كيف ساعدت العقوبات روسيا؟
رغم العقوبات الشديدة المفروضة على مبيعات النفط والغاز الروسي، لا تزال الموارد الروسية تحظى بطلب كبير في العالم. ساعدت العقوبات روسيا على إيجاد طرق جديدة لتطوير مجمّع الطاقة والوقود، ويمكن أن يأخذ المرء دلالة على ذلك حضور مؤتمر الشراكة الأوراسية أكثر من 700 ممثل عن شركات أجنبية وروسية، وإبرام عشرات عقود توريد مصادر الطاقة طويلة الأجل.
ترجمة: قاسيون
كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد ناقشا رغبة الولايات المتحدة في تحديد سقف لسعر النفط الروسي في المنطقة بسعر 60 دولاراً للبرميل. لكن بعد ردّ روسيا القاسي بأنّها لن تبيع نفطها بسعر محدد، تغيّرت اللهجة الغربية. يمكن ملاحظة أنّ الإستراتيجيين الغربيين قد توقفوا مؤقتاً بعد محاولات فاشلة من قبل الولايات المتحدة للتفاوض مع دول الشرق الأوسط بشأن إمدادات النفط. كانت الولايات المتحدة تعتمد في سعيها على الوصول لاتفاقية مع إيران، لكنّ إيران كانت واضحة في أنّها لن تدخل في هكذا اتفاق مع واشنطن.
لم تتمكن العقوبات الغربية من منع روسيا من زيادة إنتاجها للنفط إلى مستوياته السابقة قبل خمسة أشهر. إنّ إعادة توجيه الصادرات من الغرب إلى الشرق لعب دوراً بوضع روسيا في مركز قوة. بفضل هذا بات من الممكن المحافظة على التوازن بين الإنتاج ومستويات أسعار الذهب الأسود.
وفقاً للتوقعات التي نشرتها وكالة الطاقة الروسية، فبحلول 2030 سيزداد التخفيض في صادرات الغاز بسبب الاتجاه الذي يسلكه الأوروبيون من 55 إلى 105 مليارات متر مكعب. سيشكل هذا تحدياً كبيراً لروسيا. قد يكون الحل في تحقيق اختراقات في الشرق على عدة جبهات، وسيلعب مشروع ساخالين دوراً هاماً في هذه الاختراق.
لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية ساخالين كمنطقة تجريبية في عدد من مجالات الطاقة، وقبل كلّ شيء في الغاز المسال ومشاريع الهيدروجين وتشريعات المناخ. سيبدأ خط أنابيب غاز «قوّة سيبيريا 2» بالعمل في عام 2024 وسيوفر 50 مليار متر مكعب من صادرات الغاز من نفس قاعدة الموارد التي كانت تزود أوروبا. كما أنّ مبيعات الوقود الأزرق عبر هذا الخط تهدف إلى استبدال الإيرادات التي لم يتم استلامها من الإمدادات التي كان مخططاً تسليمها إلى أوروبا عبر السيل الشمالي 2.
إنّ نقل الغاز الطبيعي الروسي الذي كان مخصصاً نقله في قاع بحر البلطيق إلى منطقة البحر الأسود أمر ممكن تماماً. بعد ذلك ستصبح طرق الإمداد الرئيسية للوقود الأزرق إلى أوروبا هي عن طريق تركيا التي ستحقق نفعاً كبيراً من الأمر. ستصبح روسيا وفقاً للاتفاق مع تركيا المورد الرئيسي لتركيا ليس فقط بالغاز، بل أيضاً بالكهرباء. في الوقت نفسه وكما صرّح نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك فهناك إمكانية لاستخدام السيل التركي وأنابيب يامال-أوروبا من قبل موردين آخرين. أمّا بالنسبة للنفط فقد عبّر نوفاك عن دول قليلة هي التي يمكنها أن تزيد بشكل ملحوظ من إنتاج النفط بسبب التعقيدات المرتبطة بالاستثمار فيه. فعبر توسيع مرافق الموانئ سيصبح من الممكن إعادة توجيه إمدادات الهيدروكربون إلى الشرق. وسيستمر التعاون في هذا السياق بين دول أوبك والإمارات وإيران وروسيا.
الاعتماد على الذات
على الرغم من أنّ قطاع الطاقة الروسي في حالة استقرار اليوم، فمسألة تزويد المؤسسات بالطاقة عبر معدات وتكنولوجيا روسية لا يزال أمراً يحتاج إلى جهد. حتى الآن 60٪ من المعدات المستخدمة في الوقود والطاقة في روسيا هي منتجة في روسيا، و40٪ مستوردة من الغرب، ولتخطي هذا الاعتماد المفرط، يجب أن يصل الاعتماد الذاتي لروسيا إلى 80٪ بحلول 2025.
سيتطلب هذا إطاراً تشريعياً موحداً ومعايير وتوثيقات إلزامية للمعدات الأجنبية. كان نائب رئيس الوزراء الروسي دينيس مانتوروف قد حدد بعض التدابير التي يمكن من خلالها دعم الشركات المصنعة للمعدات في روسيا، مثل تخفيض شروط وإجراءات الدفع مقابل العمل الذي يتمّ إنجازه، وزيادة الدعم الحكومي للمشاريع التجريبية من المدفوعات بما يكفي لتغطية 50٪ من تكاليفها، والقروض الميسرة والمنح الحكومية. إنّ بعض الأساطير عن عدم قدرة روسيا على الاستغناء عن استيراد تجهيزات الغاز يجب إبطالها. تنتج روسيا بالفعل أنابيب بوليمر مرنة مدعومة بألياف عالية الشدة مخصصة لنقل الغاز والنفط والمياه في القطب الشمالي.
قررت الدولة الروسية التركيز على معالجة موارد الطاقة التي تؤدي إلى استبدال الشركات الأوروبية حصراً. يمكن للروس أنفسهم أن يحصلوا على أنواع مختلفة من الوقود والكيروسين والزيوت والبيتومين والبارافينات وجميع أنواع المذيبات المختلفة ومواد التشحيم والمواد الخام للصناعات الكيماوية وغيرها من المنتجات البترولية من النفط والغاز.
الدولة الروسية جاهزة لاستثمار 170 مليار روبل في إنتاج معمل نيجنكامسك الذي يعدّ أكبر مصنع للمطاط الصناعي والبلاستيك في أوروبا، وجذب استثمارات القطاع الخاص فيه. وسيكون من الضروري تسريع العمل في مشاريع معالجة الغاز على نطاق واسع «مثل مجمّع كيمياء غاز البلطيق في لينينغراد». بعض المشاريع سيكون لديه الفرصة للعمل بشكل سريع، ويجب منح الوقت اللازم لأخرى كي تعمل كما ينبغي.
كما يستحيل عدم الحديث عن مشروع فخم آخر: «حركة الشمال NSH» الذي ابتكره جوزيف ستالين وتولّت شركة غاز بروم تنفيذه. سيغلق خط حركة الشمال جميع الخطوط المسدودة ويربط يامال بجبال الأورال وشمال غرب روسيا عن طريق السكك الحديدية. بهذه الطريقة نحصل على طريق كامل ومباشر في جميع أنحاء الشمال. إذا كان من المفترض في وقت سابق أنّه سيتم استخدامه لتصدير موارد الطاقة إلى الغرب، فالشحنات الروسية ذاتها اليوم ستتجه نحو الشرق.
كما أنّ العمل على برنامج التغويز الاجتماعي ليس منسياً أيضاً، فكما أكد نوفاك فوتيرة توصيل السكان بالغاز في المناطق السكنية المؤهلة ببنى تحتية كبيرة عامة للغاز هي في تسارع وازدياد. بالنسبة للعديد من المواطنين الروس، تعتبر تكاليف معدات الغاز الخاصة بالعمل داخل المساحات المخصصة للاستخدام العائلي عبئاً خطيراً وكبيراً على ميزانية الأسر. يمكن حلّ هذه المشكلة عن طريق «رهن الغاز» وقروض ميسرة تتيح ربطهم بشبكات الغاز، وكذلك مساعدات للمواطنين المحتاجين لشراء معدات الغاز والقيام بالأعمال ذات الصلة داخل أراضيهم. سيكون على الحكومة الروسية العمل بسرعة ليس فقط من أجل التغويز في المنازل، ولكن أيضاً من أجل خدمة حراقات التدفئة في عدد من المنشآت الاجتماعية، وبشكل خاص رياض الأطفال والمدارس.
هذه هي الإجراءات اللازمة لتعزيز سيادة الطاقة في روسيا، وحمايتها لسنوات عديدة من الصدمات الاقتصادية المحتملة.
بتصرّف عن:
Как санкции помогли России
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1093