رفض الصين التحوّل إلى اقتصاد مالي: «2: ترويض علي بابا»
تسوي وزيونغ وشياوهوي تسوي وزيونغ وشياوهوي

رفض الصين التحوّل إلى اقتصاد مالي: «2: ترويض علي بابا»

ربّما النقطة الأكثر حساسية وإثارة للاهتمام عند الحديث عن الصين واختلافها عن الغرب هو مدى هيمنة رأس- المال المالي، أو التوطئة لهيمنته على الاقتصاد الصيني. بل ربّما هو الأمر الأكثر أهميّة في تقرير مدى انطباق الديناميكيات الرأسمالية على الاقتصاد الصيني. يسمح لنا فهم هذا الأمر بالتنبؤ بما يمكن أن يحدث للتنّين الصيني من حيث الاستمرارية في الصعود وازدياد تأثيره العالمي، سواء على منطقتنا أو على النظام الاقتصادي العالمي ككل، وأشكال التأثير السياسي والاجتماعي التي تنتج عنه. تقدّم قاسيون لهذا الغرض ترجمة لمقال بحثي مبسّط شديد الأهميّة على ثلاثة أجزاء، يناقش الجزء الثاني أعمال الشركة العملاقة الخاصة «علي بابا» وشركاتها الفرعية التي ساهمت في الدفع نحو الأمولة، والخطر الذي استشعرته الحكومة المركزية والحزب من هذه الأعمال وكيف تصرّفا بناء عليه.

ترجمة: قاسيون

أصبحت الأرض الدخل الرئيسي للحكومات المحليّة، حيث تمثّل أكثر من 80% من مصادر التمويل في الكثير من الأماكن. في 2008، مدفوعة باستثمار 4 ترليونات يوان كإنقاذ من الأزمة العالمية، زاد رصيد ديون الحكومات المحلية على الصعيد الوطني بشكل كبير من 5,5 ترليون يوان في 2008، إلى 24 ترليون في نهاية 2014. استخدمت الحكومات المحلية أراضي البناء الاحتياطية والأصول المرفقة بها كضمانات للقروض. ومن أجل الحفاظ على سلسلة الديون دون كسر، يمكن للقروض أن تمدد فقط عبر أخذ قروض جديدة لسداد القروض القديمة. عنى هذا أنّ طبيعة سياسة الأرض المتبعة من قبل الحكومات المحلية قد تغيرت من «أرض تدعم القروض» إلى «أرض تدعم الديون».
تحاول الحكومة المركزية أن تحدّ من توسّع فقاعة العقارات. لسوء الحظ لم تنجح في ذلك بعد، وأحد الأسباب لذلك هو إضعاف الاقتصاد الحقيقي، واعتماد الحكومات المحلية بشكل متزايد على إيرادات الأرض لتغطية الديون. لدى الصين اليوم فقاعات داخلية متداخلة– فقاعة العقارات، وفقاعة الديون، وفقاعة الاستثمار. رغم تحويل التمويل إلى قوّة معزولة في الاقتصاد والمجتمع، تكافح الحكومة من أجل كسر لعنة الدين/التمويل باستخدام السلطة السياسية والتأديبية.
أحد الأمثلة الحديثة لنمو قوّة التمويل هو «Ant Financial أنت- فايننشال»، وهي شركة تابعة لمجموعة «علي بابا» الشركة التكنولوجية- المالية الأكبر في الصين وفي العالم حتّى. يأتي إنشاء شركة «Ant» على خلفية أربعة عقود من الإصلاح وسياسات الباب المفتوح، والتي أدّت إلى نمو اقتصادي مذهل، ولكن أيضاً إلى عبادة الفردية والنزعة الاستهلاكية. إنّ شركة «أنت» هي رمز لريادة الأعمال الخاصة الناجحة، لكنّها لا تتوافق بالضرورة مع وضع الناس في المقدمة.

علي بابا: أكبر من أن تترك

في تشرين الثاني 2020، توقّف الاكتتاب العام الأولي على مجموعة «أنت-فيننشال» في شنغهاي وهونغ كونغ في الدقيقة الأخيرة بشكل فجائي. كان من المتوقع أن يكون أكبر طرح عام أولي في العالم، بعد أن سجّل المستثمرون مقابل ما قيمته 37 مليار دولار. تملك مجموعة علي بابا القابضة المحدودة، وهي شركة التكنولوجيا متعددة الجنسيات المتخصصة في التجارة الإلكترونية، الحصّة الثالثة في مجموعة «Ant». تستهدف «Ant» المجموعات الضعيفة. يعمل رأس-مال تكنولوجيا التمويل مع البنوك الرسمية لمركزة الحيازات المالية. تستخدم البيانات الكبيرة لاكتشاف واستغلال مواطن ضعف الزبائن. لكن كيف أصبحت عملاقة؟
«علي- بي» هي منصّة دفع على الإنترنت والهاتف المحمول تابعة لطرف ثالث، تمّ إنشاؤها في 2004 من قبل مجموعة «علي بابا». بلغ عدد مستخدمي المنصّة 870 مليون في 2018. إنّها أكبر منظمة في العالم لخدمة الدفع بواسطة الهاتف المحمول، وثاني أكبر منظمة لخدمة الدفع في العالم. وفقاً للإحصاءات، كان لدى «علي- بي» ما يقرب من 60% من سوق مدفوعات الطرف الثالث في الصين باستثناء هونغ كونغ. منذ 2013 بدأت علي بابا المالية بتقديم خدمات ماليّة صغيرة تشمل قطاعات الأعمال.
كانت «أنت-فايننشال» تصبح أكبر فأكبر بسبب الدعم من الحكومات المحليّة وعدد من القطاعات المرتبطة بالمؤسسات المملوكة للدولة. كان اتجاه الأمولة متشابكاً جزئياً مع عملية الخصخصة. في 2013، تشاركت علي بابا مع شركة تيانهونغ لتطوير «يو- إيباو»، وهي أداة إدارة للنقود. بنهاية 2015، تخطى عدد مستخدمي الأداة 260 مليون، بما يقدر بـ 620,7 مليار يوان، ما خلق عائدات بقرابة 50 مليار يوان. في 2015، تمّت إعادة هيكلة صندوق تيانهونغ، وهو أكبر صندوق نقدي في الصين، ليتحول من مؤسسة تتحكم فيها الدولة إلى مؤسسة خاصة، مع حيازة علي بابا على 51% من أسهمه.
في 2015 تقدّمت كلّ من «أنت» و «شركة الصين الوطنية للاستثمارات والضمان» بطلب لإنشاء مركز لتبادل الأصول المالية على الإنترنت في إقليم زيجيانغ، وحصلت على موافقة حكومة الإقليم. في 2015 أتمّت «أنت» جولتها التمويلية من المؤسسات المملوكة للدولة، بما في ذلك من بنك التنمية الصيني وشركة ضمان الحياة الصينية. في 2016، أتمّت جولتها الثانية من الحصول على التمويل فيما يعدّ أكبر تمويل فردي خاص لصناعة الإنترنت العالمية في التاريخ، مع مستثمرين جدد مثل مؤسسة الاستثمار الصينية، وبنك التعمير الصيني، والمزيد من التمويل من شركات الجولة الأولى المملوكين للدولة. في 2019، وقّع بنك الصناعة والتجارة الصيني شراكة عميقة وشاملة مع «علي بابا» و«أنت- فايننشال» لتسريع التعاون في بناء تمويل رقمي.
انخرطت «مجموعة أنت» بعمق في الترويج لاقتصاد المضاربة على الديون. في 2010 أصدرت «علي-بي» أكثر من 26 مليار يوان كقروض للتجّار على منصتها، لتكسب أكثر مليون يوان مداخيل فوائد في يوم واحد. في 2011 تمّ منح «علي- بي» رخصة تمويل صغير من قبل حكومة تشونغكينغ المتمتعة بحكم ذاتي، وبحلول 2013 كان لدى فرع «أنت- تشونغكينغ» رأس-مال مسجّل يبلغ 3 مليارات يوان، واستخدم مزية الإقراض بمقدار الضعف ليمنح قروضاً بمقدار 6 مليارات يوان، ما خلق «حجماً للتمويل الصغير الإلكتروني online microfinance scale = لقياس حجم النمو في سوق الأوراق المالية دون قياس النمو الحقيقي» بقيمة 9 مليارات يوان، في حين أنّ حجم رأس المال البالغ 35 مليار يوان الذي تحصّلت عليه «مجموعة أنت» كان سببه الإصدار عالي السرعة للسندات المدعومة بالأصول خلال تلك الفترة. لم تملك «علي بابا» إلّا أقلّ من 2% من الأموال التي تمّ إقراضها على منصّة «أنت»، حيث تلقّت أكثر من 98% من مؤسسات مالية.

جيل من المدينين!

المساهم الأكبر في إيرادات «أنت» هي خدمات الائتمان من «علي- بي»، والتي أصبحت اليوم «أنت- كريديت- بي» و«أنت- كاش- ناو»، والتي تمثّل 39,4% من إيرادات الشركة، و47,8% من كليّ الأرباح. من بين 2,15 ترليون في الائتمان، تتقاضى معدلات فائدة سنوية وسطية 15%، أي تقريباً على الخط الأحمر الذي يحدده القانون بـ 15,4% كأعلى معدل فائدة سنوي للإقراض الخاص. تتقاضى «أنت- كاش- ناو» اليوم معدلات فائدة يومية عند 0,05%، أي إنّ معدلات فائدتها الفعلية السنوية هي 18%. بهذا المعنى فشركة «أنت» ليست أكثر من مرابٍ يتخفى بمعطف عالي التقنية.
تمّ الإيقاع بالكثير من الشباب في فخّ الديون التكنولوجيّة هذه. في 13 تشرين الثاني 2019، أي بعد يومين من طفرة تسوّق يوم العازبين، أعلن تقرير حول «ديون الشباب في الصين» بأنّ إجمالي معدل تغلغل المنتجات الائتمانية بين البالغين الصينيين من الشباب قد وصل إلى 86,6%، بينما يبلغ منهم من يستطيع سداد ديونه في ذات الشهر مجرّد 41,1%، ما يعني أنّ أكثر من نصف هؤلاء مدينون. كان متوسط مستوى ديون جيل الألفية الصينيين 120 ألف يوان، أي ما يساوي 1850% من المداخيل الشهرية.
علاوة على ذلك، وفقاً لبنك الشعب الصيني، بحلول 30 حزيران 2020 ارتفع المبلغ الإجمالي لبطاقات الائتمان متأخرة الدفع المستحقة لستّة أشهر في جميع أنحاء الصين إلى 85,4 مليار يوان، أي أكثر بعشرة أضعاف عمّا كانت عليه الحال قبل عشرة أعوام، مع تشكيل الجيل الذي ولد بعد 1990 قرابة نصف هؤلاء المقترضين المتأخرين عن السداد. من محاذير ازدهار اقتصاد الديون هذه احتمال زيادة الاضطرابات الاجتماعية، ولهذا فالحكومة المركزية عازمة على كسر لعنة الديون والتمويل من خلال سياسات السيطرة على رأس المال ومكافحة الأمولة، خاصة وأنّ هناك بعض أوجه التشابه بما حصل في الخمسينات.
في 2 تشرين الثاني 2020، قبل يوم واحد من الطرح الأولي العام للاكتتاب على «مجموعة أنت»، أعلن بنك الشعب الصيني ولجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية ولجنة تنظيم الأوراق المالية وإدارة الدولة للنقد الأجنبي، بأنّهم أجروا لقاءات تنظيمية مع المسيطرين الحقيقيين على «مجموعة أنت»: جاك ما، ورئيس مجلس الإدارة إيريك جينغ، والمدير التنفيذ سيمون هو. اعتقد البعض بأنّ السبب هو انتقاد جاك ما العلني للنظام النقدي الصيني، حيث أعلن في «قمّة بوند» في شنغهاي 2020: «ليس في الصين مشكلة مخاطر نظام مالي، التمويل الصيني ليس فيه مخاطر، المخاطر في الحقيقة موجودة في عدم وجود نظام... لا تزال البنوك اليوم تعمل بعقلية مكتب رهونات بالحاجة إلى ضمانات وكفالات مثلما يفعل مكتب الرهونات... عقلية مكتب الرهونات المالية الصينية أمر شديد الجديّة».
بعد ذلك تمّ نشر لائحة طويلة من حاملي أسهم «أنت»، بما في ذلك المنظمات والرأسماليون المحليون والأجانب. تمّ تسميه اللائحة «بالمأدبة الفخمة لرأس المال المحلي والعالمي». ضمّت اللائحة المحليّة مؤسسات مملوكة للدولة الصينية مثل صندوق مجلس الضمان الاجتماعي الوطني، وبنك التنمية الصيني، ومجموعة البريد الصينية، وشركة التأمين على الحياة. أمّا حاملو الأسهم الأجانب فضمّت أفراداً ومنظمات تحمل ما مجموعه 52,07% من الأسهم، ومن بينهم شريك جاك ما: يو فينغ، والملياردير من هونغ كونغ: لي كا شينغ، ورابطة فاميليال موليز الفرنسية، ومنظمات حكومية أجنبية مثل صندوق سنغافورة الاستثماري، وصندوق الاستثمار السعودي، وجهاز أبو ظبي للاستثمار، وخزانة برهاد الوطنية الماليزية من بين آخرين. حملت مجموعة «وول ستريت آند سيتي» المالية الأمريكية-البريطانية التي تتخذ من لندن مقراً لها 27,16% من الأسهم، وكريديت سويس 0,44% من الأسهم.

1029-10

استشعار الخطر والتدخل

بدأت أجهزة الحزب والدولة الصينية باستشعار الخطر المتزايد لتضخم «علي بابا» بشكل جدي. في كانون الأول 2020، أعلن اجتماع المكتب السياسي المركزي في الحزب الشيوعي بأنّه «سيعزز تدابير مكافحة الاحتكار ويمنع التوسّع غير المنضبط لرأس المال». ثمّ أطلق تحقيقاً استمرّ شهوراً بشأن مكافحة الاحتكار في «علي بابا». بالإضافة إلى ذلك تمّ إضعاف نفوذ «علي بابا» في مجالات التعليم والإعلام. مثال: في السابق قام جاك ما بقيادة مجموعة من عمالقة التكنولوجيا والصناعة لإنشاء جامعة هوبان– وهي أكاديمية أعمال للنخب– في مسقط رأسه بمدينة هانغتشو في 2015. في 16 كانون الأول 2020 تمّ تعليق فرع جامعة هوبان في إقليم يونان. في 9 نيسان 2021 تمّ منع فرع الجامعة في هانغزو من قبول طلّاب جدد. في ذات الوقت تمّ إصدار أوامر إلى «علي بابا» بسحب بعض ممتلكاتها من المجموعات الإعلامية الخاصة الصينية الرائدة.
في 10 نيسان 2021، فرضت «إدارة الدولة لتنظيم السوق» غرامة قياسية قدرها 18,2 مليار يوان «2,8 مليار دولار» على شركة «علي بابا»، ما يمثّل 4% من مجمل أرباحها المحلية في 2019 والبالغة 455,71 مليار يوان. وفقاً «لإدارة الدولة لتنظيم السوق» قامت شركة «علي بابا» باستخدام مركزها المهيمن في السوق لإجبار التجار على الانحياز لمنصات إلكترونية محددة في السوق، الممارسة المعروفة باسم «اختر واحداً من اثنين»، وانتهاك حقوق كلّ من التجار والمستهلكين. سلّط بيان «إدارة الدولة لتنظيم السوق» الضوء بشكل خاص على أنّ «مجموعة علي بابا القابضة المحدودة قد تمّ تأسيسها في 1999 وتسجيلها باسم شركة ترايدنت تروست المحدودة في جورج تاون في جزر كايمان في مناطق بريطانية في أعالي البحار». وكما هو معروف للجميع، فجزر كايمان هي أحد أكبر الملاذات الضريبية للشركات العالمية والأفراد الأثرياء.
لنوضّح المغزى من هذه التحركات ببساطة: «علي بابا» أكبر من أن تتم المخاطرة بتركها دون قيود، ولهذا يجب تنظيمها على أساس منطق حماية مصالح الناس، وليس على أساس السوق.
في وقت مبكر من عام 2014، كتب نيو وينكسين، رئيس التحرير التنفيذي وكبير المعلقين الإخباريين في قناة سي.سي.تي.في المملوكة للدولة الصينية، مقالة مثيرة للجدل للحثّ على «حظر يو- إيباو»، أداة إدارة النقود المملوكة لشركة «علي بابا». انتقد وينكسين ممارسات يو- إيباو «المالية الشريرة» التي تتعارض مع مبدأ الحكومة المركزية بأنّ هدف التمويل هو خدمة الاقتصاد الحقيقي:
«يو- إيباو مصاصو دماء، يعتمدون على البنوك، وهم طفيليو تمويل نموذجيون. إنّهم لا يخلقون قيمة، بل ربحاً من القيمة عبر تحميل الكلفة الاقتصادية للمجتمع بأسره... ولنكون أكثر تحديداً، دعنا نفترض بأنّ متوسط العائد البالغ 6% على حجم يو- إيباو البالغ 400 مليار يوان، والربح 24 مليار يوان، فستبتلع يو- إيباو وصندوق الأموال حوالي 8 مليارات يوان «2% من الـ 400 مليار يوان» وبقيّة عملاء يو- إيباو الآخرين 16 مليار يوان. إنّه يتدخل بشدّة في سوق معدلات الفائدة، ويتدخل بشكل خطير في السيولة المصرفية، ويرفع بشكل مثير للقلق تكاليف تمويل المؤسسات الصناعية، وبالتالي يكثّف الحلقة المفرغة بين قطاع التمويل والقطاع الصناعي، ويهدد بشكل خطير أمان الاقتصاد والتمويل الصينيين.
اقترحت الحكومة منذ ذلك الحين عدداً من السياسات المخصصة للمراقبة والمتابعة. يعني هذا بأنّ الحكومة قادرة على اتخاذ إجراءات فعّالة في مواجهة العمالقة الماليين، وتنفيذ هذه الإجراءات وتحقيق الهدف منها.
على الرغم من الاختلاف في السياق التاريخي، فقد يكون من الجدير بنا استطلاع حالات مشابهة تعاملت معها الصين قبل اندماجها في الاقتصاد العالمي، وهو ما سنراه في الجزء التالي من سلسلتنا عن رفض الصين التحوّل إلى اقتصاد مالي.

  • بتصرّف عن: Legacies of Definancialization and Defending Real Economy in China

معلومات إضافية

العدد رقم:
1029
آخر تعديل على الإثنين, 02 آب/أغسطس 2021 17:07