السقوط في فخ الوسط وتشتيت الطبقة العاملة
لا يمكننا في مواجهة اليمين الفاشي أن نقف مكتوفي الأيدي، وهو الأمر الذي يدعونا للذهاب إلى اليسار الجذري لمجابهة الدعاية الشعبوية- اليمينية. لكن إن أخفقنا، وخاصة تحت شعارات كسب أكبر قدر من الناخبين، في التمسك بمواقفنا لتغيير المنظومة المهترئة جذرياً وبناء منظومة المنهوبين مكانها، عندها سنفسـح الطريق للفاشيين كي يكسبوا على حساب تلكئنا في تبني قضايا الجماهير. إنّ تحقيق الفاشيين مكاسب بسبب تقهقر اليسار عن مواقفه الجذرية والعودة للوسط المحتضر، مأساة مفاهيمية يمكن لنا أن نرى آثارها المتكررة بشكل جليّ في الانتخابات البريطانية العامّة الأخيرة، ومن هنا تأتي أهمية اختيار هذا المقال كأمثولة عن السقوط في فخ الوسط. «فالعمّال» هناك لم يخسروا 800 ألف مصوّت من صفوفهم لصالح «المحافظين» وحسب، بل كذلك خسروا 2,5 مليون بقوا في منازلهم، ولم يصوتوا للحزب بسبب تراجعه إلى الوسط.
جورج ويست وآخرون
تعريب وإعداد: عروة درويش
الجميع متفق على أنّ الفوضى تعمّ النظام النيوليبرالي، وأنّ الفضاء السياسي العالمي المضطرب– من ترامب وبيرني، إلى خروج بريطانيا الشائك من الاتحاد الأوروبي «بريكزت»، وليس نهاية بما شهدته الانتخابات الألمانية والفرنسية والإيطالية– يشهد على تداعي الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية وتصاعد نجم اليمين المتطرف.
ولا يشذّ عن ذلك ما سمي بولادة الكوربينية «نسبة لجيرمي كوربين زعيم حزب العمّال، والدالّة على عودة اليسار الأوروبي عن مواقع الوسط»، والتي بات الكثيرون اليوم يقولون بأنّها ماتت في مهدها. وإذا ما نظرنا إلى التحليلات السياسية الليبرالية للأمر، فسنجدهم يصرون على أنّ المسألة ليست أكثر من مسألة «استقطاب» بين الأحزاب. لكنّ التحليل الليبرالي يفتقد لعنصر أساس حرّك هذه التطورات في المقام الأول: رفض الطبقة العاملة المتزايد والصلب للوضع القائم، وقطعهم مع السياسات والسياسيين الذين يتاجرون بدمائهم، بغض النظر عن التسميات التي يختارونها لأنفسهم.
تزامن اليسار واليمين
لطالما تزامن صعود «أقصى» اليسار مع صعود أقصى اليمين ضمن توتر ديالكتيكي ثابت: فكانت المعارك في الشارع بين الحركات العمالية في حينه- وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الاشتراكي- و«كتائب العاصفة» الفاشيّة الموالية للنازية من السمات الرئيسة لجمهورية فايمر الألمانيّة «1918-1933». في بداية العشرينات كانت ألمانيا على وشك أن تشهد ثورة شيوعية كاملة، ثمّ في 1933 بات الحزب النازي هو الأكبر في البرلمان الألماني.
كما يؤكد التاريخ المعاصر على أنّ هذا المبدأ لا يزال قائماً. شهدت الانتخابات اليونانية عام 2015 سابقتين: حصول سيريزا من الجناح اليساري على الأغلبية، وصعود نجم «الفجر الذهبي» الفاشيّ علناً ليصبح ثالث أكبر قوة سياسية في البلاد.
ذهب المقترعون الفرنسيون بأعداد كبيرة في 2017 ليدعموا رؤى ميلانشون الاشتراكية، وكذلك رؤى لو بان القومية اليمينية. وقبل أشهر من ذلك صعد في الولايات المتحدة نجم الاشتراكية- الديمقراطية عبر بيرني ساندرز، قبل وقت قصير من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
يذهب التحليل السطحي الممل من كثرة تكراره إلى أنّ هذا يشير إلى تحول كبير نحو اليمين، يُدفع إليه الفقراء وغير المتعلمين. لكنّ نظرة سريعة إلى دراسات إحصائيات الانتخابات تكشف لنا عن أنّ الطبقة العاملة تتحول بسرعة وبشكل مفاجئ في ردود فعلها الانتخابية. إنّ مكاسب لوبان في انتخابات 2017 يمكن فهمها فقط في هذا السياق، والتي تشكل خسارة حزب ميلانشون الاشتراكي جزءاً منها.
حدث هذا بشكل مكرر على طول العالم: فحيث اتبعت الأحزاب اليسارية ما يدعى بالنموذج البليري «نسبة لطوني بلير والدال على يسار الوسط» في تعاملها مع النيوليبرالية، سقطت. وفي غياب بدائل يسارية قابلة للحياة، كانت أحزاب أقصى اليمين هي المستفيد الرئيس من هذا السقوط.
أساطير سياسية
رغم آلاف الأعمدة في الصحف والمحاضرات والبرامج التلفزيونية التي حاولت أن تقنعنا بأنّ صعود ترامب كان سببه حشد المقترعين البيض العنصريين، فقد كشفت لنا الإحصاءات والأرقام كذب هذه القصة: فمن بين كلّ أربعة عمّال بيض البشرة ممّن اقترعوا لصالح أوباما في 2012، هناك واحد رفض الاقتراع لكلينتون في 2016، والعديد من هؤلاء انتقلوا إلى معسكر ترامب، وخاصة الذين ينتمون إلى ما يسمّى «الحزام الصدئ» لحقبة ما بعد التصنيع، والذين تجاهلتهم كلينتون ووعدهم ترامب بالتحوّل الاقتصادي وإعادة الصناعة للولايات المتحدة.
فإذا ما قارنّا بين انتخاب أوباما في 2008 وكلينتون في 2016، فسنجد أنّ أكثر من 4,4 ملايين مقترع قد قاطعوا التصويت نهائياً. ولهذا فالقول بأنّ المقترعين الذين أوصلوا أول رئيس أسود في تاريخ أمريكا قد تحولوا لانتخاب الرئيس العنصري بشكل علني لأنّهم عنصريون، أمر يثير الضحك. إنّ ما حصل في الحقيقة أنّ هؤلاء المقترعين قد رفضوا وعد كلينتون بالمزيد من اللاشيء الذي اختبروه- معظمهم من السود واللاتين من الطبقة العاملة- عنى هذا امتناع بعضهم عن التصويت إحباطاً، وانتقال آخرين للتصويت لعرض ترامب بالتغيير لملء الفراغ. إنّه ذات ما حدث عند اقتراع البريطانيين في 2016 لصالح التغيير الذي أملوه في بريكزت.
لقد مضى ملايين البريطانيين لمساندة بيان التغيير الذي طرحه حزب العمّال والذي كان الأكثر جذرية ومناهضة للعنصرية منذ عقود، لكنّهم فقدوا الإيمان بحزب العمّال عندما تراجع عن وعوده لصالح إجراء استفتاء آخر للخروج من الاتحاد الأوروبي، ما وشى بالاستمرار بالوضع القائم، الأمر الذي لم تتسامح به الجماهير.
وكما قال الكثيرون من قبل: كان بيرني ساندرز ليفوز على ترامب، ينطبق ذات الأمر على ليكزت «أي الخروج من الاتحاد الأوروبي على طريقة اليسار، وليس بطريقة اليمين التي يسعى لها حزب المحافظين».
ولكن لأكون واضحاً هنا، ولأسهب في شرح ما أعنيه تحاشياً للتعليقات المملة: لا يعني ما أقول بأنّ ناخبي حزب العمال من الطبقة العاملة قد تحولوا ببساطة بحشودهم لمناصرة حزب المحافظين. فرغم وجود دلائل على حدوث ذلك إلى حدّ ما، فمن بين من صوتوا لصالح العمّال في 2017 هناك 25% منهم قد انتقل للتصويت لصالح المحافظين. المشكلة الحقيقة في الـ 2,5 مليون الذين صوتوا في 2017 وامتنعوا عنه في 2019، ما يشير إلى إحجامٍ في الإقبال العام بنسبة 1,5%.
فمثلما حدث في أماكن أخرى من أوروبا وفي الولايات المتحدة، لم يعد المقترعون مهتمين بالتصويت لبقاء الوضع القائم، الأمر الذي تجلّى في بريطانيا في التنصل من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فإذا ما أردنا الدخول في تفاصيل فقدان زعيم حزب العمال كوربين للثقة التي كانت سائدة فيه في 2017، لرأينا بأنّ التغيّر الوحيد المهم الذي حصل من حينه، هو الوعد بإجراء استفتاء خروج ثانٍ من الاتحاد الأوروبي، وذلك في تناقض حاد مع رسالة جونسون المنافقة ولكن الواضحة: «لننتهي من بريكزت».
إنكار الوسط
ليس المقصود بما نقول أن نلغي دور العنصرية كعامل فيما حدث، فهذا الدور كان فاعلاً ولا يزال قائماً، وعلينا أن نبذل كلّ جهد ممكن لإيقافها. لكن هذا يأخذنا إلى السؤال الواجب طرحه لتصويب الاصطفاف، مع استمرار انهيار الوسط ومع هجر قطاعات واسعة من الطبقة العاملة له، لماذا لا يزال قسم من اليسار يرفع رايته؟ لماذا تصرّ قيادات هذا «اليسار» البريطاني على تبني البقاء في الاتحاد الأوروبي؟
قد يكون السؤال الأهم هنا: من سمح لهؤلاء بتولي دفّة الأمور والحصول على كلّ قوة التأثير هذه؟ كيف تمكنوا من إيجاد تربة صالحة لمطامحهم السياسية، ولماذا لم يتم اقتلاعهم أو تشذيبهم بشكل كبير حتّى يتوضح الفارق بين الجذري والوسطي؟
أظنّ بأنّ الجواب يكمن فيما يسمى باليسار الأكاديمي وتأثيره في الطبقة الوسطى وعدم ثقتها بالطبقة العاملة وازدرائها لقيمها على أنّها متدنية وشعبوية. فمع عدم القدرة على إنكار سقوط الوسط السياسي كما تحدثنا، بدأ الكثير من سياسيي الوسط ووسائل إعلامهم يسعون بيأس لتبرير الأمر.
وقد قادهم تركيزهم على مكاسب اليمين إلى نفخ الحياة في شبح «الشعبوية» للاختباء خلفه وعدم الاعتراف بعدم أهليتهم. ومضى بعضهم إلى أبعد حد من خلال النبش في قبور الأفكار المناهضة للديمقراطية منذ زمن أفلاطون، ليتذرعوا بأنّ هذا الأمر دوريّ الحدوث لا دخل لاصطفافهم بإيقاظه، وذلك على طريقة المُنعمين الذين يحتاجون دوماً لشماعة.
تمّ وَسم المقترعين من الطبقة العاملة بأنّهم جهلة ومخيفون ومتخلفون ثقافياً وأخلاقياً، القصة التي تمّ تقيؤها مراراً وتكراراً فيما بعد بتعديلات تناسب كلّ من يطرحها من المنتمين للطبقة الوسطى، وهم في الحالة البريطانية المؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي. يمكن للمرء أن يتخيل هنا أحد الخريجين الجدد مستيقظاً في سريره يحمل جهازاً لوحياً إلكترونياً في يد، وكوب قهوة ساخنة في أخرى، مرعوباً وشاحب الوجه بسبب ما يقرأ من أخبار في صفحة الغارديان، جاحظ العينين من نوايا مؤيدي بريكزت القاسية بالمهاجرين.
إنّ هؤلاء، ملتصقون بخوفهم وازدرائهم للعمال، يتبعون تأثير شخصيات «يسارية» مرموقة ترفض هذا التحليل وتستمر بتكرار وإعادة ذات المصطلحات فارغة المحتوى عن الديمقراطية والمساواة والعدالة التي فقدت معناها نتيجة تكرارها بشكل أجوف طوال العقود الأربعة الماضية. لكنّ هؤلاء البارزين- الذين يسمون أنفسهم يساريين وشيوعيين- يمكن فهم موقفهم المصلحي، فمهنتهم تعتمد بشكل أساس على أن يظهروا بهذا الشكل وعلى تكرار هذه المصطلحات ليبقوا على مصالحهم وارتباطاتها حيّة.
إنّ إعادة إنتاج خطاب البقاء في الاتحاد الأوروبي يُعد جوهرياً ولازماً للإبقاء على إيديولوجيا الطبقة الوسطى حيّة، وهي ما يُظهر بأنّ إيديولوجيا الطبقة الوسطى لا زالت تُهيمن على الكثير من الأحزاب اليسارية بدورها الوظيفي لا العددي. إنّ هذه الهيمنة تجعلهم ينكرون مصالحنا ويشوهون ثقافتنا ويُسكتون أصواتنا.
مهاجمة «اليسار» للطبقة العاملة
يتم الهجوم على الطبقة العاملة عبر صيغتين. الأولى بسيطة: هاجمها بذات المصطلحات التي تستخدمها المؤسسة الليبرالية، وتجنب تماماً أيّة إشارة للعداء الطبقي، ولكن ألبس هجومك قناع «النقد يساري الطابع».
الصيغة الثانية أكثر تعقيداً وتعتمد بشكل رئيس على السفسطة الأكاديمية: أعد تعريف الطبقة العاملة، أو قم على الأقل بوضع معايير لشرعنة الطبقة العاملة بهدف استبعاد كلّ من لا يلائم القالب المثالي عالمي الطابع.
يمكننا أكثر ما يمكن إيجاد أمثلة توضيحية عن نجوم هذا الهراء في السياق البريطاني في تعليقات نجمي «اليسار» الإعلاميين: آش ساركار من نوفارا للإعلام، وأوين جونز من صحيفة الغارديان.
صوّرت ساركار فلماً «استطلاعياً» سابقاً للاستفتاء وهي تتجوّل في شوارع منطقة باركينغ، البلدة التي يعيش 30% من أطفالها عند خط الفقر، وكانت تسأل أسئلة مفصلية لمجموعة أغلبيتها الساحقة من الطبقة العاملة البيضاء ذات اللهجة المحلية الجافّة. ثمّ انتقلت لإظهار نقيض هذه المجموعة «غير المتحضرة» والتقت بمجموعة من ملوني البشرة الذين يرتدون ملابس أنيقة وفارهة ويتحدثون ببراعة.
لن تخفى على أحد طريقة إعداد هذه الفيديوهات وانتقاء قلّة من اللقطات من بين مئات أخرى ليتم عرضها بحسب السعي لما تريد إظهاره. لكن ورغم ذلك، فلم تجد بين من التقتهم من البيض من صرّح بتعصب عنصري وثقافي أعمى. لقد عبّر جميع من التقتهم عن استيائهم من نقص الوظائف، وخنق شبكة الصحة العامّة والإسكان.
«كراهية المهاجرين» التي تحدثت عنها ساركار كثيراً فيما بعد، لم نشهد لها في مقابلاتها إلّا تصريحات سطحية، من قبيل تصريح أحد الشبان البالغ سنّه 17 عاماً عندما اشتكى من أخذ المهاجرين للوظائف، وأضاف بعدها: «أعلم بأنّ الأجانب ليسوا هم الملومين، فبعضهم أطباء وينقذون حياتنا»، ثمّ أطرق بعينيه للأرض بهيئة معتذرة تعبّر عن كونه يبحث عن إجابة، وليس عنصرياً.
وفي أحاديث ساركار اللاحقة الكثيرة عن نتيجة مقابلاتها هذه، لم تشر إلى المخاوف الطبقية والاقتصادية التي عبّر عنها من قابلتهم. بل لجأت بدلاً من ذلك إلى التشكي من «النشاز المعرفي» والرغبات العنصرية «بتسيّد البريطانيين»، الرغبات التي لم يعبر عنها أحد ممن قابلتهم. واستمرت بترديد أنّهم يعتبرون «بياضهم» مؤهلاً لهم ليحصلوا على الأشياء.
ألم يستطع هذا الجناح «اليساري» أن ينظر أبعد من ذلك ليرى بأنّ من حقّ هذه الطبقة العاملة، بغض النظر عن لون بشرتها، أن تحظى بوظائف وخدمات عامة محترمة؟ ألم يكن الفقر الذي يدهمهم باستمرار سبباً لإرباكهم وحنقهم؟ ألم يكن أولى أن يبحث هذا الجناح عمّن حوّل المهاجرين إلى رمز لهذه المخاوف الاقتصادية؟ هل بذل أحدهم الجهد ليكون «يساراً» بدلاً من التحلل من الخطاب الطبقي بالكامل؟
محاربة العنصرية، كيف؟
لنكون واضحين، لا يجب التسامح مع أيّ سلوك عنصري يظهره أيّ شخص، ولا يجب تبريره، فالسلوك العنصري خطير ويجب محاربته. لكن هل التعبيرات العنصرية التي يتبناها البعض من الطبقة العاملة تجعلهم عنصريين بالطبيعة ولا رجعة لهم عنها؟
عندما تحدث جورجي ديمتروف عن أنّ المهمة الرئيسة للأحزاب الشيوعية هي: «تنظيم نضال مشترك للعمال الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين... وبقية العمال ضد هجوم رأس المال وضد الفاشية وخطر الحرب» كان يعلم تماماً عن «الاستقطاب» اليميني لمجموعات العمّال خائبي الأمل بالوضع القائم، وكان متيقناً بأنّ أصحاب التعبيرات الفاشيّة ليسوا جميعاً فاشيين بطبيعتهم لا يمكن إرجاعهم لتبني تعبيرات تدلل على مطالبهم الحقيقية ووسائل تحقيقها.
إنّ مشكلة هؤلاء الحقيقية، والسبب الأساس الذي دفعهم إلى حضن اليمين الصاعد وإلى خطبه الشعبوية هو الفراغ الذي سببه غياب خطابٍ يساريّ حقيقي. والمسؤول عن غياب يسار حقيقي هم «يسار الوسط الليبرالي»، فهل يمكن بعد هذا أن نتوقع منهم الاستماع إلى «يسار» يرغب بإبقاء الأوضاع على حالها مع وضع بعض الألوان التجميلية؟
وكما قال النقابيّ البريطاني إيدي ديمبسي- الذي كان محل هجوم شرس من هؤلاء التجميليين رغم تاريخه المشهود في تنظيم العمّال المهاجرين الذين لم يعرهم أحد الأهمية- في مسيرة ليكزت في آذار 2019 فالسبب الرئيس الذي يدفع بهؤلاء للذهاب إلى عروض اليميني المتطرف تومي روبنسون أو أيّة مسيرات مشابهة له، هو أنّها توحدهم ضدّ شيء واحد يكرهونه هو اليسار الليبرالي، «وهم محقون في كراهيتهم له».
ورغم محاولات التجميليين في دفاعهم عن مواقفهم إظهار ديمبسي وأمثاله- ليس في بريطانيا فحسب بل على طول العالم- وكأنّهم يريدون التخلي عن قسم من الطبقة العاملة، تحديداً المهاجرين والأقليات العرقية والدينية، فالحقيقة أنّهم هم من يريدون التخلي وبشكل واضح عن القسم الأكبر والأهم من الطبقة العاملة، أي باختصار: كلّ من لا يعتبرونه ملائماً لمعاييرهم الأكاديمية عن «اليسار الراقي»، ولا فرق لديهم أيّ انتماء له. فهؤلاء بالنسبة لهم مجرّد «شعبٌ متخلّف» لا يستحق جهد البحث في احتياجاته الحقيقية، ولا حشده للدفاع عن قضاياه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 947