل من سورية وإيران مع واشنطن لأنّ كلّاً من إيران وسورية حليفتان مهمتان لموسكو. مع فرض الولايات المتحدة اليوم عقوبات قاسية ضدّ روسيا، فإنّ أيّ شيء يساعد سورية وإيران سيكون من شأنه أن يصبّ في مصلحة حليفهما الروسي.
أظهر السعوديون والصينيون جهوداً متزايدة لإقامة علاقات مباشرة مع النظام الروسي أيضاً. أثناء القمّة الروسية الصينية التي عقدت في شباط 2022، أعلن كل من الطرفين عن تخطيطهما لإقامة علاقات أوثق. يبدو أن هذا لم يتغيّر حتى بعد عام من تصعيد الأعمال العدائية من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضدّ موسكو. في الواقع، من المحتمل أن تكون العلاقات بين روسيا والصين أقرب ممّا كانت عليه في أيّ وقت مضى في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي. من الواضح أنّ هذا يمثّل مشكلة لواشنطن، حيث تواصل الصين توفير سوق مهم للصادرات الروسية في مواجهة العقوبات الأمريكية. بذلت الدولتان أيضاً جهوداً للابتعاد عن الدولار الأمريكي وتسوية التجارة الدولية بعملات أخرى.
لا حلفاء للأمريكيين في المنطقة
قد يتمّ اعتبار تقارب روسيا والصين وإيران تحالفاً لأعداء الولايات المتحدة الذين كانوا دوماً يواجهون مشكلات مع سياسات واشنطن، ولكنّ الحديث عن السعودية مختلف. فالسعوديون اليوم باتوا أكثر من مستعدين للتعامل بلطف مع الروس والصينيين وغيرهم من أعضاء «محور الشر» بالنسبة لأمريكا. أصبحت السعودية أقرب إلى موسكو في أعقاب قيام الأمريكيين بفرض عقوبات على روسيا عشيّة بدء الحرب في أوكرانيا. كمثال، المملكة السعودية ودولة الإمارات– وهما اللتان كانتا تعتبران حتّى وقت قريب حليفتين شرق أوسطيتين للولايات المتحدة بلا جدال– لا تخجلان اليوم من استيراد أو تخزين أو تداول أو إعادة تصدير الوقود الروسي، وذلك على الرغم من الجهود الأمريكية الحثيثة للضغط عليهما وإقناعهما بالانضمام إلى حملة العقوبات ومنع مقاومة روسيا لها.
بعبارة أخرى: فشلت جهود الولايات المتحدة للضغط على العالم العربي أو إقناعه بالقيام بعزل روسيا، ناهيك عن أنّ العلاقات بين الشرق الأوسط وروسيا آخذة في التحسّن بشكل متزايد. يمكن ملاحظة ذلك في حقيقة أنّ منظمة البلدان المصدر للنفط «أوبك» - التي تهيمن عليها المملكة السعودية وأكبر منتجٍ فيها، لم تبدِ أيّ اهتمام بمساعدة الولايات المتحدة في حرب العقوبات ضدّ روسيا. بدلاً من ذلك، خفضت أوبك مستويات الإنتاج لرفع أسعار النفط، الأمر الذي يعود بالفائدة على موسكو. عارضت الولايات المتحدة هذه التخفيضات، والآن تحاول الفصائل المعادية لروسيا في الولايات المتحدة إيجاد طرق لمعاقبة أوبك على «افتقارها للحماس» للتعاون مع الجهود الأمريكية ضدّ روسيا.
في هذه المرحلة ظهر اتجاه واضح: مع محاولات الأمريكيين تشديد قبضتهم الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي من خلال العقوبات الاقتصادية، يبدو أنّ عدداً أقل من الدول في جميع أنحاء العالم مهتمون بالانضمام للأمريكيين. في الواقع يوفر انتشار العقوبات الأمريكية سبباً وجيهاً للدول الأخرى لزيادة الجهود لإقامة علاقات وثيقة بين بعضها البعض بمعزل عن الأمريكيين من أجل ضمان عدم الوقوع ضحية لسياسة الأمريكيين. في النهاية كانت الولايات المتحدة بلا ضوابط ويسهل عليها تهديد الدول «غير المتعاونة» بما يسمى العقوبات الثانوية على الدول التي تقوم بالأعمال التجارية مع الدول المُعاقبة، مثل سورية وروسيا. لقد كانت الولايات المتحدة صريحة في هذا الخصوص في شباط الماضي عندما نقلت سي.ان.ان: «الولايات المتحدة تكثّف جهودها لخنق الاقتصاد الروسي ووضعت أنظارها على الشرق الأوسط... وصل مسؤول كبير في وزارة الخزانة إلى الإمارات لتحذير مركز الأعمال الإقليمي من مساعدة موسكو في التهرّب من العقوبات، وقد تمّ تحذير الصين بطريقة مماثلة بالفعل».
لكن كما يبدو فحرب العقوبات الأمريكية المستمرة ضد نسبة متزايدة من سكان العالم لها تأثير معاكس. تهدد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على السعودية والصين، فيصبح كلا البلدين أكثر استعداداً للسعي إلى التعاون مع بعض الأنظمة التي هاجمتها واشنطن أكثر من غيرها. في الوقت الذي تتبّع فيه واشنطن سياسة فرّق تسد، تأتي بكين وتتوسط في صفقات لاستقرار المنطقة. مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية تقف حائرة فيما عليها أن تفعل، في الوقت الذي يستمر فيه صندوق أدوات الأمريكيين بالتركيز على العقوبات والعنف والضغط على الحلفاء قبل الأعداء. في هذا المشهد العالمي المتحرّك بسرعة، قد يصبح الواقع الجديد مقبولاً في جميع أنحاء العالم إلّا في واشنطن.
بتصرّف عن:
Thanks to Sanctions, the US Is Losing Its Grip on the Middle East
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1124