على تايوان أن تخشى حلفاءها وسحبهم مزاياها
إنّ الدور الذي تلعبه تايوان بوصفها محميّة للغرب، يعني أنّها دوماً تواجه احتمال قيام الصين باستعادتها بشكل عسكري، ناهيك عن أوقات التوترات. ولكن إذا ما تغاضينا عن هذا الاحتمال، فتايوان اليوم مهددة بسبب الغرب الذي صنعها في المقام الأول، حيث إنّ التغييرات العالمية تظهر أنّ أوروبا وأستراليا لا يريدان تعكير علاقتهما مع الصين في سبيل تايوان، وأنّ الولايات المتحدة قد تسلب من تايوان أحد أهمّ مزاياها وتتركها كما تركت غيرها.
من الواضح أنّ الولايات المتحدة تكثّف أنشطتها في تايوان اليوم، فهي تريد كسب ما يكفي من رأس المال السياسي لإبقاء الجزيرة غارقة في الدين الأمريكي. يصبح هذا منطقياً وفقاً للعديد من العوامل أبرزها نتائج الانتخابات التايوانية الأخيرة، حيث من المتوقع أن يقوم حزب كومنتانغ بتشكيل حكومة تايوانية، وهم الذين عند مقارنتهم بالحزب التقدمي الديمقراطي الذي حكم في السنوات الماضية، أقلّ ميلاً للانصياع لواشنطن ويحملون موقفاً أكثر إيجابية تجاه علاقات ثابتة مع البر الرئيسي الصيني.
سحب مزايا تايوان منها
في الحقيقة قد يكون موقف أيّة حكومة في تايوان في المرحلة المقبلة أن تحمل شكوكاً تجاه ما تخبئه واشنطن للجزيرة. في الفترة الأخيرة ركزت واشنطن على تعزيز العلاقات مع تايوان في مجال قطاع التكنولوجيا الفائقة، وتحديداً صناعة الرقاقات التي تتمتع هذه الأيام بالأولوية لدى جميع الدول التي تملك قدرات تصنيعية. إنّ مجرّد التفكير في نقص الرقاقات وتوريداتها وتأثيراته جعل الكثير من الدول تضع في أولوياتها تخطي هذا النقص وتفاديه. الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر هلعاً من هذا النقص ومن تخلفها المحتمل عن الصين في هذا المجال، وفرض العقوبات المستمر على قطاع التكنولوجيا الفائقة الصيني ليس إلّا تعبيراً عن هذا الهلع الأمريكي من عدم قدرتهم على مواكبة الابتكار.
تملك تايوان اليوم مصنع TSMC، وهو أكبر مصنع رقاقات في العالم وأكثرها تطوراً. إنّ استمرار عمل هذا المصنع مهمّ للجميع في الواقع وليس فقط للولايات المتحدة، فرغم أنّ تايوان ومصنعها يأتمران بأمر واشنطن، فهناك الكثير من الحسابات لدى بكين فيما يخصّ المصنع التايواني الذي يملك عقوداً وفروعاً في البر الرئيسي الصيني، يجعل بكين مهتمة باستمراره بالعمل.
لكنّ واشنطن تريد تحرير نفسها من الاعتماد على موردين أجانب لمنتج شديد الأهمية لجميع الصناعات الحديثة المدنية والعسكرية كالرقاقات. لهذا السبب أبرمت الإدارة الأمريكية السابقة عقداً بقيمة 12 مليار دولار مع شركة TSMC لبناء مصنع رقاقات في ولاية أريزونا الأمريكية. كما ذكرت التقارير الإعلامية أنّ واشنطن ستوقع عقداً لمصنع ثانٍ في الولايات المتحدة، رغم أنّ المصنع الأول الذي كان من المقرر أن يتمّ تشغيله في عام 2025 قد تم تأجيله لمدة عام وألغيت زيارة الرئيس بايدن لافتتاحه في كانون الأول هذا العام 2022.
ليست الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تريد إيقاف الاعتماد على بلدان أخرى، ربّما اليابان هي الأكثر رغبة في ذلك حيث بدأت بالفعل الحكومة اليابانية – بغض النظر عمّا إن كانت ستنجح أو لا – بتخصيص أموال طائلة لدعم بناء مصانع رقاقات في أراضيها واستقطاب الخبرات القادرة على الابتكار. يعني هذا أنّه من المتوقع أن تجد الشركة التايوانية نفسها في منافسة على العمالة والخبرات، خاصة أنّها ستضطر لإرسال أشخاص ومهندسين وفنيين إلى الولايات المتحدة لبناء المصنع هناك، الأمر الذي قد يمهّد الطريق لإنهاء الشركة التايوانية على الأراضي التايوانية بشكل تام «يعمل في المصنع التايواني اليوم 50 ألف عامل»، أو بأحسن تقدير تحويله إلى منشأة رديفة للإنتاج والابتكار في أماكن أخرى.
تايوان كمؤشر دبلوماسي
على الجانب الدبلوماسي تستمر الوفود الأمريكية بزيارة تايوان، ويمكننا أن نتوقع أن يستمر التنسيق وخاصة في مجال توريد الأسلحة الأمريكية، أو إبرام اتفاقيات تجارية. ومن المتوقع أن نستمع للتحليلات الغربية الفارغة ذاتها بشأن هذه الزيارات.
كما أنّ أوروبا ترسل وفوداً إلى تايوان بشكل متكرر. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومات الأوروبية «الوازنة» على عكس بعض الدول المتهورة من أوروبا الشرقية، والتي لا تملك الكثير لتخسره، تحاول الإبقاء على إمكانية الحفاظ على علاقات تجارية جيدة مع الصين مفتوحة. لهذا تحرص هذه الدول على إرسال وفود تحوي برلمانيين ليسوا جزءاً من الإدارات الرسمية في الدولة.
تقف بريطانيا كاستثناء هنا، حيث تتسق زيارة وزير التجارة الدولية غريغ هاندز مع تصريحات رئيس الوزراء الجديد ريتشي سوناك عن نوايا القطع وتوتير العلاقات مع الصين، وعلى الأغلب يصبح تعزيز العلاقات الرسمية بين بريطانيا وتايوان مؤشراً على النوايا البريطانية.
في السياق ذاته يمكن الحكم على قيام الوفد البرلماني الأسترالي برحلة لمدّة أسبوع إلى تايوان بدءاً من 5 كانون الأول، والتي أجبرت رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيز إلى إصدار «تفسير» لموقف حكومته فيما يتعلق بهذه الزيارة. لكن وخلافاً لوفود الدول الأوروبية، كان الوفد الأسترالي يضمّ ممثلين عن كلّ من الائتلاف الحاكم يصحبهم ممثلون عن حزب المحافظين المعارض.
لكن وعلى عكس أوروبا، فأستراليا شريك اقتصادي وقوة إقليمية هامة بالنسبة للصين، ولهذا تزداد حساسية بكين تجاه أيّ عمل أسترالي يتضمن تايوان. لهذا أجبر رئيس الوزراء الأسترالي أن يقدّم تفسيره لهذه الزيارة. يعود ذلك بشكل رئيسي إلى أنّ تحالف يسار الوسط الذي استلم السلطة في أستراليا منذ أيار الماضي قد نجح على خلفية إعلانه استعداده لعكس التدهور في العلاقات مع الشريك التجاري الأبرز: الصين، وهو التدهور الذي حصل خلال عشرة أعوام من وجود حكومة المحافظين في السلطة نتيجة انضمام أستراليا إلى جميع المبادرات المناهضة للصين مثل AUKUS والرباعية.
إذا ما أخذنا كلّ هذا بالحسبان، يصبح خطاب رئيس الوزراء الأسترالي في آخر لقاء لمنتدى «الشراكة الاقتصادية بين آسيا والهادئ APEC» منطقياً، حيث تحدّث مؤكداً عن أنّ انضمام تايوان إلى مجموعة التجارة الإقليمية «الاتفاق الشامل والتدريجي للشراكة عبر الهادئ CPTPP» غير وارد، لأنّ عضوية هذا الكيان ستكون حكراً على «الدول المُعترف بها دولياً».
إنّ أكثر إنجاز حققته الحكومة الأسترالية ذات «الميل اليساري» التي بقيت ما بين 2008-2013، كان بناء علاقات إيجابية مع الصين، حيث أدركت مدى أهميّة الصين لأستراليا كشريك تجاري واقتصادي إقليمي. وقيام الحكومة الحالية– رغم الأعباء التي ورثتها من الحكومة السابقة- بإعادة تجديد هذه العلاقات ورفض دعم تايوان بهذه الصراحة يعني توجيه ضربة أخرى إلى «الغرب المجتمع»، وتحذيراً لجزيرة تايوان بأنّها تفقد من كانوا يُعتبرون حلفاءها.
إنّ قوّة تايوان وأهميتها المعاصرة بالنسبة للغرب– وتحديداً الولايات المتحدة– تأتي من مكانين: مصنع الرقاقات، والتوتير عند حدود الصين. فإن خسرت تايوان هذين الامتيازين بنقل المصنع خارجها، وبتراجع القدرة الغربية على التوتير، سيعني هذا أنّ أيام تايوان «كمحمية» غربية ستنتهي وتدفع بعدها الثمن وحدها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1101