بعد أربعة أعوام... أين أصبحت الحرب التجارية؟
لعقود عديدة كانت الصين والولايات المتحدة مرتبطتان بعقدة اقتصادية شديدة لدرجة أنّه من الصعب تخيّلهما منفصلتين. اليوم وبعد أربعة أعوام من التوترات المتصاعدة بين البلدين التي تقترب من العداء والقطيعة، ما الذي حدث للانفصال الذي وعد فيه السياسيون الأمريكيون، هل يسير على قدم وساق أم أنّه معطّل بحكم الواقع؟
ترجمة: قاسيون
قبل الدخول في التفاصيل، وبالحكم على الأرقام فقط، فقد تقلّص حجم الواردات الأمريكية من الصين في بعض المنتجات، مثل أشباه الموصلات والإلكترونيات والألبسة والأحذية. ولكن من جهة أخرى فقد ازدادت هذه الواردات في منتجات أخرى، مثل أجهزة الكمبيوتر والشاشات والهواتف المحمولة وألعاب الفيديو.
صانعو السياسات في كلا البلدين يعلنون صراحة تصميمهم على تقليص الاعتماد الاقتصادي لبلديهما على البلد الآخر. آليات الحرب التجارية التي بدأت في عهد ترامب واستمرت في عهد بايدن، تعني تنويع الواردات وجعلها أكثر مرونة، لكن لهذه الآليات تكاليف مباشرة باهظة التكاليف الاقتصادية والاجتماعية، وتشمل نقص المنتجات وعدم تكيّف سلاسل التوريد والتضخم وعدم قدرة الشركات على تحمّل خلق موردين جدد. في النهاية وحتّى ينجح هذا الانفصال، سيتعين على الشركات والمستهلكين الأمريكيين أن يكونوا مستعدين لدفع ثمن الواقع الجديد الذي يحاول السياسيون تحقيقه.
تمّ فرض رسوم جمركية أعلى على الكثير من المنتجات الصينية التي يتمّ تصديرها إلى الولايات المتحدة، فانخفضت كما هو متوقّع نسبة الواردات الصينية من 22٪ قبل الحرب التجارية إلى 18٪. وارتفعت واردات الولايات المتحدة من بقيّة العالم بنسبة 38٪ أكثر من مستوياتها ما قبل الحرب التجارية. لكنّ واردات الولايات المتحدة من الصين لبعض المنتجات التي لم تتأثر بالرسوم الجمركية قد ارتفعت لتصبح أعلى بنسبة 50٪ ممّا كانت عليه قبل الحرب التجارية مباشرة. في بعض المنتجات – مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة – لا تزال الصين هي مصدر 92٪ من واردات الولايات المتحدة، بينما تشكّل كلّ من فيتنام وتايوان ما يقرب من 2 و3٪.
رسوم واردات أشباه الموصلات الكارثية
ربّما تكون أشباه الموصلات هي المثال الأكثر فصاحة عن نقص المنتجات خلال جائحة كورونا. أدّى النقص في الرقاقات إلى قيام شركات صناعة السيارات بتقليل إنتاجها في عام 2021، ما أثّر على التوظيف من خلال الإجازات الإجبارية في قطاع هام اقتصادياً وسياسياً. لا تزال واردات الولايات المتحدة من أشباه الموصلات من الصين أقلّ بنسبة 26٪ ممّا كانت عليه قبل فرض الرسوم الجمركية. ورغم زيادة الواردات مؤخراً، بقي حجم الواردات الأمريكية من الصين أقلّ بمعدّل 50٪ من مستويات ما قبل الحرب التجارية. قبل حزيران 2018، كانت الصين تمتلك 47٪ من سوق الواردات الأمريكية من حيث الحجم. انخفضت هذه الحصّة فور فرض الرسوم الجمركية لتصل اليوم إلى 39٪ فقط. لكن مع ذلك، فأحجام الواردات الأمريكية من بقيّة العالم لم تتوسّع إلّا بنسبة 5٪ فقط.
ظهرت هذه المشكلة عندما بات واضحاً بأنّ فقدان رقاقة واحدة فقط من الصين قد أعاق الانتهاء من تصنيع منتجات تراوحت بين السيارات والثلاجات والغسالات. من حيث الحجم، لم يتمّ استبدال الواردات المفقودة من أشباه الموصلات من الصين بالكامل من أيّ مكان آخر. كان أحد الأسباب لذلك عدم إمكانية استبدال إنتاج الصانعين الصينيين بإنتاج صانعين آخرين. مسابك الصين متخصصة «بالعُقد الأكثر نضجاً» وتنتج كميات كبيرة من الرقائق «الأقدم» بهوامش ربح منخفضة. الشركات غير الصينية: التايوانية تي.إس.إم.سي، والكورية الجنوبية سامسونغ، تصنع أشباه موصلات أكثر تقدماً وربحية، وكلاهما لم يكن لديه القدرة أو المصلحة في التحول إلى منتجات أقل ربحية. يفسّر هذا على الأرجح سبب عدم قيام صناعة أشباه الموصلات الأمريكية أيضاً بتوسيع إنتاجها بشكل كبير، بالإضافة إلى حقيقة أنّها كانت تعمل بالقرب من المستويات الأعلى لطاقتها الإنتاجية. بالنظر إلى أنّ الرقاقات الأقدم غير مربحة بشكل يحفز المصنعين للتحول لإنتاجها، وأنّ الولايات المتحدة لا تريد استيرادها من الصين، فمن سينتجها إذاً؟ هذا هو السؤال الذي يواجه الصناعيين في أمريكا – مثل قطاع السيارات – والذين يحتاجون لكميات كبيرة من الرقاقات الأقدم حتى يتمكنوا من استكمال المدخلات اللازمة لإنتاج بضائعهم.
تقلّص الواردات ليس بفعل الحرب التجارية
الملابس والأحذية هما المثالان الأبرز على المنتجات الصينية التي تمّ فرض رسوم جمركية أدنى عليها «7٪ مقارنة مع 25٪ على منتجات الرقاقات». انخفضت هذه الواردات بنسبة 11٪ عن مستويات ما قبل الحرب التجارية، بينما ارتفعت الواردات من بقيّة أنحاء العالم بنسبة 44٪. قد تكون الرسوم الجمركية ساهمت بتسريع التحوّل المستمر عن المنتجات المصنعة في الصين إلى غيرها من الأماكن، ولكنّ العامل الرئيسي ليس الرسوم الأمريكية بل ارتفاع تكاليف العمالة في الصين المرتبط بالتطور الاقتصادي وارتفاع أجور العمّال الصينيين، الأمر الذي أدّى إلى انتقال هذه الصناعات إلى دول أخرى. انخفضت حصة الصين من واردات الولايات المتحدة من الثياب والأحذية من 34 إلى 24٪، في الوقت الذي ارتفعت فيه حصّة فيتنام وبنغلادش.
معدات التمارين الرياضية وبطاريات الليثيوم هي منتجات هامة قفزت فيهما نسبة الواردات الأمريكية من الصين بشكل هائل، وذلك بالرغم من فرض الرسوم الجمركية عليهما. بالنسبة لكلام المنتجين، فالصين هي مصدر لما يفوق 50٪ من واردات السوق الأمريكية. قد يكون النمو في استيراد معدات التمرين عائداً لزيادة اقتناء الأمريكيين لمعدات التمرين الفردية بعد الجائحة، ولكنّ واردات بطاريات الليثيوم قد ارتفعت بسبب زيادة الطلب الأمريكي الحديث على السيارات الكهربائية. قد يتلاشى هذا الارتفاع مع القوانين الأمريكية الجديدة الصادرة في آب 2022 التي تقدّم مساعدات صريحة لصانعي السيارات الكهربائية الذين يستبدلون الواردات من الصين. علينا أن ننتظر لنرى إن كان هناك مورد آخر قادر على تعويض الصادرات الصينية.
سياسات أمريكية غير ناجحة
هناك مشكلات كبيرة في التسويق السياسي الأمريكي للانفصال عن الصين والاستعاضة عنها بموردين آخرين، لكن أحد أهمّ هذه المشكلات التي لا يتمّ التطرّق إليها كثيراً هي أنّ البيانات تشير بأغلبها إلى التغييرات في مرافق التصنيع النهائي الذي يعدّ مصدر السلع القادمة إلى الولايات المتحدة. لا يُعرف حتّى الآن سوى القليل من المعلومات عن التغييرات في محتوى القيمة الزائدة في السلع التي تستوردها الولايات المتحدة. فإذا ما حاولنا أخذ مثال للفهم، فلنفترض بأنّ التجميع النهائي لمنتج إلكتروني يتمّ تصديره قد انتقل من الصين إلى فيتنام. العمّال المشتركون في التجميع النهائي
سيتغيرون، لكن إذا ما استمرّ المنتج في الاعتماد على نفس المقدار من المدخلات الوسيطة والحاسمة من الموردين الصينيين الذين يشحنون إلى مركز التجميع النهائي في فيتنام، فما الفارق الذي شكلته الرسوم الجمركية الأمريكية هنا؟
المشكلة الأخرى في خطاب السياسيين الأمريكيين حول تقديم مساعدات سخيّة لدعم استعادة التصنيع إلى داخل الولايات المتحدة. رغم التكلفة المرتفعة جداً للأمر، فقد تتمكن المساعدات والحوافز وتوجيه الاستثمارات إلى بناء مصنع تجميع جديد في الولايات المتحدة، لكن ماذا عن التكاليف الإضافية والمستمرة المرتبطة بتشغيل سلسلتي توريد، والتي ترتبط بشبكة طويلة ومعقدة كانت موجودة بأكملها أو بمعظمها في الصين؟
بتصرّف عن:
Four years into the trade war, are the US and China decoupling?
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1093