حتّى «آخر أوكراني».. الانطلاق نحو مرحلة جديدة في الحرب
فينيان كننغهام فينيان كننغهام

حتّى «آخر أوكراني».. الانطلاق نحو مرحلة جديدة في الحرب

الغرب يخسر في أوكرانيا، ولكنّه لم يخسر جميع أوراقه بعد، ولا يبدو بأنّه مقتنع بالهزيمة ويتجه نحو التصعيد. يعني هذا بأنّنا قد نتجه إلى أشكال أكثر تقدماً وتطوراً من الحرب، فأوكرانيا بيدق غربي لم يستنفذ كلّ إمكاناته في الحرب ضد روسيا بعد، والتقدّم الروسي يستفزّ الغرب ويجعل لعبة «عضّ الأصابع» تمضي إلى أقصى احتمالاتها. ضمن هذا السياق وبعد أيام فقط من الأخبار الصاعقة عن سيطرة القوات الروسية أخيراً على مدينة أرتيوموفسك «باخموت»، انطلق وزير الدفاع البريطاني: بن والاس، إلى كييف في زيارة مفاجئة هي على الأرجح حلقة أخرى في سلسلة «لم ينتهِ الأمر بعد» الغربية. لنتابع آخر التحليلات الإستراتيجية ذات الصلة مع مقال الصحفي الإيرلندي- البريطاني الشهير صاحب الجوائز فينيان كونغهام.

ترجمة: قاسيون

يصادف هذا العام الذكرى الثمانين لتحرير الجيش الأحمر السوفييتي مدينة أرتيوموفسك من الفيرماخت النازي والمتعاونين الفاشيين الأوكرانيين. هزّت موجات الصدمة الناجمة عن هزيمة نظام كييف المدعوم من حلف الناتو العواصم الغربية، ليكون مركز الاهتزاز في واشنطن ولندن، وهما الوجهان الأبرزان للحرب بالوكالة ضدّ روسيا.
الوزير البريطاني بن والاس، مثله في ذلك مثل نظيره الأمريكي لويد أوستن، على أهبة الاستعداد لدفع هذه الحرب الخطيرة بالوكالة قدماً. يأتي سقوط أرتيوموفسك بعد ما يقرب من تسعة أشهر من القتال العنيف والمضني، والذي يُعتقد– وفقاً لأكثر الأرقام تحفظاً– بأنّه كلّف ما يصل إلى 30 ألف قتيل عسكري أوكراني. إنّ هزيمة جيش الناتو بالوكالة، المسلح بشكل ممتاز، يقضي على الرواية الدعائية الغربية شديدة الانتشار التي تدعي بأنّ أوكرانيا ستنجح في نهاية المطاف ضدّ روسيا.
إنّ وصول والاس إلى أوكرانيا، وهو أحد أكثر السياسيين الغربيين حماسة للحرب في أوكرانيا– حيث توقّع نهاية العام الماضي أن تنتصر أوكرانيا على روسيا بحلول هذا الوقت، يحاول التعمية على الكارثة الشبيهة بفشل الناتو الذريع وخسارته في أفغانستان. فالأسئلة اليوم ستجد أصواتاً أعلى في الغرب لتنادي بها: ماذا عن جميع الأسلحة التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات التي نهبها لأوكرانيا؟ ستصبح ردّات فعل المراقبين أعتى على الرواية الغربية للنخب الحاكمة اليوم التي تقول: «سندافع عن أوكرانيا مهما كلّف الأمر».
ربّما من هذا المنطلق، تزامنت الزيارة البريطانية– كنوع من الضرورة في التحوّل الإعلامي– مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن المنعطف في الموقف الأمريكي وبكون الولايات المتحدة تعطي الضوء الأخضر لتزويد أوكرانيا بطائرات إف-16 أمريكية الصنع. شهدنا بعد ذلك العبور «الجريء» حين شنّ المسلحون النازيون الجدد في أوكرانيا هجوماً على منطقة بيلغورود الروسية، والتي يبدو أنّه تمّ إعدادها بدعم من الولايات المتحدة.
جاء بعد ذلك وصول وزير الدفاع البريطاني إلى كييف في «زيارة غير معلنة»، لتشي الطبيعة المتسرعة والمرتجلة لهذه الزيارة بمدى الانزعاج والأعصاب المشدودة التي تواجه واضعي خطة حرب الناتو. في كييف التقى البريطاني بنظيره الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف. ريزنيكوف هو جزء من العصابة الفاسدة التي تحيط بالرئيس الدمية زيلينسكي، والذي كان يسرق الملايين من خط أنابيب أسلحة الناتو. يمكن الافتراض باقتناع تام بأنّ الجرذان الأوكرانيين في الحكم يبحثون بعصبية هذا الأسبوع عن سفينة أخرى تحملهم بعد أن بدا بأنّ سفينتهم الحالية قد وصلت إلى نهايتها.
الوزير البريطاني شخصيّة من الصقور ممّن كانوا يدعمون علناً تسليح أوكرانيا حتّى النخاع. ولهذا فوصوله إلى أوكرانيا في هذا التوقيت يهدف إلى ضخّ نوع من الارتياح والاستقرار لدى النظام المدعوم من الناتو بعد سقوط أرتيوموفسك. أوردت التقارير أنّ والاس تحدّث مراراً عن صواريخ كروز التي سلمتها بريطانيا إلى أوكرانيا مؤخراً، والتي تمّ استخدامها للإطلاق ضدّ مراكز مدنية في روسيا. وفقاً للقوات الروسية، فقد تمّ إسقاط الكثير من الصواريخ الأوكرانية، ولهذا لا شكّ بأنّ السياسي/الجندي البريطاني قد أطلق وعوداً لنظام كييف بالمزيد من «الأشياء الجيدة» كما وصف ريزنيكوف الصواريخ في وقتٍ سابق.

أيّ شيء لإبقاء الجبهة مشتعلة

الأمر الآخر الذي يستحقّ التوقّف عنده في التطورات الأخيرة هو نقاش عضوية أوكرانيا في الناتو والعمل على تسريعه، حيث يتوقّع وضع هذا الأمر في جدول أعمال مؤتمر فيلينوس الذي سيُعقد في تموز. بالنسبة لمعظم المراقبين من غير المرجّح أن يحصل نظام كييف على القبول في أيّ وقت قريب، حيث ستتمّ دوماً معارضة ذلك بدواعي الحرب الدائرة والفساد المستشري في البلاد. يجعلنا هذا ندرك بأنّ القصد من كلّ هذا الهراء الذي قاله والاس عند زيارته لكييف هو محاولة إعطاء دعامات استقرار للنظام هناك، مهما كلّف ذلك من أكاذيب.
يتوقّع أن يتولى الوزير البريطاني دور ينس ستولتنبرغ في الناتو، حيث من المقرر أن يترك الأخير منصبه كأمين عام للحلف في تشرين الأول القادم. من المؤكد أنّ المرشح البريطاني لمنصب الناتو قد أظهر عدوانية مثيرة للإعجاب والتزاماً بإثارة الحروب الغربية ضدّ روسيا والصين. يبدو أنّ كلمات والاس حول عضوية الناتو في كييف هذا الأسبوع كانت بمثابة طمأنة للنظام في لحظاته الأكثر هشاشة، مستفيداً من كونه رسولاً محتملاً للناتو وليس فقط لبريطانيا.
لكن هل يكفي هذا لإيقاف الشعور الغربي– خاصة في أوروبا– بأنّ إستراتيجية واشنطن ولندن في أوكرانيا في حالة تعثّر؟ إنّ روسيا لا تنهار لا بسبب الحرب العسكرية ولا الاقتصادية التي يخوضها الغرب، بل في الواقع هي تستمر في الابتعاد عن مثل هذه السيناريوهات بارتفاع تجارتها مع الصين وبقيّة العالم. على الجبهة العسكرية، يمكن أن يكون اختراق القوات الروسية في أرتيوموفسك منعطفاً محورياً في الحرب التي بدأت منذ 15 شهراً، ويبدو أنّ الاستنزاف المالي والعسكري للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لا يمكن تحمّله.
إنّ تزايد الإدراك لدى الجمهور الغربي بأنّ هذه الحرب لا طائل منها وبأنّها ما كان يجب أن تحدث منذ البدء، يجعل موقف واشنطن ولندن محرجاً. كان بالإمكان تجنّب كلّ هذا السيناريو لو قامت واشنطن ولندن وبروكسل بالانخراط مع روسيا لحل المخاوف الأمنية عبر السياسة والدبلوماسية، لكنّ الغرب رفض بغطرسة القيام بذلك، والنتيجة في أوكرانيا لا تجعل المدافعين عن وجهة النظر هذه قادرين على تبرير إستراتيجيتهم بشكل جيّد.
النظام الذي سلحته واشنطن ولندن يظهر ألوانه الحقيقة للفساد المستشري والإرهاب النازي. القصف المدمر لمدينة أرتيوموفسك حالياً نتج عن استخدام وكلاء الناتو للمراكز المدنية كغطاء عسكري بالطريقة الشيطانية نفسها التي فعلوها في ماريوبل المطلّة على البحر الأسود، وهي المدينة المحررة اليوم. محاولات زيلنسكي وداعميه التي شهدنا آخرها في قمة مجموعة السبع لإجراء المقارنات مع هيروشيما وإلقاء اللوم على الروس لن تصمد في النهاية أمام الحقيقة، فوكلاء الناتو هم الذين هدموا المدينة من خلال تحويل الشقق إلى حاميات، وهم الذين استخدموا المدنيين كدروع بشرية.
لكن اليوم وبعد عام من وضع القوات الروسية يدها على ماريوبل، عادت المدينة إلى السلام والازدهار ببناء كتل جديدة كاملة من الشقق والمباني المدنية الأخرى، وبالمثل سوف تتعافى أرتيوموفسك. عندما يُهزم النظام النازي الأوكراني المدعوم من حلف الناتو، ومهما طال ذلك، سيكون أشخاص مثل بن والاس مسؤولين عن جرائم حرب، وقد تدقّ مطرقة القضاة لمحاكمتهم.

بتصرّف عن:
Operation Stiff Upper Lip

معلومات إضافية

العدد رقم:
1124