نظرة غربية لمسألة أسعار الطاقة الأحفورية والخضراء
لين بارامور ومؤيد الشلبي - ترجمة: أوديت الحسين لين بارامور ومؤيد الشلبي - ترجمة: أوديت الحسين

نظرة غربية لمسألة أسعار الطاقة الأحفورية والخضراء

يراقب الغربيون التضخم المخيف الذي لم يشهدوا مثيلاً له منذ عقود، وكيف أنّ اقتصاداتهم تعاني من جرّاء ارتفاع أسعار الوقود، وكيف عبثت العمليات العسكرية في أوكرانيا بأسواق الطاقة العالمية، وإحباط الأهداف المناخية طويلة الأجل بسبب الحاجة إلى احتواء دوامات الأسعار. كلّ هذا يجعل رأس الغربيين يدور متضافراً مع عدم ثقتهم بسياسييهم وإعلامهم، ليسألوا السؤال الأهم: إلى أين تتجه الأوضاع؟

تقوم المحللة والباحثة الثقافية والاقتصادية الأمريكية لين بارامور بعقد ندوة مع الباحث الصناعي الأمريكي من جامعة هوبكنز مؤيد الشلبي، ضمن مؤسسة «التفكير الاقتصادي الجديد»، في محاولة إيجاد إجابات:

  • دعنا نبدأ مع الصورة العامة لسوق الوقود اليوم. اختبرنا بعض لحظات الصعود والهبوط أثناء مسار الوباء، لكن لا شيء دقّ ناقوس الخطر كما يحصل اليوم. الآن، وبشكل فجائي، يواجه الجميع في كلّ مكان ارتفاع أسعار النفط والغاز. ما الذي يحدث بالضبط؟ وإلى أيّ مدى للأمر صلة بالأوضاع العسكرية القائمة في أوكرانيا؟

يعود جزء من هذا إلى ما قبل التصعيد بين الغرب وروسيا. فمع كلّ الاتفاقات والسياسات العامة التي كنّا نشهدها، كانت الفكرة هي التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات. لذا فإنّ الاستثمارات في البنية التحتية النفطية آخذة في التراجع. فيما يتعلق بإنتاج الغاز الطبيعي والنفط وما إلى ذلك، لم يكن هناك اضطراب– فالولايات المتحدة لا تزال تنتج ١١.٥ مليون برميل من النفط يومياً. لكنّ الاستثمارات في التنقيب عن النفط الجديد، وعقود الإيجار الجديدة وما شابه، سواء في الولايات المتحدة أو في أيّ مكان آخر، إلى جانب النفقات الرأسمالية، قد انخفضت. ما لدينا هنا هو السوق يقول: حسناً، لا يوجد استثمار في هذه البنية التحتية الجديدة، والطلب آخذ في الازدياد، لذلك يتوقّع المستثمرون حصول هذه الفجوة، من منظور مستقبلي على أقلّ تقدير، وكانوا يرون بأنّ مصادر الطاقة المتجددة قد لا تكون قادرة على ملئها. بدأت المرحلة الأولى من ارتفاع التكاليف مع تغيّر الإدارة الأمريكية وتركيزها على ما وصفته بأنّه طاقة خضراء. كانت الأسعار عامة ترتفع– وأسعار الطاقة ضمنها– حتى قبل أن نشهد تصعيد الوضع العسكري في أوكرانيا.
أمّا اليوم فنحن في الطور الثاني من ارتفاع الأسعار الذي أعقب النزاع في أوكرانيا، والذي كان لديه القدرة على إخراج ١٠ ملايين برميل من السوق– ما يشكّل قرابة ١٠٪ من كامل السوق. مضينا من ١٠٠ دولار إلى ١١٥ وصولاً إلى ١٢٠ دولاراً للبرميل، ثمّ نزل السعر قليلاً. كما أننا نشهد انتعاشاً للطلب بعد ركود الوباء، لكن في الواقع ليس هذا الانتعاش كبيراً كما يتوقّع الكثيرون. صحيح أنّ هناك طلباً أكبر على النفط ممّا كان عليه الحال في ٢٠٢٠، لكنّه لا يختلف كثيراً عن عام ٢٠١٩، بل هو أقلّ بـ ٥٪ تقريباً.
يضع كلّ هذا إدارة بايدن التي سوّقت لنفسها كثيراً على أنّها «إدارة خضراء» في مأزق كبير. أولاً، كانوا يتحدثون عن مستقبل أخضر، أمّا اليوم فكلّ ما نسمعه «احفر احفر يا عزيزي... احفر لأنّ الوقود أصبح باهظ الثمن».
في الحقيقة يرغب الكثير من الذين يتمّ تصنيفهم كأصدقاء للبيئة بارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، فالنتائج التفاضلية التي يرونها ليست بهذا السوء. لكن نعم، من الغريب والمحرج أن يقوم بايدن بالطلب من السعوديين أو الفنزويليين أو الإيرانيين بضخّ المزيد من النفط.

  • ماذا عن فكرة أنّ الولايات المتحدة قادرة على توريد الغاز الطبيعي المسيل إلى أوروبا لمساعدتها على كسر اعتمادها على روسيا؟ ما مدى جدوى ذلك من الناحية العملية. أظنّ أنّ هذه المسألة شديدة الأهمية اليوم، خاصة مع الحاجة إلى بنية تحتية خاصة وسفن وما إلى ذلك.

حسناً، دعينا أولاً ننظر إلى الأرقام. السيل الشمالي-١، خطّ أنابيب الغاز الطبيعي الذي يصل روسيا بألمانيا، لديه قدرة حوالي ٥٥ مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً. السيل الشمالي-٢ وهو الذي لا يزال قيد البناء وتقريباً انتهى بانتظار موافقة المشرعين، سيضاعف هذه القدرة إلى ١١٠ مليارات متر مكعب، لكنّه متوقّف اليوم.
في الوقت الحالي أعتقد بأنّ هناك حوالي ٣٠٠ سفينة فقط يمكنها حمل الغاز الطبيعي المسال، ونصف هذه السفن يمكن احتسابها في الخدمة في الوقت الحالي. السفينة الأكبر في العالم اليوم هي التي بناها الكوريون، والقادرة على حمل قرابة ٢٥٠ ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال. لن يكون ذلك كافياً، سوف يحتاجون المزيد من السفن. علاوة على ذلك، تقع معظم الموانئ في الولايات المتحدة على ساحل الخليج «الخط الساحلي الممتد على طول جنوب الولايات المتحدة حيث يلتقي بخليج المكسيك»، ما يجعل الرحلة إلى أوروبا طويلة.
ثمّ عندما تصل السفن إلى أوروبا، سيكون هناك حاجة لمحطات طرفية متخصصة. فالأمر ليس شبيهاً بأحواض السفن حيث ينتهي الأمر بمجرّد وصول السفينة، بل سيكون عليهم تحول السائل مرة أخرى إلى غاز طبيعي. الموانئ العملية الوحيدة المتاحة في أوروبا موجودة في هولندا والمملكة المتحدة، لذا سيتعين على ألمانيا بناء موانئ للغاز الطبيعي المسال على بحر الشمال أو على بحر البلطيق لاستقبال هذه السفن الكبيرة.
في ألمانيا، كان التطور الأكبر في مجال الطاقة هو إيقاف تشغيل محطات الطاقة النووية، على الأقل من أجل توليد الكهرباء. أعتقد بأنّهم ربّما يوقفون ذلك الآن. في المملكة المتحدة هناك زيادة ضخمة قد حدثت بالفعل في أسعار الغاز الطبيعي المسال أو الغاز الطبيعي. حتّى في الولايات المتحدة، ارتفعت الأسعار لدينا بشكل كبير. بات بإمكاني أنا وغيري من المواطنين العاديين أن نشهده في فواتيرنا، وخاصة في رسوم التوصيل.

  • يبدو أنّ خطّة الولايات المتحدة لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المُسال لن تذهب بعيداً، على المدى القصير على الأقل، بسبب كلّ هذه المشكلات التي ذكرتها. ما يعني بأنّ الأسعار المرتفعة في أوروبا ستستمرّ بالارتفاع إن بقيت الأمور على حالها، أليس كذلك؟ وماذا عن الولايات المتحدة؟

نعم في حال بقيت الأمور على حالها، من المرجح أن تبقى الأسعار مرتفعة في أوروبا. لكنّ الولايات المتحدة في الواقع ليس لديها كميات فائضة من الوقود يمكنها شحنه إلى الخارج بأيّة حال. يشكّل الغاز الطبيعي المسال قرابة 40٪ من توليد الطاقة في الوقت الحالي، أو ربّما أعلى من ذلك بقليل. لذلك إن بدأت الولايات المتحدة بالتصدير دون الاستثمار في بناء الأشياء الجديدة، سيرتفع الفارق بين العرض والطلب أكثر، ما يعني ارتفاع الأسعار أكثر. يعني هذا أنّ التضخم سيرتفع، ولست متأكداً من كيفيّة حلّ هذه المشكلة.
إن لم يكونوا قادرين على تخصيص أموال للاستثمار في بناء أشياء جديدة، ولا توجد استثمارات رأسمالية وما إلى ذلك بسبب خوف رأس المال وتشككه من عائدات استثماراته، وبعد ذلك تريد تصدير الغاز الطبيعي المسال... أنت إذاً أمام معضلة كبيرة.


1065-30


  • تعال نناقش مدى تأثير أسواق العقود الآجلة للنفط أو أسواق السلع الآجلة على الأسعار. في الولايات المتحدة، قبل عام 2006، كانت لدينا قواعد تحدّ من التداول ومن يمكنه القيام بذلك. يمكن أن يكون لديك عقود مستقبلية– يحتاج المزارعون إليها لبيع المحاصيل بسعر محدد وما إلى ذلك– لكن المنتجين والمستخدمين هم من يهيمنون على السوق وليس لاعبي المضاربة من وول ستريت، الذين كانوا مقيدين في مقدار ما يمكنهم شراؤه. لكن في عام 2006، ألغت الولايات المتحدة القواعد الخاصة بحدود من يمكنه امتلاك عقود آجلة. الآن قام مضاربو وول ستريت– شركات الأسهم، وصناديق التحوّط...إلخ– بمراكمة عقود الوقود الآجلة. هل هذه مشكلة يمكن لحلّها التأثير على سير الأمور وضبطها؟

ليس هناك شكّ في أنّ صناديق التحوّط وبقيّة المضاربين لهم تأثير يمكن إدراكه بمجرّد إلقاء نظرة على حجم العقود التي يمتلكونها. أعتقد بأنّه يتمّ تداول مليار برميل من النفط يومياً، أو يتمّ تغيير مالكيها، بينما الإنتاج الفعلي يتراوح بين 90 إلى 100 مليون برميل فقط. لذلك لدينا اليوم نسبة عشرة إلى واحد من البراميل الآجلة مقابل البراميل المحسوسة الموجودة.
هناك نوعان من المشاركين في السوق: تشترك صناديق التحوّط في السوق الفورية spot market، حيث يكون التسليم فورياً. بينما يقوم المضاربون بالتعامل بسوق العقود الآجلة، حيث يكون التسليم بميعاد مستقبلي.
يتأثر السوق الفوري بالمتداولين الكبار في مجال النفط أمثال غلينكور وفايتول. إنّهم الوسطاء الذين يأخذون النفط من منتجي النفط ولديهم تأثير كبير. يؤثّر المضاربون مثل شركات الأسهم الخاصة على العقود الآجلة، ولا يشاركون في السوق الفوري. لسعر سوق العقود الآجلة للنفط تأثير على السوق الفوري للنفط الخام الدولي. تتأثر أسعار العقود الآجلة للنفط الخام بأساسيات العرض والطلب والعوامل الخارجية مثل حالات الطوارئ وعدم اليقين بشأن السياسات والحرب.
تلعب العقود الآجلة دوراً حقيقياً في حالتين: واحد يسمى «ترحيل أو تأجيل contango»، حيث تكون العقود الآجلة التي تشتريها عادة أعلى من سعر السهم. ذلك لأنّ المشاركين يمثلون عمليات المخازن والتأمين وما إلى هنالك. هناك علاوة يمكن تحصيلها من العقود الآجلة التي يكون سعرها أعلى من سعر الأسهم الحالية. ثمّ لديك الحالة المعاكسة التي تسمّى «سعر التسليم المؤجّل backwardation» حيث يكون لديك الكثير من الأشياء بين يديك ويكون السعر المستقبلي أقلّ من سعر السهم. في معظم الحالات، يكون سوق العقود الآجلة في حالة «ترحيل»، ولكن في بعض الأحيان، إذا كانت المخازن ممتلئة، فقد تبدأ حالة «سعر التسليم المؤجّل»، فتنتقل السلسلة بأكملها من منتجي النفط إلى الوسطاء ثمّ المستخدمين– المصافي أو منتجي الطاقة.
من المثير للاهتمام أنّه في عام ٢٠٢٠، انهار سعر النفط وأصبح في الواقع سلبياً لأنّ الكثير من مالكي العقود الذين لم يتمكنوا من تفريغها لأنّ سعة التخزين كانت قريبة من الامتلاء. كان عليهم أن يستلموها، ولم يكن هناك مكان لتخزينها. كانت العقود واجبة السداد، وكان عليهم الدفع لآخرين كي يخلصوهم منها.
كما أنّ أسواق النفط ليست هي الوحيدة من أسواق السلع التي تؤثر على أسعار الوقود، بل المعادن أيضاً. يعتمد تحقيق الطاقة المستدامة الخضراء على المعادن– الصلب والألمنيوم والمعادن الأرضية النادرة وما إلى ذلك. نحاول الابتعاد من طاقة الهيدروكربون إلى هذه المعادن، لكنّ استخراج هذه المعادن يتطلّب وجود الهيدروكربون أو الوقود الأحفوري.

  • ألا يخلصنا الحصول على هذه المعادن من الاعتماد على روسيا وغيرها من ذوي الثقل في الوقود الأحفوري؟

لدى الصين قرابة ٨٠٪ من سوق المعادن الأرضية النادرة بسبب كميات الإنتاج، لذلك فسيناريو التحوّل إلى الطاقة الخضراء سيعني حتماً زيادة اعتمادنا على الصين. ثمّ هناك الليثيوم اللازم للبطاريات لكلّ شيء، بدءاً من السيارات الكهربائية وصولاً إلى الهواتف المحمولة، والذي يأتي من بوليفيا والأرجنتين وتشيلي.
رغم ذلك، فـ ٧٠٪ من البطاريات يتمّ تصنيعها في الصين، وقد اشترت الصين بالفعل معظم الليثيوم الموجود بالفعل. هناك أيضاً الكوبالت من جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي للصين فيها استثمار حصري للتعدين والإنتاج والمعالجة. إذاً كامل عملية تخزين الكهرباء والبطاريات تعتمد على الصين.
أمرٌ آخر هو إنتاج الطاقة الخضراء– سواء أكان ذلك عبر الاعتماد على العنفات الهوائية أو حتّى الطاقة الشمسية، فهي بدورها تعتمد بشكل كبير على الصين. السيارات الخضراء تعتمد بشكل خاص على المعادن الأرضية النادرة، ما يأخذنا إلى الصين من جديد.

  • أعلم أنّ المستقبل ليس مؤكداً، لكن ماذا يمكنك أن تقول عن وجهتنا؟ هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل بشأن الأسعار والتضخم؟ ماذا عن الطاقة المستدامة؟

حسناً هل ننتقل من ١٠٠ دولار ثمناً لبرميل النفط إلى ٨٠ دولاراً، أم نعود إلى ٤٠ دولاراً؟ لا أعتقد بأننا سنعود إلى ٤٠ دولاراً. قد نبقى برأيي عالقين عند المستويات التي نحن فيها اليوم «سيكون نطاق التداول عند + أو– ٢٠٪ متأثراً بالمتغيرات الجيوسياسية والمضاربة». سيؤثّر على أسعار الكهرباء، وبالطبع هناك حاجة للطاقة لإنتاج أيّ شيء، فالكثير من الأشياء مصنوعة من البلاستيك.
كما ينسى الناس الأمونيا التي تدخل في الأسمدة، والمصنوعة بدورها من الغاز الطبيعي، والتي تلعب روسيا دور منتج كبير لها. تنتج كلّ من روسيا وأوكرانيا الكثير من القمح الذي يصدّر إلى العالم النامي. من جديد لدينا صعوبة في التحوّل عن الهيدركربون.
نحتاج إلى ابتكارات أفضل من الموجودة اليوم فيما يخصّ الطاقة المتجددة. قد يكون الأمر مجرّد مفاعلات نووية صغيرة، لكنّها باهظة التكاليف للغاية. هناك الحل الذي اقترحته بريتش بتروليوم BP: الهيدروجين. لكن الهيدروجين يأتي بألوان متعددة: الأخضر الذي يتأتى من استعمال فوائض مصادر الطاقة المستدامة، من الطاقة الشمسية أو الرياح وصولاً إلى المياه المكهربة. كما أنّ هناك الهيدروجين الأزرق الصديق للبيئة إلى حدّ ما، ويُنتج بشكل رئيسي من الغاز الطبيعي، لكنّه يتطلب حرارة وهيدركربونات لفصله عن العناصر الأخرى. وهناك الهيدروجين الرمادي، وهو أقلّ أشكال الغاز تجدداً وصداقة للبيئة، ويتمّ اشتقاقه من الغاز الطبيعي أو الميثان.


بتصرّف عن:
A Sobering View of High Fuel Prices, Green Energy, and Biden’s Plans to Help Europe

معلومات إضافية

العدد رقم:
1065
آخر تعديل على الإثنين, 11 نيسان/أبريل 2022 12:46