الأمريكيون يسعون إلى سدّ نقص المعادن من كندا
أوين شالك أوين شالك

الأمريكيون يسعون إلى سدّ نقص المعادن من كندا

مع ارتفاع الأسعار في أعقاب الحرب في أوكرانيا وبحث أوروبا عن بدائل لموارد الطاقة الروسية، كان العديد من السياسيين البارزين في الغرب يدافعون عن الانتقال إلى الطاقة المستدامة. وفي الوقت الذي تترك كلمات الدول الغربية صدى أعلى بكثير من أفعالها في هذا الصدد، فتصريحاتها تلقى ترحيباً من المسؤولين في صناعة التعدين متعددة الجنسيات، وهم الذين يتمّ تمويلهم بشكل متزايد من دول الشمال لاستكشاف واستغلال الاحتياطيات المعدنية الهامة على المستوى العالمي.

ترجمة: قاسيون

أصبحت المعادن الداخلة في صناعة البطاريات نقطة تركيز مركزية لدعم «مطالب الطاقة الخضراء» التي يدعمها قطاع التعدين. تمّ تنظيم «Mining Indaba»، وهو ملتقى سنوي تستضيفه جنوب إفريقيا لجمع شخصيات قارّية ودولية بهدف تعزيز مجال أعمال التعدين، وكان هذا العام تحت شعار «انتقال الطاقة» حيث أشار عدد من كبار مسؤولي التعدين إلى الاستدامة والحرب في أوكرانيا في كلمات «رنانة». صرّح الملياردير روبرت فريدلاند، مؤسس شركة «Ivanhoe Mines» الكندية بأنّه يفضّل شراء البلاتين من جنوب إفريقيا بدلاً من روسيا، وأنّ القارة تحتاج «لتطوير المزيد من المناجم» لتصبح في طريق التحول العالمي للطاقة.
يقدّر البعض أنّ السوق العالمية للبطاريات ستزيد بنسبة 20٪ سنوياً. في الوقت نفسه، يدّعي المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ «إنتاج المعادن مثل الغرافيت والليثيوم والكوبالت يمكن أن يزيد بنحو 500٪ بحلول عام 2050 لتلبية الطلب المتزايد على تقنيات الطاقة النظيفة».
سلّطت «مجلّة التعدين»- الممولة من شركات التعدين العابرة للحدود- الضوء بالفعل على العديد من مناجم معادن البطاريات في كندا، بما في ذلك في كيبيك. وأعلنت أنّ كندا لديها كلّ ما تحتاجه لقيادة العالم نحو انتقال مستدام للطاقة: «المعادن الهامة والمواد الخام، والتعدين القوي وخبرة المعالجة، وحكومة تتمتع بسمعة طيبة في كونها صديقة للأعمال، ومتطورة مالياً». في الوقت نفسه، يطلق البعض في صناعة التعدين على الليثيوم– وهو معدن أساسي في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية– اسم «الذهب الجديد» ويحثون كندا على أن تصبح قوة دولية في مجال الليثيوم.
بدأت كندا بالفعل في تمويل الاستكشاف في المناطق الأقل استغلالاً، بما في ذلك أراضي محميات السكان الأصليين التي تحوي فيها أو بالقرب منها بعض الاحتياطيات الأكثر ربحاً. في الأقاليم الشمالية الغربية، حيث أكثر من نصف السكان الأصليين، بدأت الحكومة الفيدرالية مؤخراً بتقديم منح لشركات التعدين من خلال برنامج حوافز لغرض «التنقيب عن الماس والذهب والعديد من المعادن الهامة» وتطويرها.
وكما هو متوقّع، فمحاولة «تعظيم الدور الكندي» كمورّد للمعادن في الغرب لا يمكن أن تتمّ دون دعم واشنطن. أوضح مقال حديث في شبكة سي.بي.سي الأمريكية للأعمال كيف أنّ الجيش الأمريكي «يتلقى بهدوء طلبات لمشاريع التعدين الكندية التي تريد تمويلاً عاماً أمريكياً من خلال مبادرة رئيسية للأمن القومي». يشير المقال إلى أنّ قرار حكومة الولايات المتحدة بتعليق صادرات أشباه الموصلات إلى الصين كان أحدث إجراء اتخذته واشنطن في «حرب رقمية باردة ناشئة تشارك فيها كندا بشكل متزايد»، والتي تعتبر فيها معادن البطاريات نقطة اشتعال مركزية. كما قام مسؤولون كنديون بالفعل بتزويد واشنطن بقائمة تضم 70 مشروعاً تستحق تمويلاً عسكرياً أمريكياً مباشراً.
قامت كندا مؤخراً بتكثيف طلباتها من أجل زيادة التمويل الأمريكي لصناعة التعدين الكندية. في تشرين الأول 2022 سافر وزير الابتكار والعلوم الكندي فيليب شامبين إلى واشنطن لعرض الاحتياطيات المعدنية الكندية كبديل عن الصين. في اجتماع مجلس الأعمال الكندي– الأمريكي، دعا إلى «انفصال كامل عن الصين وأنظمة أخرى في العالم لا تشترك في القيم ذاتها... يريد الناس أن يتاجروا مع من يشاركهم قيمهم بحق».
قبل زيارة شامبين كانت إدارة بايدن قد أعلنت بالفعل بأنّ سياساتها المناهضة للصين هي استمرار لسياسات إدارة ترامب: الدعم العسكري المكثف لتايوان مقترناً بالحد التدريجي للتجارة في القطاعات الحيوية، بما في ذلك التكنولوجيا، ممّا يترك فراغاً لدى الأمريكيين يريدون سدّه بالتعاون مع النخب الرأسمالية في كندا.
من الواضح أنّ «القيم الديمقراطية» لا علاقة لها بدعم كندا غير المشروط لسياسات الولايات المتحدة العدوانية تجاه الصين. الولايات المتحدة تخشى بشكل متزايد أن تؤدي «حربها الباردة الجديدة» إلى عزلها عن موارد المعادن الهامة، سواء أكان ذلك من الصين أو من دول أمريكا اللاتينية التي لم تعد لها فيها اليد الطولى. لهذا تحاول التنسيق مع تابعها الأمين في الشمال للتحوّل إلى مورّد أساسي للمعادن، بغضّ النظر عن دعايات «الاستدامة».
لا علاقة للسياسة الكندية تجاه الصين بالدفاع عن الديمقراطية، فالنخب الرأسمالية الأمريكية والكندية لديها مصالح مادية في شيطنة الصين وقيام الدول التي تعمل ضمن الفلك الأمريكي في الانفصال عن الصين اقتصادياً. من بين هذه المصالح صناعة معادن البطاريات المزدهرة في كندا، والتي يحاول القادة السياسيون وشخصيات الصناعة تطويرها لتصبح مورداً مربحاً.

بتصرّف عن:
Canada’s ‘sustainable transition’ is increasingly tied up with Washington’s war on China

معلومات إضافية

العدد رقم:
1097