عالم ما بعد الدولار: سيرغي غلازييف حول مراحل التحول للنظام الاقتصادي العالمي الجديد
في المقابلة التالية المهمة التي أجراها الصحفي بيبه إسكوبار مع الاقتصادي الروسي البارز سيرغي غلازييف يقول غلازييف إن الإصلاح الشامل للنظام النقدي والمالي العالمي الذي يهيمن عليه الغرب هي عملية قيد التنفيذ عبر القوى الصاعدة في العالم. وفيما يلي ترجمة المقابلة كما نشرت في 14 نيسان الجاري 2022.
سيرغي غلازييف رجل يعيش في قلب إعصارنا الجغرافي السياسي والجغرافي الاقتصادي الحالي. أحد أكثر الاقتصاديين نفوذاً في العالم، وعضو في الأكاديمية الروسية للعلوم، ومستشار سابق للكرملين من 2012 إلى 2019، وتولى على مدى السنوات الثلاث الماضية إدارة حقيبة أوبر الإستراتيجية في موسكو كوزير مسؤول عن الاندماج والاقتصاد الكلي للاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU).
لم يكن الإنتاج الفكري الأخير لغلازييف أقل من التحولات، في آخر مقالاته، التي بعنوان «نتائج العدوان الأمريكي الذي انعكس إيجابياً على روسيا» يعلّق غلازييف بأنه ترعرع «في زابوروجي، حيث يدور قتال عنيف الآن من أجل تدمير النازيين الأوكرانيين، الذين لم يكونوا موجودين في وطني الأم الصغير. لقد درستُ في مدرسة أوكرانية وأعرف الأدب واللغة الأوكرانية جيداً، والتي من وجهة نظر علمية هي لهجة روسية. لم ألاحظ أي شيء من الروسوفوبيا في الثقافة الأوكرانية. خلال 17 عاماً من حياتي في زابوروجي، لم ألتقِ مطلقاً بأيّ مناصرٍ لبانديرا».
هذه هي المقابلة الأولى له مع صحيفة أجنبية منذ بداية العملية Z.
السؤال الأول: أنت في طليعة التطور الجيو- اقتصادي الذي يغير قواعد اللعبة: تصميم نظام نقدي/مالي جديد من خلال ارتباط بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين، متجاوزاً الدولار الأمريكي، مع مشروع سيتم الانتهاء منه قريباً. هل يمكنك تقديم بعض ميزات هذا النظام، والذي هو بالتأكيد ليس نظام «بريتون وودز3»، بل يبدو أنه بديل واضح لـ«إجماع واشنطن» وقريب جداً من ضرورات الجنوب العالمي؟
غلازييف: في نوبة من الهستيريا المعادية للروس، لعبت النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة «ورقتها الرابحة» الأخيرة في الحرب الهجينة ضد روسيا. أدى «تجميد» احتياطيات النقد الأجنبي الروسي في حسابات عهدة البنوك المركزية الغربية، والمنظمين الماليين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إلى تقويض وضع الدولار واليورو والجنيه الإسترليني كعملات احتياطية عالمية. أدت هذه الخطوة إلى تسريع التفكيك الجاري للنظام الاقتصادي العالمي القائم على الدولار.
منذ أكثر من عقد من الزمان، اقترحت أنا وزملائي في منتدى أستانا الاقتصادي الانتقال إلى نظام اقتصادي عالمي جديد قائم على عملة تداول تركيبية جديدة تعتمد على مؤشر عملات الدول المشاركة. لاحقاً، اقترحنا توسيع سلة العملات الأساسية بإضافة حوالي عشرين سلعة يتم تداولها في البورصة. تمت النمذجة الرياضية للوحدة النقدية القائمة على هذه السلة الموسعة وأظهرت درجة عالية من المرونة والاستقرار.
في الوقت نفسه تقريباً، اقترحنا إنشاء تحالف دولي واسع للمقاومة في الحرب الهجينة من أجل الهيمنة العالمية التي أطلقتها النخبة المالية ونخبة السلطة في الولايات المتحدة على البلدان التي ظلت خارج سيطرتها. كتابي الذي بعنوان «الحرب العالمية الأخيرة: الولايات المتحدة ستتحرك وتخسر»، الذي نُشر عام 2016، أوضح علمياً طبيعة هذه الحرب القادمة ودافَعَ عن حتميّتها- وهو استنتاجٌ يستند إلى قوانين موضوعية للتطور الاقتصادي طويل الأجل. واستناداً إلى القوانين الموضوعية نفسها، قدم الكتاب الحجج على حتمية هزيمة القوة المهيمنة القديمة.
حالياً، تقاتل الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها، ولكن تماماً كما فعلت بريطانيا سابقاً، والتي أشعلت حربين عالميتين لكنها لم تتمكن من الحفاظ على إمبراطوريتها وموقعها المركزي في العالم بسبب تقادم نظامها الاقتصادي الاستعماري، فإنّ مصيرها هو الفشل. تم تجاوز النظام الاقتصادي الاستعماري البريطاني القائم على العمل العبودي لتحل محله أنظمة اقتصادية أكثر كفاءة من الناحية الهيكلية للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. كان كل من الولايات المتحدة واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أكثر كفاءة في إدارة رأس المال البشري في أنظمة متكاملة رأسياً، والتي قسّمت العالم إلى مناطق نفوذ لهما. بدأ الانتقال إلى نظام اقتصادي عالمي جديد بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وصل هذا التحول الآن إلى نهايته مع التفكك الوشيك للنظام الاقتصادي العالمي القائم على الدولار، والذي وفَّر الأساس للهيمنة العالمية للولايات المتحدة.
النظام الاقتصادي المتقارب الجديد الذي ظهر في جمهورية الصين الشعبية والهند هو المرحلة التالية الحتمية من التطور، حيث يجمع بين فوائد كل من التخطيط الإستراتيجي المركزي واقتصاد السوق، وسيطرة الدولة على البنية التحتية النقدية والمادية وريادة الأعمال. وحَّد النظام الاقتصادي الجديد طبقات مختلفة من مجتمعاتهم حول هدف زيادة الرفاهية المشتركة بطريقة أقوى بكثير من البدائل الأنكلوساكسونية والأوروبية. هذا هو السبب الرئيسي لعدم تمكن واشنطن من كسب الحرب العالمية الهجينة التي بدأتها. وهذا أيضاً هو السبب الرئيسي وراء استبدال النظام المالي العالمي الحالي المرتكز على الدولار بنظام جديد، بناءً على إجماع الدول التي تنضم إلى النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
في المرحلة الأولى من التحول، عادت هذه البلدان إلى استخدام عملاتها الوطنية وآليات المقاصّة، مدعومة بالتبادل بالعملات الثنائية. في تلك المرحلة، كان لا يزال تكوين السعر مدفوعاً في الغالب بالأسعار في مختلف البورصات، المقومّة بالدولار. لقد أوشكت هذه المرحلة على الانتهاء: بعد «تجميد» احتياطيات روسيا بالدولار واليورو والجنيه والين، فمن غير المرجح أن تستمر أيّة دولة ذات سيادة في تكديس الاحتياطيات من هذه العملات. استبدالها الفوري سيكون بالعملات الوطنية والذهب.
ستشمل المرحلة الثانية من التحول آليات تسعير جديدة لا تتخذ من الدولار مرجعيّة لها. يتضمن تكوين الأسعار بالعملات الوطنية نفقات عامة كبيرة، ومع ذلك، فإنه سيظل أكثر جاذبية من التسعير بالعملات «غير المثبتة» والغادرة مثل الدولار والجنيه واليورو والين. العملة العالمية المرشَّحة الوحيدة المتبقية (اليوان الصيني) لن تحل محلها بسبب عدم قابليتها للتحويل وبسبب الوصول الخارجي المقيَّد إلى أسواق رأس المال الصينية. أما استخدام الذهب كمرجعٍ للسعر فهو مقيّد بعدم ملاءمته للاستخدام من أجل المدفوعات.
ستشمل المرحلة الثالثة والأخيرة من التحوّل إلى النظام الاقتصادي الجديد إنشاءَ عملة دفع رقمية جديدة يتم تأسيسها من خلال اتفاقية دولية تستند إلى مبادئ الشفافية والإنصاف وحسن النية والكفاءة. وأتوقع أنَّ نموذج مثل هذه الوحدة النقدية التي طوَّرناها سيلعب دوره في هذه المرحلة. يمكن إصدار عملة كهذه من خلال مجموعة من احتياطيات العملات الخاصة ببلدان البريكس، والتي يمكن لجميع البلدان المهتمة الانضمام إليها. يمكن أن يكون وزن كل عملة في السلة متناسباً مع الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد (على أساس تعادل القوة الشرائية مثلاً)، وحصتها في التجارة الدولية، بالإضافة إلى عدد السكان والمساحة الإقليمية للبلدان المشاركة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تحتوي السلة على مؤشر أسعار السلع الأساسية المتداولة في البورصة: الذهب والمعادن النفيسة الأخرى، والمعادن الصناعية الرئيسية، والمحروقات، والحبوب، والسكر، وكذلك المياه والموارد الطبيعية الأخرى. لتوفير الدعم وجعل العملة أكثر مرونة، يمكن إنشاء احتياطيات الموارد الدولية ذات الصلة في الوقت المناسب. سيتم استخدام هذه العملة الجديدة حصرياً للمدفوعات عبر الحدود وسيتم إصدارها للبلدان المشاركة بناءً على صيغة محددة مسبقاً. وبدلاً من ذلك، ستستخدم البلدان المشاركة عملاتها الوطنية في إنشاء الائتمان، من أجل تمويل الاستثمارات والصناعة الوطنية، فضلاً عن احتياطيات الثروة السيادية. ستظل التدفقات عبر الحدود لحساب رأس المال خاضعة للوائح العملة الوطنية.
السؤال الثاني: يسأل مايكل هدسون على وجه التحديد أنه إذا كان هذا النظام الجديد يمكّن الدول في الجنوب العالمي من تعليق الديون التي يتم تحويلها بالدولار ويستند إلى القدرة على الدفع (بالعملة الأجنبية)، فهل يمكن ربط هذه القروض إما بالمواد الخام أو، بالنسبة للصين، بالملكية الملموسة للأسهم في البنية التحتية الرأسمالية المموَّلة من الائتمان الأجنبي بغير الدولار؟
غلازييف: من المرجح أن يكون الانتقال إلى النظام الاقتصادي العالمي الجديد مصحوباً برفضٍ منهجي للوفاء بالالتزامات بالدولار واليورو والجنيه والين. وفي هذا الصدد، لن يختلف عن المثال الذي قدمته الدول التي أصدرت هذه العملات والتي رأته مناسباً لقيامها بنهب احتياطيات النقد الأجنبي للعراق وإيران وفنزويلا وأفغانستان وروسيا والبالغة تريليونات الدولارات. بما أنّ الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي واليابان رفضوا الوفاء بالتزاماتهم وصادروا ثروات الدول الأخرى المحتفَظ بها بعملاتهم، فلماذا تلتزمُ الدول الأخرى بسدادها وخدمة قروضها؟
على أية حال، فإنّ المشاركة في النظام الاقتصادي الجديد لن تكون مقيَّدةً بالالتزامات في النظام القديم. يمكن أن تكون بلدان الجنوب العالمي مشاركاً كاملاً في النظام الجديد بغض النظر عن ديونها المتراكمة بالدولار واليورو والجنيه والين. حتى لو تخلفوا عن الوفاء بالتزاماتهم بتلك العملات، فلن يكون لذلك تأثير على تصنيفهم الائتماني في النظام المالي الجديد. وبالمثل، لن يتسبَّبَ تأميمُ الصناعات الاستخراجية في حدوث اضطراب. علاوة على ذلك، إذا احتفظت هذه البلدان بجزء من مواردها الطبيعية لدعم النظام الاقتصادي الجديد، فإنّ وزن كل منها في سلة عملات الوحدة النقدية الجديدة سيزداد وفقاً لذلك، مما يوفر لتلك الدولة احتياطيات أكبر من العملات وقدرة ائتمانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن خطوط المبادلة الثنائية مع البلدان الشريكة التجارية من شأنها أن توفر لهم التمويل الكافي للاستثمارات المشتركة وتمويل التجارة.
السؤال الثالث: في أحد مقالاتك الأخيرة، «اقتصاديات النصر الروسي»، تدعو إلى «تشكيل متسارع لنموذج تكنولوجي جديد وتشكيل مؤسسات لنظام اقتصادي عالمي جديد». من بين التوصيات، تقترح على وجه التحديد إنشاء «نظام دفع وتسوية بالعملات الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسيEAEU » وتطوير وتنفيذ «نظام مستقل من التسويات الدولية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون وبريكس، والذي يمكن أن يقضي على الاعتماد الحاسم على نظام SWIFT الخاضع لسيطرة الولايات المتحدة». هل من الممكن توقع حملة مشتركة منسَّقة من قبل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين «لبيع» النظام الجديد لأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، وأعضاء البريكس الآخرين، وأعضاء دول الآسيان ودولٍ في غرب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ وهل سينتج عن ذلك اقتصاد جغرافي ثنائي القطب – الغرب مقابل البقية؟
غلازييف: في الواقع، هذا هو الاتجاه الذي نسير فيه. من المخيب للآمال أنَّ السلطات النقدية في روسيا لا تزال جزءاً من نموذج واشنطن وتلعب وفقاً لقواعد النظام القائم على الدولار، حتى بعد أن استولى الغرب على احتياطيات النقد الأجنبي الروسية. من ناحية أخرى، دفعت العقوبات الأخيرة إلى البحث عن الذات بشكل مكثَّف بين بقية البلدان التي لا تعتمد على الدولار. لا يزال «وكلاء النفوذ» الغربيون يسيطرون على البنوك المركزية في معظم البلدان، مما يجبرهم على تطبيق سياسات انتحارية يحددها صندوق النقد الدولي. ومع ذلك، فإنّ مثل هذه السياسات في هذه المرحلة تتعارض بشكل واضح مع المصالح الوطنية لهذه البلدان غير الغربية لدرجة أنَّ سلطاتها يتزايد قلقها المبرَّر بشأن الأمن المالي.
لقد سلّطتَ بسؤالك الضوءَ بشكل صحيح على الأدوار المركزية المحتملة للصين وروسيا في نشأة النظام الاقتصادي العالمي الجديد. لسوء الحظ، لا تزال القيادة الحالية للبنك المركزي الروسي عالقة داخل المأزق الفكري لنموذج واشنطن وغير قادرة على أن تصبح شريكاً مؤسساً في إنشاء إطار اقتصادي ومالي عالمي جديد. في الوقت نفسه، كان على البنك المركزي بالفعل مواجهة الواقع وإنشاء نظام وطني للرسائل بين البنوك لا يعتمد على «سويفت»، وفتحه أمام البنوك الأجنبية أيضاً. تم بالفعل إنشاء خطوط تبادل العملات مع الدول المشاركة الرئيسية. إن معظم المعاملات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مقوَّمة بالفعل بالعملات الوطنية وتنمو حصة عملاتها في التجارة الداخلية بوتيرة سريعة.
يحدث تحول مماثل في التجارة مع الصين وإيران وتركيا. وأشارت الهند إلى استعدادها للتحول إلى المدفوعات بالعملات الوطنية أيضاً. يتم بذل الكثير من الجهد في تطوير آليات المقاصَّة للمدفوعات بالعملة الوطنية. بالتوازي مع ذلك، هناك جهد مستمر لتطوير نظام دفع رقمي غير مصرفي، والذي يمكن ربطه بالذهب والسلع الأخرى المتداولة في البورصة- «العملات المستقرة».
أدت العقوبات الأمريكية والأوروبية الأخيرة المفروضة على القنوات المصرفية إلى زيادة سريعة في هذه الجهود. تحتاج مجموعة الدول التي تعمل على النظام المالي الجديد فقط إلى أن تعلن عن اكتمال إطار العمل وجاهزية العملة التجارية الجديدة، وسوف تتسارع عملية تشكيل النظام المالي العالمي الجديد أكثر اعتباراً من ذلك. أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو الإعلان عنه في اجتماعات منظمة شنغهاي للتعاون أو مجموعة البريكس. ونحن نعمل على ذلك.
السؤال الرابع: لقد كانت هذه قضية رئيسية تماماً في المناقشات التي أجراها محللون مستقلون عبر الغرب. هل كان البنك المركزي الروسي ينصح منتجي الذهب الروس ببيع ذهبهم في سوق لندن للحصول على سعر أعلى مما ستدفعه الحكومة الروسية أو البنك المركزي؟ ألم تكن هناك توقعات على الإطلاق بأن البديل القادم للدولار الأمريكي يجب أن يعتمد بشكل كبير على الذهب؟ كيف تصف ما حدث؟ ما مقدار الضرر العملي الذي ألحقه هذا بالاقتصاد الروسي على المدى القصير والمتوسط؟
غلازييف: كانت السياسة النقدية للبنك المركزي الروسي، التي تم تنفيذها بما يتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي، مدمرةً للاقتصاد الروسي. جاءت كوارث «تجميد» ما يقرب من 400 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي وأكثر من تريليون دولار من الاقتصاد من قبل الأوليغارشية إلى الوجهات الغربية البحرية، على خلفية سياسات كارثية مماثلة من البنك المركزي الروسي، والتي تضمنت معدلات حقيقية عالية بشكل مفرط مجتمعة مع تعويم معدل سعر الصرف. نحن نقدّرُ أنّ هذا تسبب في نقص الاستثمار بنحو 20 تريليون روبل ونقص الإنتاج بحوالي 50 تريليون روبل في البضائع.
بعد توصيات واشنطن، توقف البنك المركزي الروسي عن شراء الذهب خلال العامين الماضيين، مما أجبر عمال مناجم الذهب المحليين فعلياً على تصدير كميات كاملة من الإنتاج، والتي أضافت ما يصل إلى 500 طن من الذهب. في هذه الأيام، أصبح الخطأ والضرر الذي تسبب فيه واضحين للغاية. في الوقت الحالي، استأنف البنك المركزي الروسي شراء الذهب، ونأمل أن يستمر في سياسات سليمة لصالح الاقتصاد الوطني بدلاً من «استهداف التضخم» لصالح المضاربين الدوليين، كما كان الحال خلال العقد الماضي.
السؤال الخامس: لم تتم استشارة بنك الاحتياطي الفيدرالي وكذلك البنك المركزي الأوروبي بشأن تجميد الاحتياطيات الأجنبية الروسية. قيل إنهم في نيويورك وفرانكفورت كانوا سيعارضون ذلك لو طُلب منهم. هل توقعت شخصياً التجميد؟ وهل توقعته القيادة الروسية؟
غلازييف: كتابي، الحرب العالمية الأخيرة، الذي ذكرته سابقاً، والذي نُشر منذ عام 2015، جادل في أن احتمالية حدوث ذلك في نهاية المطاف عالية جداً. في هذه الحرب الهجينة، تعد الحرب الاقتصادية والحرب المعلوماتية/المعرفية من المسارح الرئيسية للصراع. على كلتا الجبهتين، تتمتع الولايات المتحدة ودول الناتو بتفوق ساحق ولم يكن لدي أي شك في أنها ستستفيد بشكل كامل من ذلك في الوقت المناسب.
لقد كنت أطالب منذ فترة طويلة باستبدال الدولار واليورو والجنيه والين في احتياطياتنا من العملات الأجنبية بالذهب، الذي يتم إنتاجه بكثرة في روسيا. لسوء الحظ، فإن وكلاء النفوذ الغربيين الذين يشغلون أدواراً رئيسية في البنوك المركزية في معظم البلدان، وكذلك وكالات التصنيف والمطبوعات الرئيسية، نجحوا في إسكات أفكاري. لإعطائك مثالاً، ليس لدي أدنى شك في أن كبار المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي كانوا متورطين في تطوير عقوبات مالية مناهضة لروسيا. كانت هذه العقوبات تتصاعد باستمرار ويتم تنفيذها على الفور تقريباً، على الرغم من الصعوبات المعروفة في اتخاذ القرارات البيروقراطية في الاتحاد الأوروبي.
السؤال السادس: تمت إعادة تعيين إلفيرا نابيولينا كرئيسة للبنك المركزي الروسي. ما الذي ستفعله بشكل مختلف مقارنة بأفعالها السابقة؟ ما هو المبدأ التوجيهي الرئيسي المتضمن في مناهجك المختلفة؟
غلازييف: الفرق بين مقاربتنا بسيط للغاية. سياساتها هي تنفيذ تقليدي لتوصيات صندوق النقد الدولي وعقائد نموذج واشنطن، بينما تستند توصياتي إلى المنهج العلمي والأدلة التجريبية التي تراكمت على مدى المئة عام الماضية في البلدان الرائدة.
السؤال السابع: يبدو أن الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين أصبحت صارمة بشكل متزايد- كما يؤكد الرئيسان بوتين وشي باستمرار. لكن هناك قعقعة ضدها ليس فقط في الغرب ولكن أيضاً في بعض الدوائر السياسية الروسية. في هذا المنعطف التاريخي الدقيق للغاية، ما مدى موثوقية الصين كحليف دائم لروسيا؟
غلازييف: أساس الشراكة الإستراتيجية الروسية الصينية هو الفطرة السليمة والمصالح المشتركة وتجربة التعاون على مدى مئات السنين. بدأت النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة حرباً عالمية هجينة تهدف إلى الدفاع عن موقعها المهيمن في العالم، واستهدفت الصين باعتبارها المنافس الاقتصادي الرئيسي وروسيا باعتبارها القوة الرئيسية المضادة للتوازن. في البداية، كانت الجهود الجيوسياسية الأمريكية تهدف إلى خلق صراع بين روسيا والصين. كان عملاء التأثير الغربي يضخّمون الأفكار المعادية للأجانب في وسائل الإعلام لدينا ويمنعون أية محاولات للانتقال إلى المدفوعات بالعملات الوطنية. على الجانب الصيني، كان عملاء النفوذ الغربي يدفعون الحكومة لتتوافق مع مطالب المصالح الأمريكية.
ومع ذلك، أدت المصالح السيادية لروسيا والصين منطقياً إلى تنامي شراكتهما الإستراتيجية والتعاون، من أجل معالجة التهديدات المشتركة المنبثقة من واشنطن. أثبتت حرب الرسوم الجمركية الأمريكية مع الصين وحرب العقوبات المالية مع روسيا صحة هذه المخاوف وأظهرت الخطر الواضح والقائم الذي يواجهه بلدينا. المصالح المشتركة للبقاء والمقاومة توحد الصين وروسيا، ودولتانا متكافلتان اقتصادياً إلى حد كبير. إنهما تكملان وتزيدان المزايا التنافسية لبعضها البعض. ستستمر هذه المصالح المشتركة على المدى الطويل.
تتذكر الصين حكومة وشعباً جيداً دور الاتحاد السوفييتي في تحرير بلادهم من الاحتلال الياباني وفي تصنيع الصين بعد الحرب. لدى بلدينا أساس تاريخي قوي للشراكة الإستراتيجية، ونحن مصممون على التعاون الوثيق في مصلحتنا المشتركة. آمل أن تصبح الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وجمهورية الصين الشعبية، والتي تم تعزيزها من خلال اقتران (حزام واحد طريق واحد) مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أساس مشروع الرئيس فلاديمير بوتين للشراكة الأوروبية الآسيوية الكبرى ونواة مشروع النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1066