كلّ ما هو جيّد اليوم في روسيا هو سوفييتي الأصل
يصادف كانون الأول 2022 مرور 100 عام على تأسيس الاتحاد السوفييتي. لا توجد احتفالات وطنية بهذا الحدث في الاتحاد الروسي، ومع ذلك فهذه هي الذكرى السنوية لانتصار الشعب. قبل مئة عام أصبحت روسيا الدولة الأكثر حرية وديمقراطية وتقدمية على هذا الكوكب. كانت الحقوق والفرص التي حصل عليها المواطن العادي في الاتحاد السوفييتي غير واردة ببساطة لأي شعب في ذلك الوقت.
ترجمة: قاسيون
لأول مرة في تاريخ روسيا حصل ملايين الأشخاص– نساء ورجال– على فرصة التصويت والترشح لمنصب ما بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة. في الدول الغربية خلال تلك السنوات كانت هذه الحقوق محدودة للغاية، وتخضع لقيود متنوعة مثل الملكية والعمر والمؤهلات الأخرى.
حصلت النساء في روسيا على الحق في التعليم العالي والأجور المتساوية مع الرجال. في بريطانيا العظمى، «معقل الديمقراطية» إذا جاز التعبير، مرّ نصف قرن قبل السماح للنساء في الدراسة في جامعات أكسفورد وكامبريدج.
حصل مواطنو الاتحاد السوفييتي على الحق بالعمل والأجر اللائق، فلم يكن يعرف السوفييت ما هي البطالة إلّا ما كانوا يشاهدونه في التقارير الإخبارية. ولا يمكن أن ننسى مقدار الحزم السخية المتممة لرواتب المواطنين: الإجازات السخية، والرعاية الطبية المجانية، والسكن المجاني، إضافة إلى النقل والنفقات المجتمعية الأخرى التي تم تقليلها عبر الإعانات الحكومية. أضف إلى ذلك جميع أنواع المزايا المتاحة مجاناً: قسائم السفر وتذاكر المسرح والهدايا من اللجان النقابية والعديد من الأشياء الممتعة التي لا يمكن حتّى لمدير كبير في مؤسسة أن يتباهى بالحصول عليها.
كان الاتحاد السوفييتي هو المكان الأفضل لديمقراطية الشعب ضمن سوفييتات نواب العمال والفلاحين، ليشكل نموذجاً أوسع تمثيلاً بكثير من نماذج تمثيل النخب الاقتصادية وعشائر رجال الأعمال.
قطعت الدول الغربية العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السوفييتية الفتية بدافع الخوف، فقد ظنّت نخبهم «ماعاذ الله» أنّ شعوبهم قد تريد الأمر ذاته لأنفسهم. لكن تدريجياً أصبحت الإنجازات الاجتماعية السوفييتية تُتبنى بحكم الضرورة على نطاق أوسع. لعقود من الزمن أصبحت السياسات الاجتماعية للاتحاد السوفييتي هي المعيار الذهبي للعالم المتحضر بأسره. بدأت تحت ضغط الاحتجاجات العمالية وتهديد الثورات حقوق التصويت والإجازات المدفوعة تظهر في بلدان أخرى. رفعت أوروبا نفسها بشكل تدريجي– ولم تشمل جميع النواحي– إلى مستوى الضمان الاجتماعي واحترام حقوق المواطنين. وخلال هذه السنوات لم تتوقف القوى الغربية عن إزعاج السوفييتيين «بحقوق الإنسان».
في الولايات المتحدة لم يتم حتى الآن معادلة إنجاز السوفييت الذي تحقق منذ عقود عديدة في إجازة الأمومة مدفوعة الأجر، ناهيك عن أنّ بعض القطاعات مثل عمال السكك الحديدية لا يحصلون على إجازات مرضية، ما عنى مؤخراً رفض مجلس الشيوخ الأمريكي إضراباتهم وتهديدهم بأنّ عملهم غير قانوني.
تمّ في الثمانينيات إخبار الشعب الروسي عن عدم كفاءة الإدارة الاشتراكية وأُدخلت في وعيه العام، ولكن بعبارات ملطفة. كان هذا غير صحيح على الإطلاق. تخبرنا الإحصاءات الجافة بأنّ الاقتصاد السوفييتي نما بمعدل تجاوز 10٪ سنوياً لمدة 30 عاماً على التوالي. لا توجد دولة واحدة في العالم الحديث تقترب حتى من هذا الإنجاز. علاوة على ذلك فعل الاتحاد السوفييتي كلّ هذا بينما كان يخضع لعقوبات شديدة للغاية، وتحمّل صراعات مسلحة متكررة وخصص موارد هائلة للفوز في الحرب العالمية الثانية.
قد يقول كثيرون بأنّ الإنجازات السريعة التي حققها الاتحاد السوفييتي كانت بسبب نقطة انطلاقه البدائية بالمقارنة مع الدول الأكثر ثراء في ذلك الوقت. لكن قبل عام 1917 بذلت الحكومة القيصرية عدّة محاولات متعثرة لتحسين الظروف الاجتماعية وثبت أنها غير قادرة على القيام بذلك، بينما نجحت الحكومة السوفييتية في ذلك خلال وقت شديد السرعة.
ذكر ألكسندر غالوشكا في كتابه «بلورة النمو: نحو معجزة اقتصادية روسية» كيف أنّ علماء الاجتماع الألمان أجروا الحسابات الأولية التي توضح أنّ تخطيط العمليات الاقتصادية على نطاق وطني يزيد بشكل كبير من كفاءة الاقتصاد. لكن في أواخر القرن التاسع عشر لم يكن هناك من يطبّق هذه الفكرة. لا يمكن إعادة توجيه الآليات الصدئة للأنظمة الملكية الأوروبية لتحقيق هذه الغاية، بينما في بلدان الرأسمالية المتوحشة مثل بريطانيا والولايات المتحدة، لم يكن الاقتصاد فحسب، بل الحياة كلها رهينة الحرب الطبقية الأبدية. الكل ضد الكل، الناس في هذه البلدان لا يستطيعون ببساطة تصور محاولة بناء دولة حديثة على أسس العدالة الاجتماعية.
منذ بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، خفضت الحكومة السوفييتية بانتظام أسعار فئات مختلفة من السلع – وفعلت ذلك بسخاء، وأحياناً بعشرات٪. كانت التخفيضات الستالينية الشهيرة في الأسعار ما بين 1947 و1953 هي نقطة الذروة. نمت الرواتب وتعزز الروبل، بينما أصبح اعتماده على العملات الأجنبية أضعف.
بالنسبة للذين يحبون السخرية من المسؤولين السوفييت: أنصحك بقطع الكهرباء ورؤية كيف تحب ذلك، فالكهرباء جلبها البلاشفة، وتم التوقيع على المراسيم المرتبطة بالموضوع من قبل لينين وستالين شخصياً. يجدر بنا أيضاً إطفاء المياه الساخنة في الحمام، لأنّ البلاشفة هم الذين توصلوا إلى فكرة بناء شبكات مجمعات سكنية مجانية لسكن العمال مجهزة بجميع وسائل الراحة التي كانت في السابق مخصصة لأصحاب الثروات. لا تنسى أيضاً إيقاف التدفئة المركزية، والمترو، والمواصلات العامة، ونظام التعليم والرعاية الصحية والرياضة.
لم يعرف أجداد الروس تعبير «الحركية الاجتماعية» لكنّهم عاشوه على مدى عقود. في الاتحاد السوفييتي يمكن لأي فلاح أن يتحرك منذ صغره في السياق الطبيعي للأحداث ليكبر ويصبح فيلسوفاً أو جنرالاً في الجيش أو أستاذاً أو طبيباً أو وزيراً حكومياً.
من الحقائق المذهلة اليوم أنّه في ميادين العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لا يزال الجيش الروسي يستخدم المعدات والقذائف التي تمّ إنتاجها في الاتحاد السوفييتي. إنّها أسلحة بسيطة ورخيصة وغير قابلة للتدمير، وهناك منها إمدادات لسنوات. عندما ننظر إلى البسالة التي يقدمها الجيش الروسي في أوكرانيا، يجب ألا ننسى أنّهم قاتلوا ليس فقط من أجل أرضهم، بل من أجل حريتهم وحقوقهم ورفاههم، ناهيك عن ذلك، زود الاتحاد السوفييتي الروس «بقوة ناعمة» يضرب بها المثل. لا يزال لينين هو النجم من الطراز العالمي، فالاشتراكية لا تزال مصدر إلهام لمليارات الأشخاص في العديد من البلدان. هذا الإرث غير الملموس للاتحاد السوفيتي يقدم اليوم للروس مساعدة هائلة على المسرح العالمي، ما يسمح لروسيا بمواجهة محاولات تشويه صورتها.
قبل عام أشار الرئيس بوتين إلى أنّ النموذج الرأسمالي للتنمية قد استنفد نفسه. اليوم باتت هذه الفكرة أكثر أهمية لأنّ الرأسمالية البالية شدتنا من الحلق، وتحاول جرنا إلى قبرها. كلنا ننتظر الأزمة الاقتصادية، أو «العاصفة العالمية» التي توشك أن تندلع علينا في المستقبل القريب. علينا الاستعداد لذلك، وكما اتضح فلدينا تجربة فريدة في بناء الاشتراكية. الذكرى المئوية للاتحاد السوفييتي مناسبة جيدة للتفكير بوسائل للاستعداد.
بتصرّف عن:
Today’s Russia is upholding the best of the Soviet legacy
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1102