أمراض القطاع الصحي في ظل الرأسمالية...الأطباء حلقة أخرى في سلسلة المنهوبين
إنّ حالات الإنهاك والاكتئاب والانتحار التي تصيب الأطباء تتصدّر النقاشات داخل المجال الطبي. فمعدلات الاكتئاب والانتحار بين الأطباء الذكور والإناث هي أعلى منها لدى الذكور والإناث في التركيبة السكانية ككل، فالمعدل بين الأطباء الذكور هو أعلى بـ 1,47 ولدى الأطباء الإناث هو أعلى بـ 2,27. ويبدأ الأذى النفسي للأطباء منذ فترة مبكرة في مهنتهم.
مايكل باباس
تعريب وإعداد: عروة درويش
إنّ الأرقام قد تختلف من دراسة لأخرى بشكل طفيف، فإنّ حوالي 28% من الأطباء المقيمين يعانون من سلسلة اكتئابات حادّة أثناء فترة تدريبهم، مقارنة بحوالي 6% إلى 8% من عموم السكان. إنّ هذه الأرقام هامّة، ليس فقط لكون الأطباء الذين يعانون هم بشر ولديهم حقوقهم، بل أيضاً لأنّ هذه الجائحة تقود إلى رعاية طبية سيئة.
استغلال وتغريب الأطباء
أشارت دراسة حديثة أجرتها كلية الطب في جامعة «ستانفورد»، أنّ الإنهاك والاكتئاب لدى الأطباء قد يقود إلى أخطاء طبية وإلى الموت. حاول العديد أن يفسروا أسباب هذه الجائحة، متطرقين إلى كلّ شيء من عبء العمل غير المحتمل، إلى عدم الفاعلية في العمل، إلى نقص المغزى في العمل، وصولاً لعدم الموازنة بين الحياة والعمل. باتت هنالك أفلام تنتج الآن للإضاءة على الأمر. وقد أشارت باميلا ويبل أثناء حديثها بعنوان «لماذا يقتل الأطباء أنفسهم» في منصة «تيد»، إلى الثقافة المنتشرة في كليات الطب، والمتمحورة حول الإرهاق والتسلط المستمرين، ليشملا فترة الإقامة، وذلك إلى جانب الثقافة المهنية التي تعيق حصول الأطباء على العلاج النفسي.
إنّ هذه العوامل تساهم دون شكّ بالجائحة، لكن عندما نناقش انتحار الأطباء فإننا نتناسى العامل الأكثر حرجاً في المسألة: الرأسمالية. نحن غير قادرين على تمييز الاستغلال والتغريب اللَّذيَن يُعاني الأطباء منهما ومدى اتصالهما بشكل تكاملي مع النظام المهيمن اقتصادياً، لكن لا شيء قد يكون أكثر وضوحاً من هذا إذا ما أخذنا بالاعتبار حالة العالم اليوم.
والمثير للسخرية أنّ النظام المدمر ذاته الذي يدفع الأطباء إلى حدود تحملهم القصوى، هو أيضاً من يدفع نحو تدهور صحّة السكان وتحويلهم إلى مرضى. وكلّما أسرعنا في إدراك ومواجهة هذا الاستغلال أمكننا بشكل مبكر أن ننضم إلى الكفاح لمعالجة الدوافع الحقيقية للأمراض التي تعصف بكلا الأطباء والمرضى.
لا يمكن للأطباء الفرار
إنّ النظام القائم في العالم اليوم، يسلّع كلّ منحىً من الحياة بما في ذلك الرعاية الصحيّة. وكنتيجة لذلك فإنّ نظام الصحة هو عرضة لوابل الآليات السوقية. لا يزال الأطباء واختصاصيو الصحة، رغم كونهم يحصلون على مداخيل أكبر من أعضاء الطبقة العاملة العاديين، مجبرين على العمل ضمن نظام يمنح الأولوية للأرباح على حساب صحّة الناس.
فكما أعلن هاوارد ويتزكين ومجموعة عمل الصحة ما وراء الرأسمالية: «كان الأطباء حتّى الثمانينيات يملكون و/أو يتحكمون في أغلب الأحيان في وسائل إنتاجهم وظروف ممارساتهم». سمح هذا لهم بالسيطرة على أشياء، مثل: ساعات عملهم، وكميّة الوقت الذي يقضونه مع مرضاهم. وكما أشارت المجموعة: «إنّ فقدان السيطرة على ظروف العمل قد تسبب بالكثير من التعاسة والإنهاك للعاملين في المهنة».
فالأطباء اليوم، مثلهم في ذلك مثل بقيّة أعضاء الطبقة العاملة، لا يسيطرون على عمالتهم. فقد باتت الشركات أو غيرها من المؤسسات الكبرى هي التي تسيطر على مثل هذه القرارات. أصبح الأطباء «بروليتاريا». ورغم أنّهم ليسوا أعضاء في الطبقة العاملة التقليدية، فقد أصبحوا أدوات في عجلة الشركات الهادفة لتحقيق الربح. يتركنا هذا مع نظامِ صحّةٍ طفيلي يهتم بالربح أكثر من العناية بصحّة البشر.
إنّ مجمع الصناعات الطبيّة، المؤلف من مختلف الشركات- المستشفيات ومن شركات التأمين الكبرى وشركات الأدوية والأجهزة الطبية، هو من يحكم غالبية القرارات البنيوية الكبرى التي تؤثر على رعاية المرضى. إنّ النخب الحاكمة في هذه المؤسسات هي مثلها مثل غيرها في بقيّة المؤسسات الرأسمالية، تتخذ القرارات دون العودة إلى الذين تتأثر حياتهم بهذه القرارات.
إنّهم يتحكمون بأسعار العقاقير التي تقود غالباً إلى أسعارٍ لا أخلاقية للأدوية، وفي الوقت الذي يجب على الأطباء أن يقضوه مع مرضاهم في العيادات. لدى هذه المنظمات هدف أساس، هو: تعظيم ربحهم، بغض النظر عن حملهم لاسم (لا ربحي) أو (ربحي). وبالنتيجة يصبح المرضى والأطباء الذين يعالجونهم في أسفل سلم اهتماماتهم.
وبما أنّ الربح هو الأساس في تعامل الرأسمالية مع القطّاع الذي يفترض به رفاه وصحّة البشر، فإنّهم يضغطون ويدربون الأطباء ومزودي الخدمات الصحيّة عموماً على أن يكونوا مجرّد أدوات فاعلة لجني الأرباح، فيُجبرون على وضع وقتٍ محددٍ للمريض، بحيث ينتهون منه بأسرع ما يمكن، ويجبرونهم بشكل مباشر أو غير مباشر على جعله يدفع فاتورة كبيرة لقاء علاجه إلخ...
البدء منذ الدراسة
يتم إجبار طلاب الطب على الدراسة لساعات لا تعد ولا تحصى، ويتم إخبارهم بأنّ السبب في ذلك هو «تهيئتهم بشكل حسن» بمعارف ستفيدهم في تمرينهم المستقبلي. يقضي الطلاب أول عامين من دراستهم في الصفوف الدراسية، حيث يتم حقنهم بكميات معلومات لا يمكن حفظها بينما يتم إخبارهم «بأنّ هذه هي دراسة الطب وبأنّ عليهم أن يعتادوا الأمر».
لسوء الحظ، فإنّ معظم هذه المعلومات التي يقضي الطلاب الساعات الطوال في دراستها وحفظها لن يستخدموها للعناية بالمرضى، فهذه المعلومات يتم امتصاصها من أجل تقيُّئِها عند الامتحان، ثم ليتم نسيان معظمها. يتم تدريب الطلاب على البدء بالانصياع (وذلك ينطبق على دراستهم الثانوية) لمطالب السلطات الأعلى منهم، إن كانوا يريدون النجاح.
لا يملك الطلاب الكثير من السلطة على ما يتعلمونه، بل عليهم تقبّل ما يقال لهم من أجل النجاح باختباراتهم. وهنا يبدأ الطلاب الذين دخلوا المجال أساساً وهم راغبون بأن يصبحوا أطباء جيدين يخدمون البشرية بفقد حماستهم وشغفهم الفردي، لأنّ الاختبارات والتقييم الدوري التي يقرر فيها المشرفون فيها علاماتهم تصبح أكثر أهمية. يتم تدريبهم على أنّ عليهم الانصياع للشخصيات في السلطة، إن كانوا يريدون النجاح، وبأنّ عليهم تأجيل الانصياع لشغفهم ومصلحتهم إلى وقتٍ لاحقٍ. يؤثر هذا الأمر دون شك على مزاج وأخلاقيات الأطباء المستقبليين.
ثم يطلب إليهم بدءاً من السنة الثالثة، أن يقضوا وقتاً هائلاً في المستشفيات، ويطلب منهم تخطي «اختبارات التدريب السريري Clinical clerkship exams» أو ما يسمّى «اختبارات الرف Shelf exams» نهاية كلّ دورة تقييم، وهي الاختبارات التي تؤثر بشكل هائل على علامات التقييم الكلي للطلاب. ولأنّ فرقاً صغيراً في درجات التقييم قد تؤثر بشكل جذري على فرصهم بالإقامة، يقضي الطلاب أوقات فراغهم في الدراسة للامتحانات بدلاً من القيام بنشاطات تزيد من رفاههم وتؤثر إيجاباً في صحتهم النفسية. ولأنّ نتائج الاختبارات تقرر الاختصاص الطبي الذي سيختصون به، فهذا يضع ضغوطاً إضافية على الطلاب ليؤدي إلى قضائهم وقتاً أقل في التفكير بأنفسهم في الوقت الذي يقضونه خارج المستشفى.
ويتوقع من الطلاب في السنة الرابعة أن يتموا «التدريب Sub-internship» في المستشفى في المجالات التي يهتمون بالاختصاص بها أثناء فترة إقامتهم. يتطلب هذا التدريب من الطلاب أن يعملوا بحدود الـ80 ساعة المسموحة لهم والمطابقة لوقت عملهم كمقيمين. غالباً ما يحمل الطلاب هنا لوحات المرضى الخاصة بهم، ويكتبون الوصفات التي يوقعون عليها كمشتركين، ويمكنهم حتّى أن يوافقوا على اعتماد برامج علاجية. والفرق الوحيد هنا بينهم وبين المعاودين الفعليين المأجورين أنّهم لا يتلقون أجراً على عملهم. بل عليهم عوضاً عن ذلك أن يعملوا «ليثيروا إعجاب» رؤسائهم أملاً في منحهم تقييماً إيجابياً. ويتم هنا من جديد تعليم الطلاب أنّ هدفهم النهائي هو الاستماع والسعي لإرضاء السلطات.
فترة الإقامة
ما إن يدخل خريجو كليات الطب فترة الإقامة حتّى يبدؤوا في فترة كونهم مُستَغلين بشكل حتمي، بعد أن باتوا مدركين حاجتهم للسماع لتوجيهات السلطة من أجل النجاح، وهو الأمر الذي يقلّص حماستهم لأيّ شيء غير السعي لرضى رؤسائهم، والأهم من ذلك: قمع أيّ اكتئاب أو توتر قد يشعرون به بسبب نظام استغلالي غير فعّال. ليس لديهم من خيار الآن (هذا ما يتم إخبارهم به) غير طريق الإقامة. يتم في هذه المرحلة تلقينهم أنّ عليهم أن يجدوا أنفسهم في هذه المرحلة عبر القيام بتضحيات مالية وعاطفية، وغالباً ما تؤدي إلى فقدان اتصالهم بالأشخاص الذين يحبونهم وذلك من أجل إتمام متطلبات تعليمهم.
لكن وللأسف، فإنّ استغلال هؤلاء الأطباء الجدد قد بدأ لتوّه. فأثناء التدريب يتم إجبار الأطباء على العمل لثمانين ساعة أسبوعية يقومون خلالها بالجزء الأكبر من رعاية المرضى (ناهيك عن الساعات الإضافية من التحضير خارج المشفى أو العيادة، والتي لا تحتسب من ضمن الساعات الثمانين). ويتم في هذه الأثناء دفع أجور زهيدة لهم ليشكلوا مصدراً فعالاً للعمالة زهيدة الثمن للمستشفيات والعيادات. يصبح المقيمون منهكين بدنياً وعاطفياً أثناء محاولتهم العناية بمرضى، يُستقبل الحدّ الأقصى من المرضى مع طواقم طبيّة قليلة. تصبح ساعات العمل المرهقة غير الصحيّة هي الوضع الاعتيادي بالنسبة للمقيمين، ويتم إقناعهم (أو هم يقنعون أنفسهم لكونهم لا خيار لديهم) بغية عدم التحول لمجانين بأنّ هذا الأمر طبيعي. لا عجب في أنّ هذه الحال تؤدي بالكثيرين إلى الإنهاك والاكتئاب.
يتم هنا إعداد الأطباء ليكونوا فاعلين، أي: منتجين فاعلين للربح حالما ينتهون من مرحلة الإقامة. مثال: يتم التركيز أثناء فترة الإقامة بشكلٍ كبيرٍ على تلبيتهم «لمعايير نوعية» محددة للعيادات أو المشافي. يتم إجراء التدريب تلو التدريب من أجل ضمان فهم المقيمين للعملية التي تتم فيها إطلاق الفواتير. يتعلم المقيمون كيف يعاينون المرضى بسرعة كبيرة جداً وكيفية إنهاء زيارة المريض بشكل كامل خلال 15 دقيقة. وكما يشهد أيّ شخص يعمل في مجال التزويد بالرعاية الصحيّة، فهذا ليس بالوقت الكافي لإجراء اتصالٍ شخصي ملائمٍ مع المريض.
وعلى المقيمين كذلك أن يتعلموا كيف يُعدون السجلات الطبية في أيّ نموذج بيانات طبية يتم تدريبهم عليه. فكما أشار الدكتور مات أندرسون في تعليقه على سجلات «EMRs»: «إنّ أغلبها مصمم لغرض الفوترة ومعلومات النوعية، وليس من أجل تسهيل الرعاية السريرية». ينتهي المطاف بالمقيمين في قضاء الوقت في البحث على الكمبيوتر أكثر من التواصل مع المريض. قد لا يتمكن المرضى داخل المستشفى من لقاء أطبائهم أكثر من بضع دقائق يومياً. يعود سبب هذا بشكل جزئي إلى أنّ الأطباء يقضون بقيّة يومهم في توثيق وتنسيق بيانات الرعاية في نظام أحمق، كي يضمنوا أنّ المستشفيات ستكون قادرة على استيفاء المال من بقاء المرضى فيها.
يؤدي هذا بالأفراد الذين دخلوا كليات الطب من أجل هدف سامٍ هو العناية بالمرضى، إلى الانفصام بين محاولة الحفاظ على هدفهم وتلبية معايير «إجراءات النوعية». فإن لم يعاينوا عدداً كافياً من المرضى في العيادة أو المرضى الداخليين في المستشفى، فلن يتم اعتبارهم «صالحين للسوق» من قبل أرباب العمل. إنّ هذه البيئة يمكنها دون شك أن تنتج معاناة بدنية ونفسية وعاطفية بين المتدربين الذين يتم استغلالهم.
وحتّى عندما تظهر الدراسات العديدة بأنّ ساعات العمل العقابية هذه تضع كلا الأطباء والمرضى في حالة خطر، فعندما نصل لحلّ حقيقي للمشاكل المذكورة يتم إلقاء العبء على كاهل الطبيب من أجل الحفاظ على «رعاية ذاتية». فمنذ بدء فترة الإقامة تتحدث عدّة أقسام «حفاظاً على الصحّة النفسية» مع المقيمين حول أهمية الحفاظ على «الرعاية الذاتية» وحول الوصول إلى «توازنٍ»، مع الإبقاء في الوقت ذاته على النظام الاستغلالي الذي يجهد موظفيه ويقود لمعاناتهم. إنّ المقيمين هم أحد أنواع العمالة زهيدة الثمن لصالح المستشفيات والعيادات، ومعالجة هذه المشكلة على مستوى بنيوي سوف يهدد الوضع القائم الذي يتربح منه المستفيدون بشكل كبير.
ويمكننا من خلال تصريحات قادة هذا النظام بخصوص ظروف العمل أن نفهم ما يريدون. كمثال: قامت الدكتورة جانيس أورلوسكي رئيسة مكتب الرعاية في رابطة كليات الطب الأمريكية بالإعلان: «إنّ الأفراد سيعملون في مهنة تتطلب منهم العمل لساعات مطولة، وأن يكونوا موجودين في ساعات غير اعتيادية... علينا أن ندِّرب هؤلاء الأفراد على تعلّم التأقلم مع أنفسهم بحيث يعلمون أنّهم سيبقون في حالة حرمان من النوم وحالات من التوتر».
إنّه لأمر مثير للاهتمام أن نسمع هكذا تصريح من شخص يعلم أنّ المقيمين يتخطون الحدود وقدرتهم على «التأقلم مع أنفسهم». من الواضح بأنّ هكذا تصريحات تولي أهميّة للحفاظ على الصورة العامّة للبرامج الطبية والمستشفيات أكثر من اهتمامها بمعالجة مشاكل الاكتئاب والانتحار.
الأطباء الممارسون
نعود من جديد لما قاله الدكتور مات أندرسون: «أن تصبح طبيباً موظفاً: يعني: نزع الصفة المهنية، ونشوء موقع طبقي اجتماعي خاص بالمحترفين الطبيين». إنّ المفاهيم ذات الصدى الواسع في الأوساط الصحية: «القيمة والفعالية والنوعية والانضباط السوقي» ما هي إلّا جزء من الإيديولوجيا لتبرير هيمنة الشركات على عمل الأطباء وغيرهم من العاملين في مجال الصحة العامة.
وفي هذه الأثناء وحتّى لو أراد الطبيب تخطي الحدود التقليدية للمساعدة في تحدي الأسباب البنيوية الاقتصادية- الاجتماعية للأمراض المذكورة، فستبقى أمامه كميات هائلة من الديون والفواتير وقروض الطلاب لتحاصره هو وقراراته. كما يمكن أن يبدؤوا بإنشاء عائلة أو أيّ شيء يزيد من التزاماتهم المالية. ولهذا فسيكون من الأسهل عليهم أن يعودوا عن قرارات التحدي، وطأطأة رؤوسهم للأسفل، وإقناع أنفسهم بأنّهم يساعدون في علاج صحّة المرضى. في حين أنّهم في الواقع جزء من عجلة نظامٍ قائمٍ على تعظيم الربح، وعلى تبنيج معاناة المرضى بأحسن تقدير.
إنّ العملية غير النهائية من اليوم تلو الآخر في العيادة، لن تؤدي إلّا إلى تطورٍ ضئيلٍ إن أدّت له أساساً على المستوى المنهجي، ويمكنها أن تصبح محبطة، وأن تجعل من كامل عمل المرء عقيماً. تخيّل أن تقضي أكثر من عشرة أعوام في التدريب في الكلية والإقامة لتجد نفسك وقد انتهى بك المطاف في هذا الوضع. ليس بالأمر العجيب إذاً أن يصبح المرء منهكاً وكئيباً وأن يصبح الهرب خياراً لديه.
يشير الدكتور مات أندرسون إلى مفهوم ماركس عن التغريب: فصل العامل عن السيطرة على عمله، ويصف كيف يتجه القطّاع الصحي بشكل متزايد إلى فصل العامل في القطّاع الصحي عن الأشياء التي يحبها. إن استطاع المقيم تجنّب الشعور بهذا التغريب، فلا بد أنّه سيشعر به ويعاني منه عند مزاولة الطب. لقد تعلم الأطباء كيفية تدوين وإعداد السجلات من أجل الفواتير، وكيفيّة أداء المهمة المستحيلة بالتواصل مع المريض خلال زيارة العيادة خلال 15 دقيقة، لكنّهم لم يتعلموا كيفية البدء بمقاومة النظام الرأسمالي الطفيلي الذي يدمرهم هم وزملاؤهم وكذلك مرضاهم.