هل العالم متعدد الأقطاب هو حلم البروليتارية؟
غريغ شوباك غريغ شوباك

هل العالم متعدد الأقطاب هو حلم البروليتارية؟

بات من الشائع أن نقول بأنّ نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب آخذ في الظهور، نظاماً سيحلّ محل القائم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، والذي سيطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يواجه أيّة تحديات جادة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. تشير هذه الفرضية إلى أنّه مع ازدياد قوة دول بريكس، ومع ازدياد حدة الأزمة الإمبريالية التي تمثّل الولايات المتحدة رأس هرمها، فإنّ قدرة الطبقة الحاكمة الأمريكية على إملاء الشؤون العالمية ستكون مقيدة أكثر بكثير ممّا كانت عليه قبل عقود.

ترجمة: قاسيون

تشمل الأدلة على وجود عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد مبادرة الحزام والطريق الصينية كمثال، وهي مشروع طموح بشكل مذهل للمصالح المتبادلة يشمل معظم العالم. تستلزم التعددية القطبية أيضاً من دول بريكس إنشاء بدائل متعددة الأطراف لمؤسسات إجماع واشنطن– بما في ذلك منظمة التجارة العالمية– واستخدامها للتعاون مع بعضها البعض. على سبيل المثال، عززت الصين وروسيا علاقاتهما على المستوى الثنائي ومن خلال منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تشمل الهند أيضاً في عضويتها وتعدّ المؤسسة الواعدة في العالم متعدد الأقطاب.
الوجه الآخر هو التناقضات التي تواجه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. يشير الخبير الاقتصادي مايكل هدسون إلى أنه في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا أزمة طاقة في أعقاب العقوبات الأمريكية على روسيا، فإن «انخفاض قيمة اليورو سيقلل من قيمة الاستثمارات الأمريكية في أوروبا وقيمة الدولار لأية أرباح قد تستمر هذه الاستثمارات في تحقيقها مع انكماش الاقتصاد الأوروبي. لذلك ستنخفض الأرباح المعلنة للشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة».
إذا قررت الدول الأوروبية الابتعاد عن الولايات المتحدة والبحث عن شركاء في مكان آخر «منظمة شنغهاي للتعاون كمثال»، فإن ذلك يسرع من الميل نحو التعددية القطبية.
إذا أصبح النظام الدولي متعدد الأقطاب، فسيتم تشكيل طابع هذا النظام بشكل عميق من خلال استقطابات القوة المستمرة داخل بلدان BRCIS في السنوات القادمة ومواقفها متعددة الأوجه على المسرح العالمي. على سبيل المثال، للبرازيل بقيادة لولا آثار دولية مختلفة عن البرازيل بقيادة بولسونارو: من الواضح أن فوز لولا أفضل من بولسنارو، رغم أن ذلك لا يخفف من الدور المؤذي للبرازيل في هايتي خلال رئاسة لولا الأولى.
في الوقت نفسه، تتمتع الهند بحكومة يمينية شوفينية، لكن ميزان القوى الاجتماعية في البلاد في حالة تغير مستمر كما أثبتت احتجاجات المزارعين الضخمة العام الماضي، ناهيك عن عشرات الآلاف من «الناكساليين-الماويين» الذين يقاتلون قوات الحكومة المركزية في المناطق الغنية بالمعادن، أو الجبهة اليسارية– الشيوعية إلى حد كبير– التي تحكم ولاية كيرالا. طالما بقيت السياسات الداخلية لدول البريكس غير محددة، فإن ما تعنيه التعددية في الممارسة يبقى محل خلاف.

لنتمهّل قليلاً!

بالرغم من ذلك، سيكون من الخطأ المبالغة في تقدير المدى الذي يكون فيه العالم متعدد الأقطاب أو في اليقين ممّا يعنيه وصول هذه اللحظة. لا يزال الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم. تمتلك الولايات المتحدة ما يقرب من 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة على الأقل. الصين لديها واحدة، ووفقاً لمؤسسة جيمس تاون التابعة للصقور، تمتلك روسيا 21 قاعدة، جميعها باستثناء عدد قليل منها داخل الفضاء السوفيتي السابق. تمتلك أمريكا إلى حد بعيد النصيب الأكبر في العالم من إجمالي الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم: يمثل البنتاغون 38٪، بينما تبلغ حصة الصين 14٪، ونسبة 3.1٪ لروسيا. بينما يُقدر أن لدى روسيا مخزوناً من الأسلحة النووية أكبر من مخزون الولايات المتحدة، فإن لدى الولايات المتحدة عدداً أكبر من الأسلحة النووية المنشورة بالفعل على الصواريخ العابرة للقارات وفي قواعد القاذفات الثقيلة «الإستراتيجية المنتشرة» أو التي يتم نشرها في قواعد ذات أنظمة إطلاق قصيرة المدى تشغيلية «المنتشرة غير الإستراتيجية»: لدى الولايات المتحدة 1744 منتشرة من هذا النمط، وروسيا لديها 1588. على الرغم من أن الصين والهند تمتلكان أسلحة نووية، إلا أنه من المعروف أن أياً منها ليس «إستراتيجياً منتشراً» أو «منتشراً غير إستراتيجي». في المحصلة، لا تزال الولايات المتحدة لديها الأفضلية العسكرية من الناحية النظرية.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الطبقة الحاكمة الأمريكية لا تتخلى عن السيطرة سلمياً: لنشاهد على سبيل المثال: الخنق القاسي للسكان المدنيين الأفغان الذي فرضته الولايات المتحدة من خلال العقوبات بعد طرد قواتها العسكرية من البلاد. يحدث الشيء نفسه للشعوب التي تعيش في الدول– التي على الرغم من الصراعات الداخلية فيها ووجود نخب تابعة للأمريكيين– تستمر في الصمود ضد إملاءات الولايات المتحدة. إن أردنا إعطاء قائمة جزئية فقط، يواجه الكوبيون والإيرانيون والسوريون والفنزويليون عقوبات قاتلة، وأشكالاً أخرى من العدوان الإمبريالي. في حين أن مدى وطبيعة التعددية القطبية يظل غير مؤكد، إلا أن المؤكد هو أن النظام القديم لن يسقط دون أن يريق حكامه الكثير من الدماء في محاولة للتشبث بالسلطة.

القدرات الإنتاجية

باختصار: التعددية القطبية ليست ثورة بروليتارية. لكن سيكون من الاختزالي أيضاً افتراض أن مثل هذا التحول العالمي يعني بالضرورة استبدال إمبريالية استغلالية بأخرى. نشرت الموجات المتتالية من تطور المنافسين– بريكس والاقتصادات الناشئة الأخرى– قوة إنتاجية على نطاق أوسع ممّا كان في أيّ زمن، وبحلول القرن الحادي والعشرين باتت هيمنة القطب الواحد مستحيلة بسبب هذا الاتساع في القوة الإنتاجية. لكن لم تنتهِ الإمبريالية بعد: فكلّما زادت الدول قوة إنتاجية، ستحاول نخب العالم أحادي القطب أن تخلق المزيد من التنافس الذي يصبّ في صالحها. سيحاولون أن يجعلوا المنافسين أكثر عدداً ولكن أقلّ قوة.
لكن من خلال نشر القوة الإنتاجية على نطاق أوسع بين الأقطاب الأكثر عدداً والأقل قوة، سيكون لدى الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم– لا سيما في دول الجنوب العالمي– القدرة على التطور بشكل مستقل عن الامتيازات الأمريكية وتأثيرها.
إن أردنا الحديث بشكل مباشر، فمن الشروط الضرورية لتحقيق الاشتراكية: تفكيك النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. لطالما سعت الإمبريالية الأمريكية لسحق كلّ منظمة اشتراكية وصلت إلى السلطة أو اقتربت منها. وعندما لم تتمكن هذه الإمبريالية من تحقيق نجاحات كاملة، عمدت إلى إلحاق أضرار جسيمة، وقيدت الخيارات المتاحة للحركة الاشتراكية الصاعدة.
من غير المرجح أن يؤدي استبدال النظام الذي تقوده الولايات المتحدة بنظام يركز على القوى الرأسمالية الأخرى، إلى تعزيز الاشتراكية على نطاق عالمي. ومع ذلك، سيكون تعدد الأقطاب تطوراً مرحّباً به بقدر ما يمكّن العمال في جميع أنحاء العالم من الحصول على مساحة أكبر لانتزاع المكاسب التي ترفع من مستويات معيشتهم وسلطتهم السياسية.
يعتمد ترسيخ مثل هذه الظروف على انتصارات الطبقة العاملة داخل وخارج ما لا يزال يمثل مركز الإمبريالية. تعطي مثل هذه التطورات للعمّال فرصة بناء مجتمعات أكثر عدلاً ضمن سياق نظام دولي أكثر عدلاً. يجب أن يُنظر إلى التعددية القطبية على أنّها فرصة محتملة يعتمد تحقيقها على تنظيم العمال من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.

بتصرّف عن:
Are we seeing the return of a multipolar world?

معلومات إضافية

العدد رقم:
1096