المجال الأكاديمي: الهيمنة عليه ضرورة لإنتاج الموافقة

المجال الأكاديمي: الهيمنة عليه ضرورة لإنتاج الموافقة

إذا ما أردنا التفريق من الناحية الكميّة بين وجود بعض الملح وعدم وجوده بشكل تام، فسنرى أنّ الفرق واضح لا يمكن إنكاره. لكن إذا ما انسحب تفريقنا إلى أبعد من الوجود الكمّي ووصل إلى أثر الملح، فسنعلم بأنّ وجود الملح أدنى من كميات محددة يجعل وجوده من عدمه واحداً. يحاول الرأسماليون إعطاء الانطباع عن نظامهم بكونه يمنح حرية الخيار، لكنّه في الحقيقة لا يمنح إلا القسرية. تُعيد الرأسمالية إنتاج وهم الخيار بشكل مستمر، عبر إظهار أنّ الشيء ونقيضه موجودان جنباً إلى جنب، لكنّ الأمر لا يعدو مستوى الوهم.

راجو داس
تعريب وإعداد: عروة درويش

فإذا ما نظرنا مثلاً إلى أحزاب السلطة في العالم الرأسمالي، سنرى اختلافات كثيرة في الشكل والأشخاص وبعض الطروحات السطحيّة، لكنّها مجرّد اختلافات غير مهمة في الجوهر. وبما أنّ كلّ شيء لدى الرأسمالية هو سوق، فليس هناك اختلاف بين سوق العالم السياسي «سوق الانتخابات» الذي يمثل السياسيون فيه النخب، والسوق الثقافي «المجال الأكاديمي ضمناً» الذي يمثل فيه المدرِّسون الأكاديميون النخب.
يحاول المجال الأكاديمي المُهيمَن عليه رأسمالياً أن يظهر وكأنّه يمنح طلابه الخيار الكامل، عبر عرضه لجميع وجهات النظر المتضاربة بحيادية، لكنّه متحيّز يختزل العرض إلى حدود تقديم الماركسية بكميات لا أثر لها، بحيث يصبح وجودها في المجال الأكاديمي شبيهاً بعدمه من الناحية العملية.
يشبه هذا الأمر كامل المجالات التي تتبع طريقة التفكير البرجوازية الأصيلة فيما يخص الإطار المهيمن. فالعمال مثلاً أحرارٌ ضمن سوق العمل، فهم يختارون المؤسسة الرأسمالية التي يرغبون بالعمل لديها، لكنّهم غير قادرين على الخروج من الإطار المُهيمن للرأسمالية بأن يرفضوا العمل عند الرأسماليين على الإطلاق. والطلاب مقيدون بذات الإطار المهيمن، فهم أحرار في اختيار دراسة فرع أكاديمي ما، لكنّهم غير أحرار في أن يختاروا الماركسية كأسلوب يحكم فرعهم الأكاديمي، وذلك إمّا لعدم وجوده على الإطلاق، أو لأنّه موجود بشكل مختزل لا أثر له.

التمويه

لا يتجاهل العالم الأكاديمي الماركسية بشكل مطلق، فقد نجد بعض القطاعات الأكاديمية تقتبس عن الماركسيين أو برنامجاً ما، يُعطى الطلاب فيه مهمة قراءة مقال ماركسي ما. المهم أن يفعلوا ذلك دون أن يخرجوا عن نمط التفكير المهيمن.
لكنّ المشكلة الأكبر هي عندما يحاول بعض ممثلي المجال الأكاديمي أن يقدِّموا أنفسهم وكأنّهم يعبرون عن الماركسية عندما ينتقدون النيوليبرالية أو الفقر أو التغيّر المناخي أو اللامساواة الهائلة أو الفساد السياسي أو مصادرة الحريات الديمقراطية... إلخ. إنّهم عندما يفعلون ذلك يخفون، عن غفلة أو عمد، جهلهم بالرؤية الماركسية المحورية: الفارق الجوهري بين الشكل والمحتوى. فانتقاد الصيغة «النيوليبرالية أو العولمة كمثال» وحصيلتها «الفقر والتغير المناخي...» ليس هو ذاته انتقاد كامل المحتوى الطبقي للنظام القائم الذي يعدّ أمراً جوهرياً لفهم كامل البناء الذي أنتج الصيغة وحصيلتها.
الاختزال في النقد هو تمويه غير بريء على مستوى المنظومة ككل، ومن هنا يمكننا فهم أنّ هذا القليل من الماركسية الذي يتم طرحه ما هو إلا اختزال لجوهر الماركسية، وعملية مستمرة لتجريده من الفحوى.

نزع صفته السياسية

يمكننا أن نلاحظ بشكل جلي، في البرامج والمناهج والأبحاث التي تجد فيها الماركسية مساحة كبيرة نسبياً، تجريد الماركسية من صفتها السياسية. هذا التجريد نجده في العبارة المكررة: «ماركس حديثه جيّد، لكن ليس لينين أو ستالين». إنّ ممثلي المجال الأكاديمي من هذا النوع يعتقدون بوجوب التفريق بين الأفكار الماركسية الأخلاقية من جهة، وما يجب فعله من أجل تغيير العالم.
هذا النوع من التفكير التجريدي هو من السمات الأصيلة للتفكير البرجوازي. فبالنسبة لهؤلاء «التقدميين»، الأفكار الماركسية عن العالم تستحق إيلاءها الأهمية بوصفها مُثلاً عُليا، أمّا تحويل هذه الأفكار إلى برامج عمل ماركسية لتغيير العالم فهو أمر شديد الخطورة وغير واقعي.
الطريقة الوحيدة التي يُسمح فيها للبرامج والأبحاث الأكاديمية أن تتناول الماركسية سياسياً هي عبر العدسة الضيقة «للديمقراطية- الاشتراكية»: أي من خلال فكرة أنّ العالم يمكن أن يكون مكاناً أفضل على قاعدة بعض التدخلات الحكومية والصراع النقابي وحركات العدالة الاجتماعية وحركات الحد من الضرر البيئي، بحيث لا يكون المستهدف هو العمل الجذري بل التجميلي وحسب.
إنّ الرؤى الديمقراطية- الاشتراكية التفسيرية لهي كارثة بحدّ ذاتها. فهم يرون أنّ مشاكل العالم موجودة بسبب عدم تشكيل سياسات حكومية ملائمة، والنقص في عدد الوكالات الإنسانية غير الحكومية التي تسعى إلى نشر الخير. يتم على الدوام تجاهل حقيقة أنّ الديمقراطية- الاشتراكية، سواء في شكلها القديم أم الجديد، ما هي إلا مساومة برجوازية لاحتواء مطالب الطبقة العاملة.

أسلوب التهميش

إنّ القصة عن منع الماركسيين من شغل الوظائف في القطاع الأكاديمي والترقِّي فيها، أو عن منع المقالات الماركسية من الظهور في الوسائل الإعلامية وخلافه ليس بالأمر الجديد. أرغب بأن أعرض بشكل مختصر «السياسات المناهضة للماركسية» في القطاعات الأكاديمية.
يمكن إيضاح الطريقة التي يتعامل فيها المجال الأكاديمي مع الماركسية عبر النظر إلى العدد الهائل من الفصول الاختيارية والمحدود من الفصول الإلزامية التي يتم عرضها في الوحدات الأكاديمية في الجامعات. الفصول الإلزامية هي التي يتوجب على جميع الطلاب أن يأخذوها كي يبدأوا بتخصص محدد أو تخصص فرعي منه، وبالتالي فهي هامة من ناحية تحصيل الشهادات الأكاديمية. السيطرة بشكل محكم على ما يتم تدريسه أمر حاسم في هذا السياق. يتم تقديم القليل جداً من الماركسية للطلاب، بينما في غالبية الأوقات يتم التركيز على بقية أنماط «النقد» غير الماركسي وأساليب التفكير الأخرى. لا يوجد للماركسية في الفصول الإلزامية أكثر من حضور صغير إن وجد أساساً.
قد يظن البعض بأنّ العالم الأكاديمي، حيث لا يُمنح أيّ نهج فكري ثقلاً وأهميّة أكبر من شيء آخر، لا يملك سبباً للتشديد على الماركسية دون غيرها. لكنّ هذا المنطق عن عدم أفضلية شيء على حساب شيء آخر «أي الحياد والتساوي في التعامل مع جميع التيارات» لم يمنع التنظيم التعليمي من إنفاق معظم الوقت على ما يدعى بشكل أو بآخر «بالسائد mainstream»، وهو ما يجعله يبتعد عن قول أيّ شيء عن وجود الديالكتيك وعن السمة المادية للعالم، أو عن العلاقة بين المعرفة والمصالح الطبقية ... إلخ. وفي حال الإكثار، لن يتطرق فصل مؤلف من 15 أسبوعاً سوى بجزء من أسبوع واحد للماركسية، وسيكون تناولها سطحياً وجزئياً ومشوَّهاً. ويعود هذا بجزء منه إلى كون مدرسي الجامعات بغالبيتهم لا خبرة لهم في الماركسية.

ليس الجامعات وحسب

ما أقوله بشأن الفصول الدراسية الأكاديمية ينطبق بشكل ممتاز على قطاعات أكاديمية أخرى. أحدها هو المؤتمرات الأكاديمية: وهي آليات إنتاج ثقافي مموّل ببذخ، حيث يتم الترويج بشكل حر ودون رادع للأفكار البرجوازية تحت مسمى النقاشات الفكرية. يمكن للمهتم أن يقوم بعملية بحث صغيرة على المواقع والصفحات الإلكترونية لهذه المؤتمرات الأكاديمية المنضبطة جداً، ليجد بأنّ كلمات، مثل الماركسية أو الاشتراكية العلمية لم تحظَ إلّا بوجود مهلهل إن وجدت أساساً.
القطاع الأكاديمي الآخر الذي ينسحب عليه الأمر هو الصحف والمجلات الأكاديمية «وهي امتداد لإنتاجات الأعمال الكبرى». يتم رفض أعمال الكتاب الماركسيين أو يطلب إليهم تنقيح مقالاتهم بحيث يتم استبعاد معظم المحتوى الماركسي من المشاركات المنشورة. وكلّ هذا يجري مبيناً على خلفية سياسية أشهرها «عمومية الطرح». إنّ المواد المنشورة في المجلات الأكاديمية لها دور هام في تشكيل المحتوى الأكاديمي العام، ولهذا يُغيّب عنها المحتوى الماركسي. وإن أظهر المحرر تصرفات تدل على تحرره الفكري ورفع عدد المساهمات الماركسية ضمن منشوراته «عادة لا تجاوز نسبة المنشورات من هذا النوع 1%»، فليس بالجديد أن يتم إعفاؤه من منصبه، وإزالته من المجلة بشكل كُلّي أحياناً.
ثمّ لدينا الأبحاث اللازمة للتخرج التي يجريها الطلاب في برامج الماجستير والدكتوراة، والتي تكون بإشراف الأساتذة والدكاترة المدرِّسين. هناك عدد هائل من هذه الأبحاث يدور حول مناحٍ صغيرة جداً في مجتمع ما هنا أو هناك في إحدى البقاع الجغرافية واسعة الامتداد. الكثير من هذه الأبحاث تدور حول كيفية قيام الناس بشكل عقلي «وذلك عبر المنظور الفردي الضيق» بإنشاء الأشياء وهوياتها، بل وحتى طبيعتها ووجودها المادي. لكنّ هذه الأبحاث لديها القليل جداً لتقوله عن المجتمع بوصفه الكُلّي المدفوع بالتناقضات الداخلية. لا تتكلم هذه الأبحاث إلا لماماً عن الهياكل الموضوعية الجوهرية لعلاقات القوة الاقتصادية والسياسية الموجودة بشكل مستقل، والكيفية التي يفكر فيها البشر ضمن هكذا نمطٍ من العلاقات.
إنّ قسماً كبيراً من أبحاث التخرُّج هذه التي تكون مثيرة للاهتمام، وتملك إضافات من الناحية الفكرية، يقدمها طلبة متأثرون بالأفكار الماركسية بشكل ثقيل وليس هامشي.

التغريب الأكاديمي

مثلما يحدث في الفنون البصرية، يجتاح التجريد القطاعات الأكاديمية كما النار في الهشيم. التجريد هو الوجه الآخر لعملة «الانضباط» المفروضة على الطلاب والباحثين في مختلف الأفرع الدراسية. فعندما يحاول المجال الأكاديمي التصدي للمسائل الاجتماعية الواقعية التي لا يمكن إنكار وجودها، مثل اللامساواة بين الرجل والمرأة، أو بين الأعراق والطبقات، يُجري تحليلاته بشكل معزول عن المسائل الوطنية والعالمية الأخرى، وكأنّها مشاكل معزولة وحيدة تدور في أفلاكها الخاصة، ويقطعها بشكل مقصود عن الجذور التي أدت لها من سطوة احتكارية سياسية واقتصادية على الموارد المنتجة.
بالنسبة للتيار المهيمن في المجال الأكاديمي، المشاكل، مثل التفريق العنصري والجنسي وغيرها هي السبب في التردي الاجتماعي وليست نتيجة له، ولهذا يمكن حلّها بسلوك حكومي تدخُّلي بشكل محدود، وبسلوك طيِّب تنتهجه المنظمات غير الحكومية والوكالات الأخرى ذات الصلة. أمّا الماركسية فلا تنظر إلى هذه المشاكل بوصفها معزولة عن المشاكل الأخرى التي تحظى بتغطية إعلامية أقل، وتراها ضمن سياق القمع الاجتماعي المنهجي للنظام القائم.
عادة ما ترتدي القطاعات الأكاديمية ثوب المساواة والتقدُّمية كغطاء إيديولوجي لها، لتسوق نفسها كحافظٍ للضمير الإنساني، ولهذا لزام علينا أن نجبرها على خلع هذا الثوب وإظهار ارتباطاتها الحقيقية. فالقطاعات الأكاديمية لا يمكنها أن تحمل ضمن النظام الحالي سمات تقدمية، فهي بذلك ستضطرّ للتمرّد على هيكليتها الجوهرية وقطع حبل السرّة الذي يربطها بالأموال والدعم من النخب المهيمنة. إنّ هذا التشوّه في بنية المؤسسات الأكاديمية القائمة لا يمكن التعويض عنه بسعي «أصحاب النوايا الحسنة» فيها إلى مواءمة مؤسساتهم مع سياسات الطبقة الوسطى الإصلاحية، رغم ميلها المتزايد نحو هذا الخيار.
يتم إمطار التلاميذ من قبل أساتذتهم والمشرفين بشكل مستمر بالقضايا المتعلقة بالتفرقة العنصرية والتمييز الجنسي وغيرها، وكلّ ذلك تحت مسميات مثل «نقد» هذا و«نقد» ذاك. إنّ السمة السطحية لهذا النوع من النقد تجعل صوته ناعماً ومُرضياً للطبقة البرجوازية، ولا يجب أن ننسى بأنّ هذه السطحية تعود في جزء منها إلى كون هؤلاء الأكاديميين يشكلون طبقة فرعية تابعة للنخب البرجوازية، طبقة أحوالها أفضل من غيرها نسبياً. إنّ هؤلاء الأكاديميين يمكن أن يكونوا ناقدين لأيّ شيء باستثناء الشيء الجوهري الذي يستحق النقد: الرأسمالية والجوهر الطبقي للمشاكل.

تطبيع الرأسمالية وتخييل الماركسية

المجتمعات الرأسمالية مثل غيرها من المجتمعات الطبقية، تستخدم آليّات لإنتاج الموافقة على وجودها، ولصق صفة الطبيعية بها. وبسبب هذه الآليات المستخدمة منذ عدة أجيال، بات الكثيرون من الناس ينظرون إلى الرأسمالية وطرق تفكيرها على أنّها طريقة «طبيعية» في التفكير. اختبرت هذه الآليات ثباتاً ونجاحاً هائلين في العقود الأربعة الماضية، الأمر الذي جعل قسماً كبيراً من الطبقة المتلقية، بل وحتى الملقنة، تقع في فخ الطبيعية هذه، وتنظر إلى كلّ شيء يخالفها على أنّه «غير طبيعي». والمجال الأكاديمي هو المجال الأفضل لاختبار إنتاج آليات الموافقة هذه، وآليات تخييل الماركسية بوصفها مضادة للموافقة على «الطبيعية».
إنّ المدرِّسين والمشرفين في المؤسسات المهيمن عليها، بدءاً من التعليم الأدنى ووصولاً إلى الباحثين والكْتَّاب، ينظرون إلى الماركسية وطرائق تفكيرها بوصفها طوباوية لا واقعية، وهو الأمر الذي ينقلونه بأمانة إلى طلابهم ومن يشرفون عليهم. الأمر على هذا النحو المبسط: يسود في الأوساط الأكاديمية الإيمان بأنّ الناس سيبقون على الدوام يبيعون ويشترون الأشياء بهدف الربح، وطالما أنّ الماركسية تحاجج بأنّ هذا الإيمان ليس حقيقياً، وبأنّ الأمر لا يعدو مرحلة تاريخية، فإذاً الماركسية طوباوية ومناهضة للطبيعة، بغضِّ النظر عمّا يثبته الماركسيون.
يؤمن الأكاديميون المهيمن عليهم بأنّ الماركسيّة تروّج للسياسات الاستبدادية، بينما ترتبط الديمقراطية بنمط التفكير الرأسمالي. يُعاد إنتاج هذا الإيمان الخاطئ عبر نشره على ألسنة الأكاديميين المرتبطين بالنخب، وتعميمه وكأنّه حقيقة مسلّم بها، رغم قيام الماركسيين بإثبات أنّ المجتمع الذي يسعون إليه أكثر ديمقراطية من أيّة صيغة برجوازية بشكل وافٍ.

التحرير من السجن الأكاديمي

ليس جميع الأكاديميين مرتبطين بشكل واعٍ بالنخب، هذه حقيقة. لكنّ الحقيقة الأخرى الأكثر أهمية، أنّ جميع المؤسسات الأكاديمية الممولة بشكل جيد، والتي تتلقى مباركة النظام القائم، مرتبطة حتى النخاع بالنخب. وعليه نقع في الخطأ الأول، عندما نفترض بأنّ إصلاح المؤسسات الأكاديمية ممكن عبر «استقطاب» المثقفين الأكاديميين من مدرسين ومشرفين قائمين ومستقبليين.
المؤسسات الأكاديمية مرتبطة هيكلياً بالنظام القائم، والحلم بإصلاحها هو ذات الحلم بقبولها الانتحار. ولهذا يجب على العمل الماركسي أن يبدأ من مكان آخر، أو ربما الأصح: من جميع الأمكنة المتاحة الأخرى. يجب العمل على خلق مؤسسات أكاديمية ماركسية، ويجب محاولة السيطرة على المؤسسات القائمة، والعمل بشكل أكاديمي من خارج المجال الأكاديمي.
المؤسسات الأكاديمية وسيلة إنتاج ثقافي، والطريقة الوحيدة لدمقرطة وسائل الإنتاج هي في سيطرة العامة عليها وحرمان مالكيها من القلّة من ريعها.
لن يكون علينا البدء من الصفر هنا، فهناك اتجاه يؤثر على كلّ مجالات الحياة، ومن ضمنها المجال الأكاديمي، وقد بدأ فعلاً بالسريان: المعاداة المتنامية للرأسمالية في المجتمع الأوسع. فإذا ما ذهبنا إلى مركز الرأسمالية، الولايات المتحدة، لنأخذ مثالاً الاستطلاع المنشور من قبل مركز بيو للأبحاث في حزيران 2019، فسنجد أنّ: 42% من الأمريكيين ينظرون بإيجابية للاشتراكية، و33% ينظرون بسلبية للرأسمالية. ومن بين الـ 33% هناك 20% يرون بأنّ الرأسمالية فاسدة ومستغلة و23% يرون بأنّ توزيع الثروة جائر.
إنّ تاريخ المجال الأكاديمي هو تاريخٌ لقمع الأفكار الماركسية، وهو بالتالي تاريخ الصراع الماركسي ضدّ النظام القائم وإعادته إنتاج نفسه مراراً، وبألوان متنوعة، وليس مجرّد صراع للحصول على مقاعد أكبر في مؤسسة بحثية أو مقالات أكثر في مجلّة دورية. إنّه ذات الصراع الطبقي بشكله الإيديولوجي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
954
آخر تعديل على الإثنين, 24 شباط/فبراير 2020 13:22